خدعوك فقالوا: عائدون إلى الثكنات
كل ما يجرى على الساحة الآن يثير شكوكا قوية فى إجراء الانتخابات الرئاسية، ولا تنس أنه كلما اقترب استحقاق سياسى اضطرارى، أى بفعل ضغوط الشارع، اشتعلت الحرائق هنا وهناك، ليتم بعدها تنفيذ الاستحقاق بالطريقة التى تؤدى إلى النتائج التى يريدها «العسكرى».
وقد حدث ذلك فى أحداث محمد محمود الأولى، عندما وجه «العسكرى» أعنف ضرباته للثورة ليصحو الجميع على دخان كثيف يغطى الفضاء السياسى، على نحو جعل كثيرين يتشككون فى الالتزام بإجراء الانتخابات البرلمانية فى موعدها.. وحين أجريت الانتخابات كان التنافس فيها بين قوى الإسلام السياسى المتحالفة مع العسكر، وبين بقايا النظام السابق، وذلك بعد عزل القوى الثورية التى كانت منكفئة على أحزانها، تشيع الشهداء وتحصى الجرحى وتبحث عن المفقودين والمعتقلين، وكانت النتيجة برلمانا على هوى «العسكرى» ووفق الكتالوج الخاص به.
وما يحدث هذه الأيام من تراجعات ومراجعات وتبديلات فى خرائط الاستحقاقات، والعودة إلى نقطة الصفر بالحديث عن دستور أولا قبل الذهاب للانتخابات، يضعنا أمام أحد سيناريوهين: مزيد من الحرائق السياسية وافتعال كوارث أمنية واقتصادية واستدعاء لنغمة الخطر القادم عبر مخططات أجنبية تهدد الدولة المصرية، ومن ثم إرجاء عملية انتخابات الرئاسة لما بعد الدستور الذى يحتاج شهورا لتشكيل لجنته، ثم الاشتباك والاختلاف على مواده، وبعدها طرحه للاستفتاء، مع إمكانية استثمار مناخ الاستفتاء فى إضرام النيران فى العملية كلها، فى ظل حملة إعلامية تواصل اللعب على ثنائية الجوع والخوف، وتمهد لظهور محمد على باشا أو عبدالناصر جديد ينتشل البلد من الفوضى، وهذا المنقذ لن يكون مدنيا بالتأكيد.
أما السيناريو الآخر فلا يقل سوءا وقتامة، ويقوم على إعادة إنتاج تجربة الانتخابات البرلمانية، بما يؤدى إلى نتائج مشابهة فيما يخص منصب الرئيس، لتأتى بمجسم رئيس، يكون مثل دمية يحركها العسكر ويحكمون البلاد من ورائها.
ويبدو مدهشا هذا التظاهر بالرجوع إلى الحق من حيث الحديث عن ضرورة وضع الدستور قبل انتخاب الرئيس، وهو المطلب الذى بحت الأصوات المحترمة تطالب به منذ بواكير الثورة، وكان الرد الجاهز دائما أن الذين يتبنون هذا المطلب المنطقى يريدون عرقلة مسيرة التحول الديمقراطى ويطيلون أمد المرحلة الانتقالية.
إن الكلام عن حتمية إنجاز الدستور قبل انتخاب الرئيس هو اعتراف صريح وواضح بالفشل من المجلس العسكرى، ذلك أنهم يعودون بعد ١٤ شهرا من العك والعجن إلى نقطة البداية، متشبثين بما كان ينادى به أصحاب الأفهام والبصائر فى ذلك الوقت فيلاقون كل أنواع الأساليب القذرة فى التشويه والتجريح والتخوين والاتهام.
ومن الواضح أن كل الكلام الناعم الحالم عن تسليم السلطة والعودة إلى الثكنات قبل ٣٠ يونيو القادم لم يكن سوى نوع من المناورة والمراوغة لامتلاك الوقت الكافى لتلغيم الأرض تحت أقدام الجميع لينفجر المشهد مرة أخرى وبصورة أعنف، لتدخل العملية السياسية بعدها ثلاجة الموتى، ويرن الشعار «البلد فى خطر ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة».