بقلم / محمـــــد الدكــــرورى
الايمان بالله سبحانه وتعالى هو اليقين التام بالايمان بالغيب وقال بعض العلماء: وخص بالذكر الإيمان بالغيب دون غيره من متعلقات الإيمان، لأن الإيمان بالغيب هو الأصل في اعتقاد إمكان ما تخبر به الرسل عن وجود اللّه والعالم العلوي، فإذا آمن به المرء تصدى لسماع دعوة الرسول وللنظر فيما يبلغه عن اللّه - تعالى - فسهل عليه إدراك الأدلة، وأما من يعتقد أنه ليس من وراء عالم الماديات عالم آخر، فقد راض نفسه على الإعراض عن الدعوة، كما هو حال الماديين الذين يقولون: « ما يهلكنا إلا الدهر ..
ومن الغيب عباد الله إيماننا بالله وتصديقنا لرسوله - صلى الله عليه وسلم - ولم نره وذلك من أعظم الإيمان كما أخبرنا بذلك نبينا العدنان - صلى الله عليه وسلم .
وعن صالح بن جبير قال: قدم علينا أبو جمعة الأنصاري صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ببيت المقدس يصلي فيه، ومعنا يومئذ رجاء بن حيوة - رضي الله عنه - ، فلما انصرف خرجنا نشيعه، فلما أراد الانصراف قال: إن لكم جائزة وحقًا، أحدثكم بحديث سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قلنا: هات - رحمك الله - ، قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعنا معاذ بن جبل عاشر عشرة، فقلنا: يا رسول الله، هل من قوم أعظم منا أجرا، آمنا بالله واتبعناك، قال: ما يمنعكم من ذلك، ورسول الله بين أظهركم يأتيكم بالوحي من السماء، بل قوم بعدكم يأتيهم كتاب من بين لوحين يؤمنون به، ويعملون بما فيه، أولئك أعظم منكم أجرا مرتين.
و "إنَّ الإيمان بالغيب هو العتبة التي يجتازها الإنسان، فيتجاوز مرتبة الحيوان الذي لا يدرك إلا ما تدركه حواسه، إلى مرتبة الإنسان الذي يدرك أن الوجود أكبر وأشمل من ذلك الحيِّز الصغير المحدد الذي تدركه الحواس - أو الأجهزة التي هي امتداد للحواس - وهي نقلة بعيدة الأثر في تصور الإنسان لحقيقة الوجود كله ولحقيقة وجوده الذاتي، ولحقيقة القوى المنطلقة في كيان هذا الوجود، وفي إحساسه بالكون وما وراء الكون من قدرة وتدبير."
ومن الأمثلة على الأمور الغيبية:
1. الرُّوحُ: قال الله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾[85: سورة الإسراء].
2. علاماتُ الساعة الصُّغْرَى التي أخبر عنها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في حديث جبريل: قال فأخبرني عن الساعة قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل قال فأخبرني عن أماراتها قال أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان. قال ثم انطلق فلبثت مليا ثم قال لي يا عمر أتدري من السائل قلت اللّه ورسوله أعلم قال فإنه جبريل أتاكم يعلّمكم دينكم» .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ
أثر الإيمان بالغيب في حياة المسلم:
واعلموا أيها الأحباب أن للإيمان بالغيب أثر بالغ في حياة المرء اليومية نذكر منها:
أولاً: الشعور برقابة الله تعالى عليه، وأنه مطلع على جميع حركاته وسكناته، فيبعثه ذلك على الخشية منه.
ثانياً: الاستقامة على أمر الله تعالى بتنفيذ الأوامر واجتناب النواهي.
ثالثاً: الشعور بالطمأنينة والأنس، فيكون ذلك دافعاً إلى الصبر وعدم اليأس.
الصفة الثانية: إقامة الصلاة:
ومن صفات المؤمنين العملية الظاهرة أنهم يقيمون الصلاة ويواظبون قال - تعالى - :
﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [البقرة: 2، 3].
وقال - تعالى - : ﴿ هدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾ [لقمان: 3، 4].
وقد اختلفت عبارات السلف في معنى هذا الوصف - إقامة الصلاة - :
1 - فعن ابن عباس (إقامة الصلاة: إتمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع، والإقبال على الله فيها).
2 - وقال قتادة (إقامة الصلاة: المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها).
3 - وقال مقاتل بن حيان (إقامتها: المحافظة على مواقيتها، وإسباغ الطهور فيها، وتمام ركوعها وسجودها وتلاوة القرآن فيها، والتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ).
التطفيف يكون في الأعمال والأحوال، كما يكون في الأموال، فالتطفيف في الأعمال عدم إتقانها شرعاً، ولذلك قال ابن مسعود وسلمان رضي الله عنهما: الصلاة مكيال، فمَن وَفَّى وُفِّي له، ومَن طفَّف فقد علمتم ما قال الله في المطففين...