بقلم /محمد سعيد أبوالنصر
ما زلنا نتابع الرد على سؤال من قال لماذا فرض الله الصوم على الأغنياء
نقول : شرع الله الصوم على الأغنياء والفقراء لأن
7- الصيام يربي النفس على التوبة:
عبر عام طويل يحمل العبد على ظهره الكثير من الذنوب والمعاصي ويقع في مخالفات كثيرة، والذنوب تميت القلوب، وغبارها يزكم الأنوف، وإذا اعتاد العبد على الذنب استسهله وخاض في غماره، فيظلم قلبه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ العَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ" ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14] "وقوله: (نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ) أَيْ جُعِلَتْ فِي قَلْبِهِ نُـكْتَةٌ سَوْدَاءُ أَيْ أَثَرٌ قَلِيلٌ كَالنُّقْطَةِ شَبَهُ الوسخ في المرآة والسيف ونحوهما، وَيَخْتَلِفُ عَلَى حَسَبِ الْمَعْصِيَةِ وَقَدْرِهَا، وَالْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ مِنْ بَابِ التَّمْثِيلِ وَالتَّشْبِيهِ؛ حَيْثُ قِيلَ شَبَّهَ الْقَلْبَ بِثَوْبٍ فِي غَايَةِ النَّـقَاءِ وَالْبَيَاضِ وَالْمَعْصِيَةَ بِشَيْءٍ فِي غَايَةِ السَّوَادِ أَصَابَ ذَلِكَ الْأَبْيَضَ فَبِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ يُذْهِبُ ذَلِكَ الْجَمَالَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الْإِنْسَانُ إِذَا أَصَابَ الْمَعْصِيَةَ صَارَ كَأَنَّهُ حَصَلَ ذَلِكَ السَّوَادُ فِي ذَلِكَ الْبَيَاضِ" وسواد القلب ينعكس على الجوارح، فتسيء الأفعال، وترتكب القبائح، ويمنع السواد على القلب "نور الإيمان من الخروج من القلب إلى الصدر، فتجد الصدر مظلمًا، كما أن المشكاة تكون مظلمة إذا كانت الزجاجة سوداء، فتجد اليد تتحرك في ظلمة، والرجل تخطو في الظلمات، والعين تنظر في الظلمات، وهكذا يتحرك كبهيمة عمياء إذا كان القلب قد اسود من المعاصي". ولذلك كان تحصيل المغفرة من أهم معالم تربية النفس في رمضان، فمن خرج رمضان عنه غيرَ مغفور الذنب، فالوعيد في حقه شديد، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الجَنَّةَ"."وقَوْلُهُ: (رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ) أَيْ: لَصِقَ أَنْفُهُ بِالتُّرَابِ كِنَايَةً عَنْ حصول الذل. والرَّغَامِ وَهُوَ التُّرَابُ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الذُّلِّ وَالْعَجْزِ عَنِ الِانْتِصَافِ وَالِانْقِيَادِ عَلَى كُرْهٍ. وَهَذَا إِخْبَارٌ أَوْ دُعَاءٌ وَالْمَعْنَى بَعِيدٌ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ إِجْرَاءِ كَلِمَاتٍ مَعْدُودَةٍ عَلَى لِسَانِهِ فَيَفُوزَ بِهَا فَلَمْ يَغْتَنِمْهُ فَحَقِيقٌ أَنْ يُذِلَّهُ اللَّهُ، وقوله " ثُمَّ انْسَلَخَ رَمَضَانُ أَيِ انْقَضَى قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ أَيْ بِأَنْ لَمْ يَتُبْ أَوْ لَمْ يُعَظِّمْهُ بِالْمُبَالَغَةِ فِي الطَّاعَةِ حَتَّى يَغْفِرَ لَهُ وقوله "فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ" لِعَقُوقِهِ وَتَقْصِيرِهِ فِي حَقِّهِمَا". وقال المناوي "رغمَ أنفُ من علم أنه لو كفّ نفسه عن الشهوات شهرًا في كل سنة، وأتى بما وُظِفَ له فيه من صيامٍ وقيام، غُفِرَ له ما سلف من الذنوب، فقصّرَ ولم يفعل حتى انسلخَ الشهرُ ومضى، فمن وجدَ فرصةً عظيمةً بأن قام فيه إيمانًا واحتسابًا، عظمه الله ومن لم يعظمه حقره الله وأهانه" إن رمضان فرصة نادرة ثمينة فيها الرحمة والمغفرة، ودواعيها متيسرة، والأعوان عليها كثيرون، وعوامل الفساد محدودة، ومردة الشياطين مصفَّدون، ولله عتقاء في كل ليلة، وأبواب الجنة مفتحة، وأبواب النيران مغلقة، فمن لم تنله الرحمة مع كل ذلك فمتى تناله إذن؟! وإذا لم يُغفر له في رمضان فمتى يُغفر لمن لا يُغفر له في هذا الشهر؟! ومتى يُقبل من رُد في ليلة القدر؟! ومتى يصلح مَن لا يصلح في رمضان ، ومن فرط في الزرع في وقت البدار لم يحصد يوم الحصاد غير الندم والخسارة وهذا كله للغني والفقير كلاهما في حاجه إليه للإقبال على الله
6-الصوم يُضيِّق مجاري الدم بسبب الجوع والعطش، فتضيق مجاري الشيطان؛ لأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، فيقهر بذلك الشيطان؛ لحديث: ((إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)) والغنى يحتاج إلى تضيق مجاري الشيطان كما أن الفقير يحتاج إلى تضيق مجارية وطرده لأن الشيطان عَدُوٌّ للإنسان غنى أم فقير .
88-الصيام يعود النفس على الصبر والجهاد والثورة على المألوفوهل الإنسان إلا إرادة؟ وهل الخير إلا إرادة؟ وهل الدين إلا صبر على الطاعة، أو صبر عن المعصية؟ والصيام يتمثل فيه الصبران. الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية؟
إن الصيام يجمع أنواع الصبر؛ فإن فيه: صبراً على طاعة الله: وهي الصيام، وصبراً عن محارم الله: وهي المفطرات، أثناء الصيام، وصبراً على أقدار الله المؤلمة: من الجوع والعطش، فيحصل الصائم على جزاء الصابرين {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب} سورة الزمر، الآية: 10]
ولا غَرْو أن سَمَّى النبي صلى الله عليه وسلم شهر رمضان: (شهر الصبر)، وجاء في الحديث: "صوم شهر الصبر، وثلاثة أيام من كل شهر، يذهبن وحَر الصدر" كما اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم "الصيام جُنَّة" أي درعًا واقية من الإثم في الدنيا، ومن النار في الآخرة، وفي الحديث: "الصيام جُنَّة من النار كجُنَّة أحدكم من القتال"
نشرت فى 12 يونيو 2017
بواسطة janjeel