بقلم /محمد سعيد أبوالنصر
ما زلنا نتابع الرد على سؤال مَنْ قال لماذا فرض الله الصوم على الأغنياءنقول : شرع الله الصوم على الأغنياء والفقراء لأن:
13- الصيام يقهر الطبع ويكسر النفس ويحدُّ من الشهوة؛ لأن النفس إذا شبعت رغبت في الشهوات؛ لأن الشّبع والرّيّ ومباشرة النساء تحمل النفس على الأشر والبطر والغفلة ،وإذا جاعت امتنعت عما تهوى؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء" ، وبذلك يكون الصوم من أسباب الامتناع عن المعاصي
14الصيام إحساس بالجوع وخشوع لله وخضوع .
وهناك حكمة اجتماعية للصيام وخصوصًا صيام رمضان: أنه - يفرض الجوع إجباريًا على كل الناس، وإن كانوا قادرين واجدين - يوجد نوعًا من المساواة الإلزامية في الحرمان، ويزرع في أنفس الموسرين والواجدين الإحساس بآلام الفقراء والمحرومين.
أو كما قال ابن القيم: يذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين.
وقال العلامة ابن الهمام: إنه لما ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات، ذكر من هذا حاله في عموم الأوقات، فتسارع إليه الرقة عليه" وفي هذا التذكير العملي الذي يدوم شهرًا، ما يدعو إلى التراحم والمواساة والتعاطف بين الأفراد والطبقات بعضهم وبعض، ولهذا رُوي في بعض الأحاديث تسمية رمضان "شهر المواساة" وكان النبي صلى الله عليه وسلم فيه أجود بالخير من الريح المرسلة" ومن أجل هذا كان من أفضل ما يثاب عليه: تفطير الصائم، وفي الحديث: "من فطر صائما كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئًا"
14-الدعاء والتضرع
وهذه حكمة أخرى يقود الصيام إليها ، و يدفع المؤمن لتحصيلها ونيلها ، وهي : الدعاء و التضرع لله تعالى من خلال هذه العبادة ولا شك أن من يدعوا بتضرعٍ ليس كغيره ، فإن المتضرع في الدعاء ذليلٌ بين يدي الله تعالى مبتهلٌ إليه ، مبالغٌ في المسألة ، صادق في الرغبة .وقد أخبر الله جل وعلا عن هذه الحكمة بقوله : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)} [البقرة: 186]، أي : إذا سألوك عن المعبود جل وعلا ، فأخبرهم أنه قريب يجيب دعاء العبد إذا دعاه ؛ لأنه تعالى الرقيب الشهيد ، المطلع على السر وأخفى ... فهو قريبٌ أيضاً من داعيه بالإجابة... فمن دعا ربه بقلبٍ حاضرٍ ، ودعاءٍ مشروعٍ ، و لم يمنع مانعٌ من إجابة الدعاء ، كأكل الحرام و نحوه ، فإن الله قد وعده بالإجابة ، و خصوصاً إذا أتى بأسباب إجابة الدعاء ... ، وفي الآية من الود و اللطف والإحسان ، ما تزول به مشقة الصوم ، ومشقة أي تكليف في ظل هذا القرب ، فقد أضاف جل وعلا العباد إليه ، ورد عليهم مباشرة ، فلم يقل : فقل لهم : إني قريب إنما تولى الرد بذاته العلية ، و لم يقل أسمع الدعاء ، إنما عجل بإجابة الدعاء فقال : " أجيب دعوة الداع إذا دعان " ، إنها آية عجيبة تُظهِر عظمة هذه الحكمة وجليل قدرها عند الرب جل وعلا .
وفي آيات السؤال عن الجبال و اليتامى و المحيض والأهلة أتى الجواب بواسطة ، وأما السؤال عن الرحيم الودود القريب ، فإنه بدون واسطة ، وإذا كان هذا التلطف بالسائلين فما الظن بالسالكين السائرين!! ، و في الآية تنبيهٌ على شدة قرب العبد من ربه في مقام الدعاء ، ولذا كان من أهم مقامات العبودية ، و بهذه الآية العظيمة يتجلى لكل بصير أن الصيام مدرسةٌ يتربى فيها المؤمن على الدعاء والتضرع والابتهال بين يدي الله عز وجل وقد أشار ابن عاشور إلى أن الدعاء من حكم هذه العبادة بقوله : "و مقتضى الظاهر أن يقال : " و لعلكم تشكرون وتدعون فأستجيب لكم " ، فنص على أنه تابع لما سبق من حكمة الشكر ، وإكمال العدة ، و تكبير الله".
- و في علاقة الصيام بالدعاء يخبر النبي بقوله : في حديث أبي هريرةقال : " ثَلَاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ : الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ ، وَ الْإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَ دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ ..." ، مع ما يكون في شهر الصيام من الطاعات والعبادات المقربة من الله تعالى مما يكون سبباً في عِظَم رجاء العبد في إجابة دعائه ، وتحقيق سؤله .