بقلم / محمد سعيد أبوالنصر
1- الوظيفة : 
 الوظيفة وسيلة للعيش الشريف و الكسب النظيف ، وما من موظف إلا وهو مسؤول عن وظيفته ، ومؤتمن من خلالها على مصلحةٍ من مصالح الناس في حياتهم ومجتمعهم والموظف- أياً كانت رتبته- هو عبارة عن عامل استأجرته الدولة لخدمة المجتمع في ناحية معينة على أجر معين. والخدمة المطلوبة من الموظف قد تكون كتابية أو علمية أو حرفية "كل حسب ما يعرف ويتقن ، والمجتمع في حاجه إلى جميع عماله من مدرسين وخبراء وباحثين وكتاب وعمال وفنين ومهندسين وأطباء وصيادلة ونحوهم ."فكل هؤلاء جميعاً ما هم إلا أشخاص ارتبطوا بالمجتمع الممثل بالدولة بعقد استئجار للقيام بأعمالهم التي يحتاجها المجتمع لقاء أجرة شهرية محكومة بقانون الأجور والرواتب مهما اختلفت المسميات الأخرى التي تطلق عليهم من موظفين أو عمال أو أصحاب عقود خاصة أو درجات وظيفية .
2-الغش الوظيفي "غش الموظفين ":
 من العُمّال والموظفين مَنْ يغشُّ في عمله ووظيفته، ولا يتَّقي الله ، يُراوغ، ويُخادع، ويُهمل، ويُضيع، ويُماطل، ويُقصر، ولا يُتقن العمل، ولا يُنجزه في وقته، يخون الأمانة، ويضيع حقوق العباد، يختزل ساعات العمل، بل قد يطلب من زملائه التوقيع له بالحضور وهو غائب... فيحصلُ على مقابل أو راتب يَشوبُه الحرام، يظن أنَّها شطارة وذكاء، وما هو إلا خسران وهلاك" فهؤلاء لا يرقبون في الله إلاًّ ولا ذمَّة، لا يهمهم: أَمِنْ حلالٍ يأكلون، أم من حرامٍ يغوصون؟! يظنون أنَّه ذكاء، وهؤلاء يغشُّون أنفسهم، ويضحكون على ذواتهم قبل كونهم يغشُّون الله ! فأىّ بركة ستحلُّ على رواتبهم، وبأىِّ وجه سيقابلون ربهم عند الحساب؟! ألا يعلمون أنَّ مَنْ نبَت لحمه من حرام فالنار أولى به؟! يتحالفون مع الشيطان بل ويتميزون ويتفوقون عليه وعلى جنوده ، أليس في هذا غشٌّ لجهة العمل ؟! أليس في هذا غشٌّ لنفسه وزوجه وبنيه، فهو يطعمهم من الحرام ويغذِّيهم من الحرام، فأنَّى يُستجاب له؟!فيا غاشًّا في عمله ووظيفته ، اعْلَم أنَّك مفلسٌ، فاتقِ الله؛ فالغشُّ ظلمات وضياع للضمير، ومجلبة لعدم البركة.
 وفيما يلي أوجِّه هذه الرسائل إلى الموظف في أي عملٍ كان ، وفي أي زمانٍ أو مكان ؛ راجياً المولى عز وجل أن ينفع بها ، وأن يكون ما جاء فيها حجةً لنا لا علينا ، وأن تكون من باب التواصي بالحق، ومن الأمور المسلم بها أن يدرك كل موظف واجباته ومسؤولياته الوظيفية الملقاة على عاتقه.
3- أقول للموظفين :
أيها الموظف : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (22) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرً (3)} [سورة الطلاق: 2، 3]
 أيها الموظف: حافظ على مواعيد الحضور والانصراف ، وإياك أن تتأخر أو تتغيب عن وظيفتك بغير عذر يجبرك على ذلك فكل راع ٍ مسؤول عن رعيته ، وكل موظفٍ مسؤول عن وظيفته ؛ التي إن أحسن أداءها جوزي خيراً ، وإن قصَّر حوسب وعوقب ولا تنس أن من عطَّل مصالح المسلمين ولم يقض حوائجهم وهو قادر على ذلك يقع تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من ولاَّه الله شيئاً من أمر المسلمين فاحتجب دون خُلَّتِهم وفقرهم ، احتجب الله عنه دون حاجته وخُلَّته وفقره " فاحرص على قضاء حوائج المسلمين ، وعدم تأخيرهم أو تعطيلهم . واعلم بأن في قضاء حوائج الناس تفريجاً لكربهم ، وتيسيراً لأمورهم ، ومدعاةً لكسب دعائهم . وما أحسن قول القائل :
من يفعل الخير لا يُعدم جوازيه *** لا يذهب العُرف بين الله والناس
 أيها الموظف : تذكَّر أن جلوسك في مكتبك أو مكان عملك ، ومُحافظتك على مواعيد الحضور والانصراف ، وحرصك على أداء عملك بالشكل المناسب ، عبادة من العبادات ، وطاعة من الطاعات التي تتقرب بها إلى الله تعالى متى صلُحت نيتك ، واحتسبت ذلك عند الله جل في عُلاه .
 أيها الموظف : كن قويًا أمينًا في عملك وتذكر ما جاء على لسان ابنة شعيب عليه السلام ثالت: { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) } [القصص: 26] وتنقسم القوة إلى قسمين قوة بدنية ، وقوة ذهنية ..ولعل القوة البدنية مطلوبة أكثر في الأعمال الحرفية واليدوية ، ولكنها قد تكون في غيرها قوة ذهنية أو قوة شخصية، كما أن الأمانة المذكورة تعني الحفاظ على ممتلكات الجهة التي يعمل فيها، وكتم أسرارها وتحمل مسئولياتها والنصح لها والدفاع عنها وتحسين صورتها وأدائها... روى البيهقي في شعب الإيمان عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه .. وقد صرّح النبي صلى الله عليه وسلم بذلك لأبي ذر رضي الله عنه حينما سأله أن يستعمله فقال له: "يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً وفي رواية إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها
 أيها الموظف: عامل الناس برحابة صدر واحسن استقبالهم ورد على استفساراتهم "ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته يوم القيامة، ومن فرج عن معسر كربة فرج عنه كربة من كرب يوم القيامة والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه...، وما نراه من تعطيل العمل وتأخير الأوراق والاستهتار بقيمة الوقت فمرجعه إلى الكسل والإهمال والاستهانة بكرامة ومصلحة الإنسان .
 أيها الموظف : احرص على حُسن الخُلق مع الجمهور فإذا أتى الواحد منهم وألقى عليك السلام فرده وأحسن استقباله بكلمة طيبة وأحسن توديعه بكلمة حسنة.. وكم هو جميلٌ ونبيلٌ أن تُنـزل كل إنسانٍ منزلته احتراماً لسنه أو لعلمه أو لفضله ، وعود نفسك أن تكون بشوشاً مبتسماً قدر الإمكان ومهما كانت ضغوط العمل ومتاعبه . وإياك أن تعد فتُخلف وعدك له ، وحاول قدر استطاعتك أن لا يخرج طالب الخدمة من مكتبك إلا وهو راضٍ عنك وداعياً لك بالخير حتى وإن لم تقض حاجته . ولا تنس ما روي عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : " لا تحقرنَّ من المعروف شيئاً ، ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طلقٍ " وما أحسن قول الشاعر :
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم *** فطالما استعبد الإنسان إحسانُ
 أيها الموظف: لا تقدم معارفك وأصحابك ومن يلوذون بك ويتوسطون عندك بأقاربك أو أموالهم أو مصلحتك عندهم فتنجز معاملاتهم ويتم تكريمهم والتلطف بهم وتجاوز الشروط والعقبات لأجلهم أما سوى هؤلاء فما عليهم إلا الانتظار الممل والمحاولات المتكررة وتحمل الغلطة والصبر على الفظاظة والعنجهية والتعالي مع أنك جئت لخدمة هؤلاء وهؤلاء ، وتدفع لك الدولة أجرا نظير هذا العمل فالحري بك أن تتواضع وتقوم بعملك على الوجه الأكمل .
 أيها الموظف: كُن سهلاً لـيناً لطيفاً في تعـاملك مع الناس ، عاملهم بالمودة والبشاشة والحب ،وعليك بمساعدة من تستطيع منهم ومد يد العون له في حدود النظام والتعليمات ، ودونما ضرر أو ضرار ، وتذكّر أن من يَسَّر على مسلم ، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة ، وأن من رفق بمسلم رفق الله به في الدنيا والآخرة ؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا :" اللهم ! من وَلِيَ من أمر أُمتي شيئاً فشقَّ عليهم ، فاشقق عليه . ومن وَلِيَ من أمر أُمتي شيئًا فرَفَق بهم ، فارفق به " وعلى الموظف أن لا يكون فظاً غليظاً مع زملائه ولو كان أعلى منهم درجة أو أرفع شهادة أو أهم مركزاً، وليس لموظف أن يتجسس على موظف آخر ولا أن يتتبع عوراته أو أن يفضح أسراره أو يغمزه أو يلمزه أو يعرض به أو يغتابه أو يكيد له عند رؤسائه أو يشي به أو يفسد بينه وبين الآخرين أو يحسده أو يحقد عليه أو يتمنى له الأذى أو يضمر في نفسه عليه الضغينة أو يكتب عنه التقارير الكاذبة أو يلفق له التهم الباطلة أو ينسب إليه ما ليس فيه أو يحرض عيه مسئوليه أو يشمت به لمصيبة فيكون ممن قال الله فيهم: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)} [آل عمران: 120]. بل على كل موظف القيام بحق زملائه عليه بمشاركتهم أفراحهم وأتراحهم وسد غيبتهم وستر عوراتهم والتعاون معهم على كل خير ومعروف وإحسان الظن بهم وذكرهم بأحسن الصفات التي يراها منهم والصبر على الأذى إن وجد منهم والعفو عن مسيئهم وتفقد مريضهم وبذل المعروف لهم وحفظ كرامتهم... فلربما يعيش الموظف مع زملائه أكثر من إخوته وأهل بيته سنين طويلة ودهراً مديداً.
 أيها الموظف: إياك والعمل الحرام أو العمل الذي فيه أدنى حُرمةٍ أو شُبهة ، فإن خيره وإن كثُر قليل جداً ، وكسبه وإن عظُم خبيث أبداً ، ولا بركة فيه ؛ فقد روي عن النعمان بن بشير قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الحلال بيِّنٌ وإن الحرام بيِّن وبينهما أُمورٌ مُشتبهات "
 أيها الموظف: اتق الله في عملك وراقبه جل وعلا ؛ فإنه يراك في كل وقتٍ وحين . واحرص على أدائه بالشكل الذي يرضاه سبحانه ، وتذكر ما روي عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ". ولا تنس – بارك الله فيك - أن جلوسك في مكتبك ، وقضاءَك لحاجة الخلق يُعد عبادةً تُثاب عليها متى صلُحت نيتك واحتسبتها عند الله سبحانه . واعلم أن المسؤولية في الإسلام مغرم لا مغنم ، فاصرف نظرك أن تظن أن المنصب وسيلة لك إلى السعادة ، فلن يكون ذلك كذلك إلا إذا جعلته لله سبحانه وتعالى .
 أيها الموظف: ابتعد عن الانتفاع الشخصي سواء كان الانتفاع كبيراً أو صغيراً وسواء كان الانتفاع بالاستهلاك أم بالارتفاع من أموال الدولة ولقد ضرب لنا عمر بن عبدالعزيز ـ وهو خليفة ـ أروع الأمثلة في ذلك عندما جاءه رسول أحد الولاة ببريد بعض البلاد فقام ينظر فيها في الليل على ضوء سراج لبيت المال حتى إذا انتهى وانشغل بالحديث الشخصي مع ضيفه عمد إلى السراج فأطفأه وأشعل شمعة صغيرة كانت عنده وقال: لما انتهينا من عمل الأمة لم يحسن بنا الاستضاءة بمصباحها... وبناء على ذلك فليس للموظف أن يستعمل سيارة العمل خارج العمل في مصالحه الشخصية إلا إن أُذن له بذلك، ولا أن يكتب على أوراق العمل أموره الخاصة، ولا أن يرسل العمال والفراشين في حوائجه البيتية، ولا أن يسافر باسم العمل فيسيح في الأرض متنزهاً متفرجاً، ولا أن يحول إلى بيته ما زاد من أشياء عينية ذات قيمة من فائض المشاريع والأعمال، ومن المعلوم أن جزء كبيرا من الأموال أو المنافع العامة تهدر بأيدي الموظفين أنفسهم ممن يسخرونها لخدمتهم الشخصية دون وجه حق فإذا بهم في سنوات قليلة يجمعون الأموال الضخمة أو ينفقون المبالغ الباهظة أو يتسببون في أضرار وخسائر واضحة بينة.
 أيها الموظف: لاتنسى قيم الإسلام ومبادئه وعباداته وشرائعه فلا تفرط أيها الموظف في عبادتك لله كالصلاة والصيام فلا يجوز للموظف ترك الصلاة باسم العمل ولا الفطر في رمضان بدعوى أن الصيام يضعف عن الإنتاج والعمل. كما لا يجوز للموظف التفريط في القيم والأخلاق فلا يصح له أن يكذب أو أن يعد ولا يفي فكل خلق يتعارض مع الدين والآداب الشرعية لا يصح للمسلم أن يفعله . كما لا يجوز للمسلمة أن تنزع حجابها ولا تحضر حفلات الخلاعة والمجون بسبب العمل ،فلا خير في مال يأتي بالخلاعة والمجون والعري والتسيب .

janjeel

.: عدد زوار الموقع :.


  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 132 مشاهدة
نشرت فى 24 مايو 2017 بواسطة janjeel

تفاصيل

janjeel
معا لصالح الوطن والمواطن »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

330,574
نتيجة بحث الصور عن فانوس رمضاننتيجة بحث الصور عن جاك للاجهزة الكهربائية