بقلم محمد سعيد أبوالنصر
ما بين الحين والآخر تطالعنا بعض القضايا الفقهية ومن القضايا المطروحة قضية أذان الفنانين والفنانات فهل يجوز لهم أداء الأذان وتسجيله خصوصًا وأن هذه الأصوات لها حب وقرب لدى شريحة كبيرة من الشباب.؟ سؤال طرحه الناس بعد أذن بعض الفنانين ...فهل يجوز للفنانين والفنانات فعل ذلك ،وبداية نقول إن الإسلام يرحب بكل وسيلة تحبب الدين إلى الناس، وترغبهم في تعظيم شعائره.. ولنبدأ أولا بتعريف الأذن وذكر بعض فضائله لنعرف لماذا ينبغي أن يتهافت عليه الناس ومنهم الفنانون ،ولكل مقصده وغايته .
تعريف الأذان :
الأذان لغة: الإعلام، قال الله تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}أي: أَعْلمِهم به.
وشرعًا: التعبد لله تعالى للإعلام بدخول وقت الصلاة بذكر مخصوص.
من فضائل الأذان:
إن تنافس المسلمين، وخاصة ذوي الأصوات الحسنة الطيبة، على الأذان لم يأت من فراغ، وإنما طمعاً بثواب الأذان الكبير في الآخرة ولفضله العظيم ولكي يُعرف فضله.. أسوق إليك جملة من الأحاديث في فضل الأذان لتدرك سبب التهافت عليه .
جاء في فضل الأذان ما يلى :
1- عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نوُدي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين فإذا قُضي النداء أقبل حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول: اذكر كذا اذكر كذا، لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى»
2 - عن أبي سعيد الخدري قال لابن أبي صعصعة: إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه «لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة» قال أبو سعيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
3 - عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا»
4 - عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: قال رضي الله عنه: «المؤذِّنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة»
5 - عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يعجب ربُّكم من راعي غنم في رأس شَظيَّة بجبل يؤذِّن بالصلاة، ويصلى فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني، قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة»
6 - عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الإمام ضامن، والمؤذِّن مؤتمن، فأرشد الله الأئمة، وغفر للمؤذِّنين».
حكم أذان النساء وإقامتهن :
قيام الفنانات برفع الأذان أمر مرفوض شرعاً، لأنه لم يحدث في التاريخ الإسلامي أنْ أذنت المرأة ، فضلاً عن أن الذكورة شرط في المؤذن عند الفقهاء." فلا يجب على النساء أذان ولا إقامة، عند جماهير السلف والخلف، من الأئمة الأربعة والظاهرية، وقد ورد عن أسماء مرفوعًا: «ليس للنساء أذان ولا إقامة ولا جمعة ...»
ولا يجوز -بل لا يجزئ- أذان المرأة للرجال عند الجمهور ، لأن الأذان للإعلام ويشرع له رفع الصوت، ولا يشرع للمرأة رفع صوتها، ولم يُسمع في أيام النبوة ولا في الصحابة ولا فيمن بعدهم أنه وقع التأذين المشروع الذي هو الإعلام بدخول الوقت والدعاء إلى الصلاة من امرأة قط.
أذان النساء وإقامتهن إذا كُنَّ منفردات
ثم اختلفوا في أذان النساء وإقامتهن إذا كُنَّ منفردات عن الرجال: فقيل: يُكرهان وقيل: يباحان، وقيل: يستحبان، وقيل: تستحب الإقامة دون الأذان.
والذي يظهر أن النساء إذا كنَّ منفردات عن الرجال، فإذا أَذَّنَّ وأقَمْنَ فحسن، لأنهما ذكر لله تعالى، ولم يرد ما يمنع منهما، ولذا سئل ابن عمر: هل على النساء أذان؟ فغضب، وقال: «أَنْهى عن ذكر الله؟!!»
وعن معتمر بن سليمان عن أبيه قال: كنا نسأل أنسًا: هل على النساء أذان وإقامة؟ قال: «لا، وإن فعلن فهو ذكر»
وهذا قول الشافعي ورواية عن أحمد، وإليه ذهب ابن حزم ، قال الشافعي: «ولا تجهر المرأة بصوتها، تؤذن في نفسها، وتسمع صواحباتها إذا أذَّنت، وكذلك تقيم إذا أقامت ...» اهـ.
صفات المؤذن:
ذكرنا للصفات التي ينبغي أن يتصف بها المؤذن تجعلنا نفهم هل هذه الصفات تنطبق على الفنان أم لا ؟ وهي كالتالي:
1 - أن يبتغي بأذانه وجه الله.
2- أن يكون عدلاً أمينًا: لأن «المؤذن مؤتمن» وهذا يجعلنا نسأل ما
حكم أذان الفاسق، أو ما هو الرأي لو كان المؤذن فاسقا ؟
حكم أذان الفاسق :
لقد اتفق الفقهاء : على أنَّ من الصفات المطلوبة في المؤذن : أن يكون عدلاً والعدل كما عرَّفه أبو الخطاب الحنبلي : من لم يأتِ بكبيرة , ولم يُداوم على صغيرة فيُسْتَحَبُّ في المؤذن أَنْ يَكُونَ عَدْلاً ؛ لأَِنَّهُ أَمِينٌ عَلَى الْمَوَاقِيتِ ، وَلْيُؤَمِّنْ نَظَرَهُ إِلَى الْعَوْرَاتِ .
، وقد جعل الفقهاء العدالة شرطاً في المؤذن الذي يعتمد عليه في دخول الأوقات أي الذي يؤذن ابتداءً ويعتمد عليه غيره، فإن لم يكن هو المعتمد عليه في دخول الأوقات ابتداءً، فقد اختلفوا في صحة أذانه على قولين
القول الأول: أنه يصح أذانه، وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة.
واستدلوا لذلك بأدلة منها :
1- أن الأذان مشروع للإعلام والاعلام يحدث بأذان الفاسق ،فهو أداة للإعلام ليس أكثر ،وإن استحب كونه أمينًا
2- أن الفاسق ذكر تصح صلاته وهو من أهل العبادة، فصح أذانه فيعتد بأذانه كالعدل
القول الثاني: أنه لا يصح أذانه ، وهو رواية عند الحنابلة وخاصة إذ كان ظَاهِرِ الْفِسْقِ ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُقْبَل خَبَرُهُ
واستدلوا لمذهبهم بهذه الأدلة :
1-حديث عبد الله ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِيُؤَذِّنْ لَكُمْ خِيَارُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ " فقالوا إن الحديث دلّ على أن المؤذن يكون من خيار الناس، والفاسق ليس كذلك، فرد المجوزن وقالوا الحديث حكم عليه علماء الحديث بالضعف
2- حديث أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:" الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن".قال العلماء وصف النبي المؤذن بالأمانة، والفاسق غير أمين فرد العلماء وقالوا الحديث ليس فيه ما يفيد عدم صحة أذان وإقامة الفاسق.
3- حديث أبي محذورة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:" أمناء المسلمين على صلاتهم وسحورهم المؤذنون". الحديث فيه دلاله إلى أن المؤذن ينبغي أن يكون مؤتمن ،فرد العلماء وقالوا : الحديث لا يشير صراحة إلى عدم صحة أذان وإقامة الفاسق.
وجاء في فقه المذاهب الأربعة "يكره في الأذان أمور منها أذان الفاسق فلو أذن الفاسق صح مع الكراهة عند الحنفية والشافعية أما المالكية قالوا : لا يصح أذان الفاسق إلا إذا اعتمد على غيره والحنابلة قالوا : لا يصح أذان الفاسق بحال
وقال الرملي رحمه الله تعالى : ويظهر القطع بالمنع بنصب الفاسق مؤذناً للبلد , ولا يجوز تولية الفاسق شيئاً من أمور الدين , كما نصَّ عليه الشافعيُّ في الأم في مواضع أخر ، وهو واضحٌ
ومع ما ذكره الفقهاء فإننا نختار الرأي القائل بصحة أذان وإقامة الفاسق إذا لم يكن هو المعتمد عليه في دخول الوقت ابتداءً وذلك ليسره على الناس ولضعف معظم الأدلة التي استدل بها أصحاب الرأي القائل بالمنع ،ولنفتح الباب أمام العاصين ، ونشد على أيديهم ونقول لهم هلموا الى طريق الله وابتعدوا عن طريق المعاصي والشياطين وتوبوا إلى ربكم . ويجب أن نختار من أصحاب الأصوات الندية: من لا يعرف الناس عنه انحرافا في سلوكه بحيث نراه في كليبات وأفلام ومسلسلات كلها عري، ثم يقول سأسجل الأذان بصوتي ، لو أراد الفنان ذلك فعليه أن يحترم ما سيقوم به، ولا يفعل ذلك من قبيل الدعاية ، "كما هو حال كثير من الفنانين في بلدان العالم العربي، إلا من رحم ربك، وهؤلاء يقبل عليهم قوم، ويعرض عنهم آخرون، ويثير أذانهم بعض الإشكالات والاعتراضات من كثير من المتدينين الملتزمين. ولا مانع من آذن بعض الفنانين الذين يعرف عنهم الالتزام بالأخلاق والمبادئ العامة للإسلام وذلك من خلال سلوكهم وأسلوبهم، فهؤلاء يمكنهم تسجيل الأذان بصوتهم المميز ويفضل أن يكون الفنان حسن الصوت والسيرة، وليس من المشهورين بأدوار المعاصي أو محاربة الفضيلة، لأنه يقيم شعيرة دينية فيجب أن يكون قدوة لغيره. على أن يعرض ذلك على الشيوخ المتقنين لهذا الأمر لبيان مخارج الحروف والكيفية الصحيحة للآذان
3- أَنْ يَكُونَ صَيِّتًا ، أَيْ حَسَنَ الصَّوْتِ ، لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ : فَقُمْ مَعَ بِلاَلٍ ، فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ
وعليه فيستحب استخدام أجهزة الصوتيات الحديثة لتحسين الصوت وإبلاغه، هذا مع كراهة التمطيط والتطريب. بشرط أن يكون ذلك تحت إشراف المتخصصين في علم التجويد والقراءات حتى لا تحدث أخطاء
وأداء الأذان بصوت ندي حسن محبب إلى الأسماع والقلوب: وهو أمر مشروع ومحمود، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابي الذي رأى الأذان في رؤيا صادقة، أقره عليها الرسول: "علمه بلالا، فإن صوته أندى منك". ولنا في رسول الله أسوة حسنة: أن تختار للأذان من كان أندى صوتا، وأحسن قبولا لدى الناس، لا كما نرى في بعض المساجد من المؤذنين الذين ينفرون ولا يبشرون.
4 - أن يكون عالمًا بالوقت: ليتمكن من الأذان في أوله، ويؤمن خطره، ويجوز لمن لا يعلم الوقت بنفسه -كالأعمى- أن يؤذن إذا كان معه من يخبره به، فقد «كان ابن أم مكتوم -وهو أعمى- لا يؤذن حتى يقال له: أصبحت أصبحت»