بقلم / محمد سعيد أبوالنصر
مشكلة جديدة تطل علينا برأسها في هذا العصر ،وهو اعتقاد بعض الفتيات أو النساء أنَّ لها الحق المطلق في التزوج بمن تهوى بدون الرجوع الى الأهل أو إلى الولي ،وهنا تأتي الثمرة مُرة، أطفال بلا آباء ،أو أطفال يقولوا عنهم آبائهم إنَّهم ليسوا أولادنا لاحتمال أن المرأة اقترفت فاحشة الزنا مع غيره فالمرأة اذا سمحت لنفسها أن تفرط في عرضها بورقة لا تعرف مكانها ساعة الخطر فما المانع أن تفرط في شرفها مرات ومرات، هذا ما يدور في عقل الرجل الهارب من بنوة المولود ...، ولو سألنا النساء الذين يتوجهن نحو هذا الطريق ويخترن هذا الأسلوب للزواج فبعضهن يقول: إنها الحرية الشخصية، والبعض الاخر يقول أو يدعي بأنَّ قسوة الإباء هي الى حملتهن على هذا الأمر ، وهو مبرر غير مقبول ، والإسلام حينما شرع للبنت الولي شرعه ليختار لها الصالح من الطالح ، وما يعتقد أنَّه سيكون أصلح لحالها ،وأحسن لمستقبلها ،والزواج له مقاصد متعددة، والمرأة كثيرًا ما تخضع لحكم العاطفة، فلا تحسن الاختيار فكان لا بد من دور للولي يجمع فيه بين العقل والعاطفة ، ويؤكد على مقاصد الزواج
ولعل الشروط الموضوعة للولي لصلاحيته للقيام بالولاية تجعلنا نطمئن لما يقوم به ،فالولي لا بد أن يكون بالغًا عاقلًا بعيدًا عن الفسق والتهتك وعنده القدرة على التصرف الصحيح إلى آخر الشروط التي وضعها العلماء في تصحيح الولاية .وإن فقد الولي شرطًا من هذه الشروط وغيرها تنزع منه الولاية كأن يظلمها أو يمتنع عن تزويجها أو يزوجها بدون مهر أو من غير كفأ لها هنا ترفع أمرها الى القضاء ،وتنقل الولاية الى القاضي مباشرة، لأنَّ العضل ظلم، وولاية رفع الظلم إلى القاضي. فالولاية ليس معناها التصرف فيها كسلعة وإنَّما هي ولاية حنان ومصلحة ورحمة ،ومهمة الولي المحافظة على الاختيار الصحيح للمرأة وحفظ حقوقها وهذا يحقق مصلحة جميع الأطراف فعلى البنات أن تلتزم بالشرع والعرف ولا تنساق لعاطفة الحب المشبوبة ،ولا تتزوج إلَّا مع وجود ولي يقوم بأمرها وهذا خير لها على كل الأحوال في الدين والدنيا .
زواج المرأة نفسها بغير ولي :
هل يجوز للمرأة أن تزوج نفسها بغير ولى ؟ ذهب جمهور الفقهاء خلافًا للأحناف إلى اشتراط الولي في صحة عقد النكاح فالمرأة لا تزوج نفسها ولا غيرها سواء كانت المرأة سبق لها الزواج أم لا، صغيرة كانت أم كبيرة ، وإلى أن الزواج لا ينعقد بعبارتها، إذ أن الولاية شرط في صحة العقد، وأن العاقد هو الولي.
أما السادة الأحناف فيرون أن المرأة تُزوج نفسها بغير ولي، وأنَّ الولي شرط كمال وليس شرط صحة، والفرق بين شرط الكمال وشرط الصحة ، أنَّ شرط الصحة معناه أنَّه لا يصح الزواج إلا بولي كما هو عليه الجمهور والشافعية والمالكية...إلخ، وشرط الكمال معناه أنه يجوز ولكن من الأحسن أنْ يكون الولي حاضرا معها.
واحتج الجمهور لمنع المرأة أن تزوج نفسها بالتالي :
1 - بقول الله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)} [النور: 32]
22 - وبقوله سبحانه: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)} [البقرة: 221] ووجه الاحتجاج بالآيتين: أن الله تعالى خاطب بالنكاح الرجال، ولم يخاطب به النساء، فكأنه قال: " لا تنكحوا أيها الاولياء مولياتكم للمشركين.
33 - وعن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا نكاح إلا بولي ".رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن حبان، والحاكم وصححاه. والنفي في الحديث يتجه إلى الصحة التي هي أقرب المجازين إلى الذات فيكون الزواج بغير ولي باطلًا.
44 - وروى البخاري عن الحسن قال: " فلا تعضلوهن " قال: " حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه: زوجت أختا لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوجتك، وفرشتك، وأكرمتك، فطلقتها، ثم جئت تخطبها!!.
لا والله لا تعود إليها أبدا، وكان رجلا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله هذه الآية " فلا تعضلوهن " فقلت: الآن أفعل يا رسول الله. قال: فزوجتها إياه ".قال الحافظ في الفتح: ومن أقوى الحجج هذا السبب المذكور في نزول هذه الآية المذكورة، وهي أصرح دليل على اعتبار الولي، وإلا لما كان لعضله معنى، ولأنها لو كان لها أن تزوج نفسها لم تحتج إلى أخيها، ومن كان أمره إليه لا يقال إن غيره منعه منه.
55 - وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ".رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والترمذي، وقال: حديث حسن. قال القرطبي: وهذا الحديث صحيح.قال الترمذي: والعمل على حديث النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب (لانكاح إلا بولي) عند أهل العلم من أصحاب النبي: منهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، وأبو هريرة، وابن عمر، وابن مسعود وعائشة. وممن ذهب إلى هذا من فقهاء التابعين: سعيد بن المسيب والحسن البصري، وشريح، وإبراهيم النخعي، وعمر بن عبد العزيز، وغيرهم.وبهذا يقول سفيان الثوري، والاوزاعي، وعبد الله بن المبارك، والشافعي وابن شبرمه، وأحمد، وإسحاق، وابن حزم، وابن أبي ليلى، والطبري، وأبو ثور.
66- روى ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها".
الولاية على الترتيب :
الأحق بتزويج المرأة أبوها ثم أبوه وإن علا، فإن لم يوجد فابنها ثم ابنه وإن نزل، ثم أخوها الشقيق ثم لأبيها ثم أبناء أخيها، ثم أبناء أخيها لأب، ثم العم الشقيق، ثم العم لأب، ولا يتنقل من قرابة إلى أخرى مما سبق إلا عند عدم وجودها أو عدم صلاحيتها، فإن عدمت الولي من هؤلاء فيزوجها السلطان (القاضي) لقوله صلى الله عليه وسلم: " فالسلطان ولي من لا ولي له". رواه أحمد وأبو داود والترمذي. وإذا جاء الخاطب المتدين المتخلق بأخلاق الإسلام، الْكُفْء المناسب لحال المرأة فعلى الأٌسرة أن تستقبله وتزوجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ " رواه الترمذي.
نداء إلى كل الآباء
نوجه نداء إلى كل الآباء في هذا العصر الذى نعيش فيه ـ خاصةً وقد خف الضبط الاجتماعي ـ أن يكونوا حكماء في مسائل العاطفة ، وزواج البنت بمن تريد أولى من خروجها من البيت وذهابها هنا وهناك وقطعها للأسرة، فالبنت تتزوج بمن تريده تحت نظر الأسرة ورعايتها ـ حتى مع رفضهم له ـ أولى من أن تذهب وتتزوج بالرغم منهم وبعيداً عنهم وتصبح الأمور في الحياة أكثر تعقيداً وسوءًا، والبنت مُعرَّضة لضياع أكبر في هذه الحالة من الضياع الذى تتعرض له وهم معها مستمرون.
