بقلم / خالد البطاوى

الأنانية egoe، أو الأَثَرة، تعني تفضيل النفس على الآخر؛ وهي نزوع طبيعي يمكن التغلب عليه بالأخلاق التي تمتدح الكرم والإيثار، وذلك من أجل إعادة التوازن إلى الفرد والمجتمع معاً.
ينحصر المعنى العام للأنانية، على المستوى الفردي على الأقل، في صورتين كلتاهما مرفوضة وشاذة من وجهة نظر الإنسان السويّ نفسياً واجتماعياً: أولاهما تتمثل في عجز الفرد عن النظر إلى العالم إلا من خلال مصالحه ومنافعه الخاصة أو الشخصية، وهذا المستوى هو الذي يمكن أن يطلق عليه اسم «الأنانية» بحصر المعنى، وتتمثل الثانية في تبني وجهة النظر الأولى مصحوبة بقدر أكبر من التشدد والغلو في التزام المصلحة الذاتية. وهذا ما يمكن أن يطلق عليه اسم «جنون الأنانية» الذي يُدل عليه بالمصطلحين egotism وegomania.
والأنانية في علم النفس هي حب الذات، والمراد بحب الذات هنا «النزوع الطبيعي الذي يحمل الإنسان على الدفاع عن نفسه وحفظ بقائه، وتنمية وجوده والميول الأنانية الناشئة عن هذا النزوع مقابلة للميول الغيرية [ر.الغيرية]، ويطلق عليها أيضاً اسم الميول الشخصية أو الميول الفردية».
كما يمكن أن يقال عن الأنانية: «إنها الحالة التي تغلب فيها على الفرد دوافعه ورغباته الذاتية دون النظر إلى رغبات أو مصالح الآخرين، ومن ثم تتعارض مع الروح الاجتماعية حتى لو اتسع نطاقها، وصبغت اتجاه فريق من الأفراد».
أما فرويد فيقرر: «إن كل ما لدينا من معرفة عن الليبيدو ينصبّ على الأنا الذي يتجمع فيه أول الأمر كل القدر الممكن من الليبيدو، وتسمى هذه الحالة النرجسية الأولية المطلقة. وتستمر النرجسية حتى يبدأ الأنا في شحن الموضوعات في العالم الخارجي التي تعرض له بالليبيدو، أي حتى يستبدل حب الموضوعات بحب الذات». فبمقتضى هذا الفهم الفرويدي للبنية النفسية تكون النرجسية أقرب إلى حالة فطرية ليس من اليسير على الفرد مواجهتها والتخلص منها. وإذا ما توسعنا في استخدام مصطلح «النرجسية»، ودفعناه خارج حقل التحليل النفسي، أمكن النظر إلى النرجسية بوصفها أول صورة من صور «الأنانية»، وبأنها متأصلة في الجبلّة الإنسانية، في حين أن أول تعيّناتها النفسية والاجتماعية تتمثل في رغبة المرء المفرطة في الاستئثار بالخيرات المادية والمعنوية من دون سائر أفراد الجماعة التي يحيا فيها.
وحتى لو انحصر البحث في الإطار الضيق للتحليل النفسي، يتبين أن فرويد منذ كتاباته الأولى قدّم نظرية سيطر عليها تماماً مفهومه عن إرضاء الذات self gratification، بل لقد عدَّ هذا المفهوم أولياً بالقياس إلى غيره من المفاهيم النفسية، في حين نظر إلى الغيرية والإحسان بوصفهما ظاهرتين ثانويتين تستمدان كل ما لهما من تأثير من ارتباطهما بالصور المختلفة لإرضاء الذات.
ومن الناحية الأخلاقية تطلق الأنانية أيضاً «على من لا يستهدف إلا نفعه الخاص، في حين أن الغيرية هي حب الغير وإرادة الخير له وتقديمه على النفس». ويطلق دوركهايم مصطلح الإيثار أو الغيرية على «المجتمع أو الجماعة التي يندمج فيها الفرد كلية، ولا تكون له مصالح مغايرة لمصالح الجماعة، وفي مثل هذه الجماعة يدرَّب أعضاؤها على ترك الفردية، وتقديم الواجب والطاعة بما يحقق رفاهية الجماعة قبل أي اعتبار آخر».
وتتخذ كثير من النظريات الأخلاقية من الأنانية أساساً لها. فمذهب اللذة في الفلسفة اليونانية قد أهاب بكل إنسان التماس أعظم قدر من السعادة، مهما كان نوع هذه السعادة، وبصرف النظر عما يمكن أن تكونه. وفي عصر النهضة الأوربية قرر كل من هوبز واسبينوزا بطرق مختلفة أن حفظ بقاء الذات هو الخير.
وفي مقابل هذه الأخلاق الفردية تنهض الأخلاق التي تتخذ من الجماعة والمجتمع أساساً لها. ويتبنى هذا النوع من الأخلاق نظريات تشدّد على أهمية الجماعة بدلاً من التشديد على أهمية الفرد. وتحت هذا العنوان تندرج نظريات مثل النزعة العالمية عند الرواقيين، والأنساق الأخلاقية التي تركز على بقاء الأمة، والنفعية التي تستهدف أكبر قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس.
ومن المؤكد أنه ليس من السهل التفريق بوضوح بين نوعي التخلق السابقين، بصورة يمكن معها النظر إلى أحدهما على أنه أخلاق فردية أنانية، في حين يكون من الممكن وصف الثاني بأنه أخلاق اجتماعية تُنزل العواطف الغيرية المنزلة الأولى بين جميع العواطف الأخلاقية. وعلى سبيل المثال فإن الأخلاق النفعية الليبرالية تحاول أن تبين أن الموقفين المتقابلين في الظاهر – أي الأخلاق الفردية والأخلاق الاجتماعية – هما موقفان متطابقان من الناحية الواقعية. كما يمكن أن يقال إن الرفاه الذي يشمل الكل يستهدف الارتقاء بالمصلحة الخاصة للجميع بوصفهم أفراداً. ومن الواضح هنا أن «الأنانية المتزمتة والعمياء» ستدخل في نزاع مع الطابع الاجتماعي للإنسان. وبالمقابل، فإن الأنانية المعتدلة لا بد أن توضح أن الغايات الخاصة والفردية يمكن تحقيقها بصورة أفضل عندما تكون متلازمة مع حاجات الآخرين وآمالهم. وعلى المستوى العملي يتعذر تمييز هذا الموقف من الغيرية، على الرغم من أن الدوافع قد تكون مختلفة، استناداً إلى الزعم بأن كل الأفعال مستوحاة من الأنانية مادام ما يفعل من أجل الآخرين لا يخالف الضمير ولا يتعارض مع الرفاه. وعند هذا الحد فإن مصطلح «أنانية» يصبح غير ذي موضوع، ويفقد كل أهمية له فيما يتعلق بالهدف المتمثل في إقامة تفريقات بين النظريات الأخلاقية، مادام البشر أنانيين في ضوء التحليل السابق، على أن مزاعم عامة كهذه يجب ألا تطمس فروقاً حيوية بين طرق مختلفة في الحياة.

 

 

المصدر: عزةالشيخ
janjeel

.: عدد زوار الموقع :.


  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 143 مشاهدة
نشرت فى 8 يناير 2019 بواسطة janjeel

تفاصيل

janjeel
معا لصالح الوطن والمواطن »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

328,650
نتيجة بحث الصور عن فانوس رمضاننتيجة بحث الصور عن جاك للاجهزة الكهربائية