الحب الإلهي الخالد
به نحصل على سعادتنا الأبدية
وبه تصحو فينا كل المشاعر النبيله
وبه تفتح لنا الأبواب في طريقنا إلى العلى
وبه تنمو وتترعرع الإنسانية وتتخلص من كل ماهو مزموم
اللهم إنا نسألك حبك وحب من أحبك وحب عملا يقربنا إلى حبك.
******
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا فرسان الحب
لكل فارس نبيل غاية نبيلة، ولكل غاية نبيلة جنود من عند الله يجعلهم المولى عز وجل في خدمة الفارس أينما توجه...
وإن أجمل ما في الإنسان هو مشاعره النبيلة، لأن المشاعر النبيلة ثابتة لا تتغير، وكلما مر عليها الزمن بما يحمل من متغيرات وإبتلاءات كلما زادت رسوخا في النفس وتثبيتا...
وفي نهاية المطاف ينعم العبد بحب مولاه فيسمو ويرقي ويصعد ويسعد حتى يوم يلقاه، فهنيئا لمن بحب الرحمن قد فاز، فلا تبخل به على من حولك من الناس...
فالحب دفئ يسري في النفوس فيحيها، ألم تسمع قول ربك يحدث عن نبي الرحمة والهدى يقول عز وجل:
{{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)} سورة الأنفال.
فبالحب استجبنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالحب نحيا على ذكراه، وبالحب نتوق لرؤياه، وبالحب نعطى وبالحب تتوحد الغايات النبيلة، وبالحب نصل إلى مرادنا من عطاء الله، وبالحب تأتلف قلوبنا وتتوحد وتنمو فينا المشاعر...
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَاللَّهَ فَاتَّبِعُونِييُحْبِبْكُمُاللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ { آل عمر ان }
*******
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ
فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍيُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُأَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) آل عمران.
إذا المسألة ليست فقط صلاة وصوم .. إنما هي علاقة بين العبد وربه، أساسها الحب.. حب كبير .. منزه عن كل شيء .. حب إلهي ورباني .. حب خالد بخلود السموات والآرض.. حب متبادل ، قد بدأ به المولى عز وجل، بدليل الآية.
أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)
عيون الإنسان العاقل، يكون أول نطباع يشعر به عندما ينظر إلى صفحات الكون، هو أن يقول سبحان الله فيما خلق وابدع...
فأنت يعقلك إن كان واعيا ويقظا لا تملك إلا أن تحب هذا الخالق العظيم... لأن الإنسان جبل{ أي خُلق } على حب الكمال والنوال والجمال... فأنت أينما وجهت عقلك فلا تملك إلا أن تقول تبارك الله أحسن الخالقين... وهذا في حد ذاته حب وأعجاب..
ثم إذا سمعت القرآن وأنصت له .. فإنك تجد نفسك قد ذابت وتلاشت وتضائلت من هول وعظمة ما سمعت من كلام الله.... وهذا في حد ذاته حب وأعجاب بالله العلي العظيم...
وأنت عندما تقرأ كتابا به كم هائل من المعلومات الرهيبة، فإنك لا تملك إلا أن تقول سبحان من علم الإنسان ما لم يعلم، وهذا في حد ذاته حب وأعجاب وتقدير لله العلي العظيم...
وأنت عندما تتزوج وتستمع بما أحل الله لك... فلو كان عندك قلب حي يؤمن بالله لسجدت لله شكرا على أن أنقذك من الحرام ومتعك بالحلال..... وهذا في حد ذاته حب وإعزاز وتقدير لله العلي العظيم ...
وعندما يهديك الله من فضله ثمرة هذا الزواج في صورة طفل جميل يدخل السعادة والسرور على كل من يراه... ويكون هو زينة تزين بها حياتك الزوجية، وتسعد بها إلى مشاء الله، وتستشعر في أعماقك هذا الفضل من الله، فهذا حب وتقدير لله العلي العظيم.
ثم إليك أخي في الله وأختي في الله كلام رب العالمين الذي يتكلم فيه كلاما واضحا وضوح الشمس عن الحب....
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَاأَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِفَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ التوبة 24
العاقل هو من يوجه حبه لمن أعطاه القدرة على الحب، فيشكر له أولا ويتوجه إليه سبحانه مع من أحب عابدين طائعين لله العلي العظيم وحده... فهذا هو الحب الحقيقي الذي لا تخبت طاقته، حبا يضيئ لك حياتك وحياة من أحببت، لذلك الحب في الله هو من علامات الإيمان الصادق القوي.
ثم إليك مزيد من الآيات التى تثبت محبة الله للعبد.... والإنسان عادة يحب من أحبه...
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)
وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ
فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ
أيات كثيرة تدلنا على كيفية الحصول على حب الله لنا... ثم كيف بالله عليك أن يكون هناك عاقل يتمتع بعقل سليم ولا يخر ساجدا لله العلي العظيم ...
إن القلب يؤمن بالحقائق لأنه يراها أكثر يقينا ووضوحا من العقل الذي يعتمد على الحواس الخمس، ... ومع ذلك فكثيرا من الأحيان يقع الإنسان في حب الله بعقله قبل قلبه... لأن العقل قد أدرك حقائق الكون بالنظر والبحث فيها فعرف قدرة الخالق العظيم سبحانه فأحبه...
حتى الذين هم بعيدين كل البعد عن الدين والإيمان.. عندما يتكلمون عن الحب فإنهم يصنفونه إلى صنفين ، صنف عاطفي ، أن يحب الإنسان بعاطفته، وصنف عقلي بحت، وهو أن يحب بعقله....
أما المؤمن فكل خلجة فيه تحب خالقها.. كل شعرة في جسده، كل نفس، كل ضخة دم تجري في قلبه، كل عاطفة ، .. وإن لم تكن تصدق ذلك ، فاسمع كلام ربك:
إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) مريم
هنا يخر ساجدا لله من شدة تأثره بما سمع من آيات الله... لكن قل لي بالله عليك لماذا يبكي؟ .. أنه يبكي من شدة الوجد.. يبكي لوعة وحسرة على ماضاع من عمره بعيدا عن مولاه وطاعته، يبكي خوفا وطمعا.. ويبكي شوقا وحبا.. يبكي لوعة من البعد، يبكي متمنيا رضا ربه.... هذه حال المحب المطيع لربه وخالقه...
إن أحببت شخصا بشدة، وخفت فراقه، وأردت الإحتفاظ به دائما في حياتك، أجعل حبك له في الله، خذ بيده وسيروا معا في طريق مرضاة الله والتفكر في آيات الله وخلقه، تقربوا إلى الله بعبادة مشتركة تقومان بها معا، ولينظر كل منكما إلى نعم الله عليكما الظاهرة والباطنة ، ثم كونوا مع الراكعين... تفكرا سويا في الآية التالية:
وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(21) الروم
هنا أجتمع الزوج والزوجة وكل منهم يرى في الآخر آية من آيات الله.. هو يسكن إليها، وهي تحتويه بحنانها وعطفها، هو يقوم على خدمتها، وهي تسهر على راحته، هو يقدم لها أغلى ما حصل عليه من عمله خارج بيته، { وهو الكسب الحلال والعمل الصالح} وهي ترفع يديها لله داعية له أن يجازيه عنها خيرا...
وكلما مرت الأيام بينهما زاد حبهما لله ولرسوله ولكل خلق الله...
كلما مرت الشهور بينهما زادت رؤيتهما معا للحقائق، ومعالي الأمور...
وكلما مرت السنون بينهما كبرت وترعرت في بيتهما الحكمة والعدل والآمان.
فنعم الله لا تعد ولا تحصى فصدق من قال:
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ(18) النحل.
اللهم اجعلها خالصة لوجهك الكريم، واجعلها دليلا على الحب في الله وبالله ولله، فهذا هو الحب الخالد الحقيقي الذي يزداد نورا وتأصلا كلما مرت به الأيام.
ساحة النقاش