انتفاضة 25 يناير أعادت الروح للشعب المصرى الذى عانى طوال السنوات من القهر و القمع البوليسى، و الركود السياسى، و تقييد الحريات. و نعلم الآن أن هواء الحرية و الكرامة ليس بعيد المنال.
و لا أحد ينكر أن الانتفاضة أحدثت تغييرا و سوف يستمر التغيير إن شاء الله إلى أن تصبح مصر دولة ديموقراطية يتداول فيه السلطة و يحاسب فيها القيادات.
و لكن ما يقلقنى أن هذه الإنتفاضة (أو الثورة كما نود أن نطلق عليها) تنادى ضمنيا و بدون قصد إلى مبادئ تناقض مطالبها، و هى:
كيف تدعو إلى الديمقراطية و أنت ترفض الحوار سواء مع النظام أو القوى المعارضة؟لماذا التهميش لدور الأحزاب السياسية و التحقير من شأنها بدعوى ركوبها الثورة الشعبية الطاهرة؟ هل هدف الإنتفاضة الحفاظ على شرف و مجد الثورة لمن أشعلها فقط، أم هدفها الأعلى هو الإصلاح السياسى و استرداد الكرامة الضائعة؟ و إذا كان الآن فى هذه الانتفاضة تدعو ضمنيا أن "أنا فقط و لا رأى سوى رأيي أنا"، ألا نستبدل نظام كثر فيه الطغاة، بجيل جديد من مشروعات الطغاة الصغار.
كيف تدعو إلى العدالة و دولة القانون و فى نفس الوقت ترسم مشهدا غير نبيلا يدعو إلى شنق رأس النظام. أنا أتفهم أن أطالب بمحاكمة الرئيس أو غيره من القيادات، و لكن هذا المشهد المؤسف و فى ميدان التحرير يدعونى إلى التحفظ.
التطاول و عدم الاحترام هى اللغة السائدة فى حوارات معظم الثائرين المتحمسين على شاشات التليفزيون، أعلم أن الثورة شعبية فى الأساس و أن أكثرهم غاضبون و يريدون التنفيس عن إحساسهم بالقهر و القمع، الذى نعانى منه على مدى السنوات. أعلم أن هناك شهداء أبرياء لم يجف دمهم بعد، و لكن ألا نغرز بهذه الطريقة فى الحوار قيم رذيلة أشفق على مجتمعنا منها و هى، عدم احترام الرأى الآخر و التطاول على الأكبر سنا أيا كان فكره أو اتجاهه.
هل نفعلها ثانية و نلطخ أنفسنا بالوحل؟ ألم تسييء ثورة يوليو 52 إلى الملك بصورة ظالمة و استغلت السينما و الصحافة لتلطيخ اسمه و سمعته؟ لماذا نستمد شرعيتنا من هدم الشرعيات القائمة؟ أهى عادة فرعونية؟ هل كان الملك فاروق فاسدا تماما؟ هل كانت ثورة يوليو 52 هى الحل لمشاكلنا؟
لماذا تهدم ثورة يوليو 52 الإقتصاد المصرى بتأميمها كل المصانع و المؤسسات الناجحة التى أصبحت الآن و بعد 60 سنة أرخص من التراب. هذا لأنها كانت "حافظة مش فاهمة"، لماذا الآن نريد تكرار ما حدث ثانية؟ لما علينا أن نهدم كل ما تم بناءه قبل بداية مرحلة جديدة؟ ألا نتعلم؟
إذا كنا نريد الحفاظ على ثورة 25 يناير رمزا لاسترداد الكرامة يجب أن نحافظ عليها من رذائل الإبتذال، وعدم الإحترام، و التبجح.
أرى أن الشعب المصرى كله متفق الآن على التغيير للأفضل، و لكن أرى قطاع كبير من الشعب المصرى متحفظا على ما يشوب الثورة من رعونة.
تحفظاتى هذه فقط لأننى غيور على غضبة و ثورة شعبية جميلة و راقية من أفعال و سلوكيات يمكن أن تشينها و تفسدها.