الادراك والفيزياء:
عندما تطورت الفيزياء الكلاسيكية الى فيزياء الكوانتمtheory of quantum التي تشكلت مع نظرية انشتاين,
الاساس الذي قام عليه علم الفيزياء الحديث, عزز هذا التطور من موقف الواقعية النقدية وقوى دليلها, ذلك ان صورة العالم الفيزيائي التي تمدنا بها حواسنا لا تتفق مع الكلاسيكية, كان الناس يعتقدون ان الاشياء الفيزيائية مكونة من عناصرمتصلة صلبة لا تخترق ولا ينفذ اليها, وهذا ماتعطيه لنا الحواس عن المادة, فالمادة في نهاية الامر ترجع الى ذرات صغيرة غير قابلة للقسمة وهو مايسمى في اصطلاح الفكر الاسلامي بالجواهر الفردة.
واحيا في القرن 17 اسحق نيوتن وروبارت بول النظرة القديمة للذرات, ولكنهما تصورا انه يوجد بين الذرات فراغ ومنذ ذلك الحين اصبحنا نعتقد ان الاشياء الصلبة تتكون من ذرات بينهما فراغ يفصل كل ذرة عن الاخريات بدلا من ان تكون متصلة وقابلة للاحتراق والنفاذ بدلا من عدم قابليتها لذلك, فاختفى معنى الصلابة في المادة الذي هدمه اسحاق نيوتن وبين لنا ايضا ان اللون انما هو وهم اوجده الضوء.ومعنى هذا ان الحواس احيانا تمدنا بافكار غير صحيحة عن الواقع الفيزيائي, فاذا طلعت الشمس مثلا وكانت امامنا زمردة فان اغلب الضوء تمتصه وبعضه ينعكس على العينين فنشعر باللون الاخضر, لكن الزمرد كما شرح نيوتن وجون لوك ليس له لون فلون الخضرة هنا انما هو احساس ذاتي.
وبقي الناس يؤمنون بهذه الافكار الجديدة بلفيزياء حتى جاءت بعد قرنين وذهبت الى انه لا تناقض بين اعتقاداتنا العادية المشتركة في المادة وما يذهب اليه علماء الفيزياء, وهي تعتقد فيهما جميعا, فنرى ان القطعة من الذهب مثلا هي صلبة وحشد عدد كبير من الجزئيات المنفصلة. كما ان النار حارة وهي في نفس الوقت ذات جزئيات متحركة وان شعورنا بلحرارة هو نتيجة حركة الجزئيات التي تنفذ الى نهاية اعصابنا في سطح جلودنا.
, ومعنى الصلابة هنا في الكوب مثلا لدرجة انه يحمل الماء لا يقصد انه لا نفاذ فيه لاي شيء.
وكذلك اللون فان الفيزيائيين لا ينكرون اللون وانما فسروه , فلا ينكرون ان الحشيش اخضر لانه يعكس ضوء بعض الموجات الضوئية, وكذلك الحرارة ليست جوهرا ولكن النار حارة بالفعل فان الجزئيات في الثلج مثلا اقل حركة منها في النار.
وهنا جون بول ونيوتن لم يبرهنو على ان الحواس تكذب علينا وانما برهنو على ان الحواس لا تخبرنا عن الحقيقة كلها فحسب, فعندما تخبرنا اعيننا واصابعنا ان الذهب صلب فانها تخبرنا بما هو حق, لانه لا توجد فراغات كبيرة بين ذراته حتى تتمكن اعيننا من رؤيتها لانها مما ليس في استطاعتها ان تراه.
وتصنيفنا للالوان راجع الى تمييز رؤيتنا الذاتية اكثر منه مطابقة للواقع الخارجي, ولذلك ذان الدليل القائم على الفيزياء الجديدة يبدو انه صحيح فان الفيزياء تعلمنا ان الاشياء ليست فعلا كما تبدو لنا, فان مايبدو لنا منها يعتمد على ذاتيتنا اكثر مما يعتمد على ماهي عليه في الواقع وخلاصة القضية انه بالرغم من ان حواسنا هي مصدرنا الاساسي في المعرفة فيجب ان نتعلم نقد ما تعلمنا اياه ولا نثق فيها صثقة عمياء.
وهذه الخلاصة تبدو معقولة في الادراك الحسي ولكن لا يبدو معقولا لدى جورج بركلي, فليست الحواس هي التي تخبرنا بلاوهام وانما علماء الفيزياء هم الواهمون, فان العالم الذي يتحدث عنه الفيزسيائيون لا وجود له والعالم الحقيقي هو عالم الحواس وهو الذي ندركه حقا على ماهو عليه, اذ ان العالم الحقيقي عنده هو عالم عقلي لا فيزيقي معنى هذا انه حذف المادة من الوجود.
بمعنى اننا لا ندرك الاشياء الفيزيقية ولكن ندرك كيفياتها الحسية فقط, وهي لا توجد خارج عقولنا ومن ثم فان موضوعات ادراكنا لا توجد خارج عقولنا, فاذا فرضنا اننا راينا ومضة نجم الان فسنظن اننا راينا النجم نفسه, ولكن هذه الومضة بدات سفرها باعيننا منذ سنين كثيرة ويمكن ان يكون النجم قد انطفا وفني وجوده قبل ان تصل الينا ومضته من النور, ناهيك ا الذي وصلنا هو ومضة ضئيلة بينما النجم كبير جدا ويشع نوره باستمرار ولذلك فنحن لم نر النجم الذي اعتقدنا اننا رايناه.
اذن نحن لا ندرك الاشياء الفيزيقية وانما ندرك كيفياتها القابلة للادراك . ويرى بركلي ان كيفيات الاشياء القابلة للادراك لا توجد الا حينما تدرك فقط فالاصوات توجد حينما نسمعها فقط واللون حينما نراه والحرارة حينما نشعر بها .
ويرى بركلي ان وجود الكيفيات الحسية كلها يعتمد على وجود من يدركها ومن يحس بها فلا وجود للالم في غياب من يتالم ولا صوت اذا لم نسمع ولا ضوء اذا لم نراه, ليكون الشيء موجودا معناه ان يدرك فالفيزياء في نظر بركلي شيء لا يصدق ليست سوى خيال من بعيد اذن فنحن لا نحتاج الى القول ان مصداق احساساتنا هو مطابقتها للواقع الخارجي فواقع الفيزياء خرافة وليس نيوتن الا رجل حالم وكاتبا خياليا في نظر بركلي, ان الذي يوجد هو الكيفيات المحسوسة لا الاشياء الفيزيقية.
ان بركلي يحسب ان الكيفيات المحسوسة هي نفسها اشياء, ويرى اننا لا نرى الاشياء لكن الوانها كان اللون هو الشيء ولا نشعر بالذهب الصلب ولكن الصلابة كأن الصلابة نفسها هي شيء , هي الذهب فهذه مزاعم, وخلط, وذلك ان الكيفيات ليست اشياء فنحن اذا راينا مزهرا اسطوانيا ملونا بلاخضر والاحمر فنحن لا نرى اربعة اشياء : الاسطوانية , واللون الاخضر , واللون الاحمر, والمزهر, فالمزهر موجود لان هذه هذه الكيفيات لا توجد منفصلة عن المزهر فهي ليست موجودة في مستوى وجود المزهر ولذلك فهو على خطا فاننا لا ندرك الكيفيات وانما ندرك الاشياء ذات كيفيات او المكيفة.
وينبغي ان نفرق في الادراك بين امرين , الاول الشيء الذي ندركه بان نراه او نتذوقه او نلمسه, والثاني عملية الادراك نفسها اي الرؤية والتذوق واللمس مما نسميه بالتجربة الادراكية واما موضوع الادراك فهو الشيء الذي يؤثر بخصائصه في الذات المدركة فتحدث هذه التجربة الادراكية ولكن لا تؤدي غرضها فتصبح اعتقادا ومعرفة الا اذا كانت قد تمت بصورة سليمة او بطريقة صحيحة بحيث انتفت العوامل التي يمكن ان تخدع الذات العارفة كما الهلوسة , او التخدير....
لان التجربة الادراكية هي الحالات الشعورية للعقل , فهي حالات وعي والذي يميزها هو هذا الطابع من الوعي ويسمى بالطابع الظواهري بحيث اذا سئلنا بان نصف الاشياء من حولنا على ما يمكن ان نراها عليها فاننا اذا وصفنا الاشياء التي امامنا على مائدة الطعام وما يحمله من خصائص مثلا وسئلنا ان نصف حالتنا الشعورية ووعينا بهذه الاشياء فنحن نجد انفسنا في موقف اذا اردنا ان نكون منصفين كما يقول ستراوسن نميل فيه الى ان نصفها بتلك الاوصاف التي وصفت بها الاشياء على المائدة بالرغم ان تجربتنا الادراكية ليست هي الاشياء التي من حولنا.
فيمكن ان نميز بين تجربتنا الواعية والاشياء بان نقول مثلا انه يبدو لنا كما لو كان هناك صحن ربيان او ملعقة على المائدة او نقول: يبدو لنا كما لو كان هناك باقة ورد, فنحن ناخذ وصفنا هذا على انه خبر عن الحالة الذهنية اكثر من كونها واقع خارجي فهناك فرق بين الحالة العقلية والاشياء التي في المحيط حين ندركها.
ويجيب معالجة التجربة الادراكية باعتبارها حالة خاصة لا على انها عامة او كلية . اذن مالذي يجعل التجربة الادراكية مناسبة لوصفها في حدود الاشياء الخارجية حتى في حالة ما اذا كانت هذه الاشياء لا تساوي وصف هذه التجربة؟ وللاجابة عن هذه توجد نظرية المعطى الحسي للادراك.
نشرت فى 29 نوفمبر 2011
بواسطة hany2012
هـانى
موقعنـا موقع علمى إجتماعى و أيضاً ثقافـى . موقع متميز لرعاية كل أبنـاء مصر الأوفيـاء، لذا فأنت عالم/ مخترع/مبتكر على الطريق. لا تنس"بلدك مصر في حاجة إلى مزيد من المبدعين". »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
1,794,874
ساحة النقاش