مقال في علم النفس التربوي
يعد النظام التربوي أحد المؤسسات الرئيسية التي تساهم في تنشئة الفرد و تربيته على العادات و المثل الصالحة .
أذ يتلقى منه التلميذ المعلومات و المهارات و المعارف التي سيحتاج أليها في مجال العمل ، و الأسرة ، و المجتمع ليمثل دورا ً هاما ً في حياته ، و ليأخذ بيده الى بر الأمان و يجعل منه شخصا ً نافعا ً لأسرته و وطنه ( 2 ) .
تمثل المدرسة أحد عناصر النظام التربوي و التعليمي ، التي توفر الى التلاميذ :
1. المهارات و المعلومات و القيم و المعايير التربوية و المعرفية .
2. الاتجاهات الاجتماعية الضرورية لحسن تكيفه مع البيئة الاجتماعية الكبرى
3. تحقيق حاجاته للشعور بالأطمئنان و النجاح و تقدير الذات .
4. تنمية المسؤولية و القدرة على اتخاذ القرارات .
5. الولاء الاجتماعي للأسرة و الوطن .
6. تحقيق النمو المتعدد النواحي ( عقلي ـ اجتماعي ـ حركي ـ انفعالي ـ خلقي ) مع شعور كامل بقدر الأمكان .
( 3 )
7. أستغلال اقصى القدرات ، للوصول الى أعلى درجات النجاح .
8. أستثارة أمكانيات التلميذ من خلال ماتوفره من أنشطة و مسابقات في الفن و الزراعة و الرياضة .
و تعرف المدرسة بمختلف عناصرها التعليمية بأنها أداة لبناء جميع جوانب الأنسان العقلية ، و النفسية ، و الجسمية ، و الدينية بناءً يتفق مع أسس و منطلقات المجتمع و فلسفته التربوية ( 4 ) . فقد أجمع المربون على أن للمدرسة الدور الكبير في أنماء مجموعة المظاهر السلوكية التي تصف الفرد ( 5 ) .
أن واجب المدرسة يتمركز في توفير مناخ تربوي طيب ، يساعد التلميذ لكي ينمو نموا ً سليما ً في أطار مرحلته الدراسية ، و أن توفر له أساليب ضبط تربوية حديثة ، لتنمية مهاراته و معلوماته مثل توفير الأنشطة و الوسائل المختلفة من
� وسائل معرفية ( القراءة ، و الحساب ، و العلوم ، .. )
� أنشطة زراعية ( تعلم طرق الزراعة ، و تربية الدواجن )
� أنشطة رياضية ( كرة القدم ، و سباق الجري ، و كرة الطائرة ... )
� أنشطة فنية ( كالموسيقى ، و التمثيل ، و الرقص ، و الغناء )
كما من الضروري أن يتم تزويد المكتبة المدرسية مصادر التعلم المختلفة ( 6 ) .
ألا أننا قد نجد بعض المدارس تتخذ وسائل خاطئة ، و غير منهجية في تنمية السلوك المرغوب و ضبطه لدى التلاميذ ، و هذا ما نجده في ظاهرة العقاب المدرسي ، المتبع لدى الكثير من المعلمين كوسيلة مفضلة و ناجحة لديهم في تحقيق أهدافهم التربوية .
الأمر الذي يترتب عليه نتائج عكسية تتمثل في خوف التلميذ و هربه من المدرسة أو كرهه لها .
لذا فمن الضروري و المهم دراسة هذه الظاهرة لما لها من منطلقات فكرية و سلوكية خاطئة ، وتأتي أهمية دراسة هذه الظاهرة من الأتي :
1. أن هذه الظاهرة عميقة جذريا ً في ثقافة مجتمعنا .
2. أنها ظاهرة تربوية متفشية و منتشرة في العديد من مدارس الدولة .
3. لما لها من أثار سيئة على شخصية التلميذ و صحته النفسية و البدنية .
4. لما تولده من دافعية قوية في ترك التلميذ مدرسته ـــ التي لم توفر لديه فرص الأشباع الكافي ـــ و البحث عن أنشطة أخرى يشبع بها حاجاته و يقضي بها أوقات فراغه .
5. لما تولده من فكر خاطئ لدى التلاميذ بـ ( أن العقاب و سيلة ناجحة لتعديل سلوك الأخرين و ضبطه ) بغض النظر عن الوسائل الأخرى القائمة على التوجيه و الأرشاد و النصح .
ماذا يقصد بالعقاب المدرسي
يعرف العقاب المدرسي بأنه أي سلوك يتسم بالعدوانية ، و يترتب عليه أذى و ضرر بدني أو نفسي أو كليهما معا ً ، يقع على التلميذ ، الغرض منه هو تحقيق أهداف و غايات مرغوبة في نفس المعاقب أو المعلم ، تنصب في مصلحة و فائدة التلميذ .
العقاب كوسيلة لضبط سلوك التلميذ
يتخذ الكثير من المربين العقاب كوسيلة لضبط السلوك في المدرسة ، فيفرض من خلاله المعلم سيطرته و احترامه و تدريس مادته على التلاميذ ، من منطلق أن العقاب وسيلة فعالة و ناجحة في العلاقة المتبادلة بين المعلم و تلميذه .
فيعده المعلم بأنه من أقصر الطرق في التعامل مع جميع المواقف ، و لكن من الطبيعي ألا يكون للعقاب مكان في العلاقات التي تقوم بين المعلم و تلاميذه ، و من الخطأ أن يبدأ المدرس علاقته بالتلميذ عن طريق أظهار السلطة أو النقد أو التجاهل ، لأن هذا الأسلوب يثير ـــ بكل تأكيد ـــ الخصومة و يدفع التلاميذ الى أن يسلكوا مسلكا ً عدائيا ً نحو المدرسة ( 6 ) .
فيخطأ المعلم عندما يتخذ من العقاب وسيلة الى اختفاء السلوك الغير مرغوب به من قبل التلميذ ، لأن هذا العقاب يؤدي الى كتم هذا السلوك و ليس الى اختفائه ( 5 ) .
و هو ما يترتب عليه كراهية التلميذ لمعلمه ، و شعوره بانعدام الاطمئنان في المدرسة و ما فيها ، و كثرة أنواع السلوك الشاذ كالحقد و أثارة الاضطرابات و استعمال العنف ( 3 ) كما يترتب عليه ارتكاب المخالفات أو التحريض على ارتكابها ، و الخروج على طاعة المعلم و رفض تنفيذ أوامره ، و كثرة تعطيل الدروس بالمقاطعة و أثارة الشغب أو بالتهريج ، و هذا كله يظهر على شكل ثورة و احتجاج على سلطة المدرس ( 7 ) .
أن الجو الذي تهيئة المدرسة يؤثر سلبا ً حتما ً على سهولة و صعوبة أداء مهمتها ، و يتوقف الجو المدرسي على العلاقات الإنسانية ، و ما توفره من وسائل و إمكانات مادية ، و علاقات طيبة تساعد على تقدم التلاميذ و تحقيق توافقهم ( 8 ) .
فالجو المدرسي الذي يتسم بالتقبل و العطف و الديمقراطية و الإسناد و تحقيق الإمكانات يتيح الفرصة للتلاميذ لإشباع حاجاتهم و أشعارهم بالتفوق و النجاح ، و يزيدهم ثقة بأنفسهم ، و يوقظ فيهم الحماس و الأمل ، أما أذا اضطربت علاقة الطالب بالآخرين من المعلمين فأن ذلك يؤثر سلبا ً في الطالب و عجزه في التكيف مع عناصر المجال الدراسي ( 9 ) و تكوين اتجاه سلبي نحو المدرسة و بالتالي الهرب منها .
أشكال العقاب المدرسي
يلجأ الكثير من المعلمين إلى استخدام العقاب ، و ذلك لأنه يعد من أقصر طرق التعامل مع التلميذ ، أو كرد فعل للشحنة الانفعالية التي تحصل بين الطرفين في ذلك الوقت ( 5 ) أو كأسلوب في ترويض التلميذ و ضبطه .
تتعدد أشكال العقاب المدرسي التي يلجأ أليها المعلم كالأتي : ــ
1 . عقاب لفظي : و هو عقاب يستعمل فيه المعلم الأسلوب اللفظي كوسيلة للتخاطب و الاتصال مع التلميذ و يشمل السب و الشتم و الاستهزاء و أطلاق النكات و التهديد و الصراخ .
2 . عقاب جسدي : و هو عقاب يستعمل فيه المعلم جسده كوسيلة للتهجم على التلميذ ، و يشمل الركل ، و اللكم ، و العصى ، و جر الأذن ، و الوقوف على أحد رجليه و قد يصل العقاب الجسدي إلى إصابات جسدية بالغة في جسم التلميذ .
3 . عقاب نفسي : و هو أسلوب يستعمله المعلم للحط من كرامة التلميذ ، و التسبب بالألم النفسي ، و يشمل التخويف و الانتقاد ، و الاحتجاز في الصف ، و القسوة في التخاطب ( 10 ) و قد يطلق على هذا النوع من العقاب بـ ( الرمزي ) الذي يمارس فيه سلوكا ً يرمز الى احتقار الآخرين أو توجيه الانتباه إلى أهانه تلحق بهم ( 11 ) .
و يتنوع العقاب بعدد المشاركين باستعماله ، فيقسم الى :ـــ
1 . عقاب فردي : يكون القائم به معلم واحد فقط لغرض ألحاق الأذى أو توجيه العقاب الى التلميذ .
2 . عقاب جماعي : و هو عقاب يشترك فيه عدة معلمين في توجيه الأذى الى التلميذ .
كما و يقسم ( ناصر ، 2001 ) العقاب المدرسي حسب مستوى التبرير الذي يتخذه المعلم في توجيه العقاب ، و يقسم الى :ـــ
1 . عقاب عقلاني : و هو عقاب يستند الى عدة مبررات عقلية في موقف محدد بين المعلم و تلميذه .
2 . عقاب غير عقلاني : و هو عقاب يستند على القليل من المبررات العقلية ، و يغلب فيه موقف اندفاعي عاطفي يدفع المعلم بالعقاب اتجاه التلميذ من غير أن يكون تقديره لظروف العقاب تقديرا ً واعيا ً ( 11 ) .
أسباب اللجوء الى العقاب المدرسي
يرى أحد الباحثين أن الأنظمة التربوية في أنحاء العالم تتبنى نظريا ً المبادئ التربوية الحديثة ، و تسعى الى تطبيقها في أطار المدرسة ، و بالطبع فأن القوانين الناظمة للعمل التربوي في المدرسة تمنع استخدام الضرب و اللجوء إلى العنف في المدارس ، و مع ذلك فأن المسألة تبقى نسبية ، فاللجوء الى أسلوب العنف في المدرسة ظاهرة دولية ، تشتد في البلدان النامية بينما تكاد تختفي في البلدان المتقدمة ، و على الرغم من ذلك فأن بعض المعلمين و بتأثير من خلفياتهم الثقافية و التربوية يلجئون إلى أسلوب العنف في تعاملهم مع التلاميذ ( 12 ) .
أن من الأسباب التي تدفع بالمعلمين إلى استخدام العقاب مع التلاميذ كالأتي :ـــ
1. أن بعض المعلمين نشؤ في بيئات تربوية متسلطة تتسم بالإكراه و التسلط و العنف ، الأمر الذي ينقل بعض الخبرات التي أكتسبوها في تنشئتهم الاجتماعية في التعامل مع الآخرين و من ضمنهم التلاميذ .
2. قد يكون لبعض النماذج من الذين اقتدى بهم المعلم خلال مسيرته الدراسية من يلجأ الى استخدام العقاب في التعامل مع التلميذ، الأثر الذي يدفع المعلم أن يفضل استعمال هذا الأسلوب مع تلاميذه .
3. المعلومات التربوية الخاطئة التي تتضمنها بعض المناهج القديمة في تفضيل استخدام الضرب مع التلميذ كأسلوب للتهذيب و التقويم و زيادة الدافعية .
4. أن بعض المعلمين لم تسنح لهم الفرصة في الحصول على تأهيل تربوي مناسب ، فهم بذلك لا يملكون وعيا ً تربويا بطرق التعامل الحديثة مع تلاميذه.
5. عدم النضج الانفعالي لبعض المعلمين ، الذي يدفع بهم سلبا ً في اندفاعهم لاستخدام الضرب مع التلميذ .
6. المشكلات و الظروف الاجتماعية من هموم و مشاكل تتميز بالصعوبة الحياتية ، قد تجعل بعض المعلمين غير قادرين على التحكم بالعملية التربوية .
7. الاعتقاد بأن العقاب يؤدي إلى نتائج ايجابية للمعلم في بسط سيطرته و احترامه على التلميذ .
8. الاعتقاد ببعض الأمثال و الحكم التربوية التي ـــ أكل عليها الدهر و شرب ــ تؤمن في استخدام العقاب مع المتربي مثل ( العصى لمن عصى )
9. قلة المفردات التي تتضمنها المناهج التربوية في تعليم الطرق الحديثة عن كيفية التعامل مع التلميذ .
10. ما يلاقيه المعلم من فشل و إحباط في خطته الدراسية مع تلاميذه ، قد يدفع به الى استخدام العقاب .
11. ضعف الإجراءات التي تتخذها مديريات التربية للحد من استعمال العقاب المدرسي مع التلاميذ .
12. الاعتقاد بأن العقاب من أقصر الطرق في التعامل مع التلميذ .
الأثار التي يخلفها العقاب المدرسي في التلميذ
تختلف الآثار التي يخلفها العقاب المدرسي في تصرفات و سلوك التلميذ ، باختلاف نوع العقاب ، و الموقف الذي يمارس به ، و استعداد التلميذ لتقبل العقاب .
تقسم الآثار التي يخلفها العقاب المدرسي إلى الأتي : ــ
1 . أثار معرفيه : مثل
أ . ضعف التحصيل الدراسي ب . ضعف الذاكرة و النسيان السريع
ج . اضطراب في أدراك التلميذ و استيعابه للمفاهيم الدراسية.
ء . عدم القدرة على مواجهة و حل المشكلات الدراسية .
هـ . تعطيل طاقات العقل و التفكير . ر . كثرة أحلام اليقظة.
د . سوء التمثيل للمعلومات و المفاهيم .
2 . أثار انفعالية : مثل
أ . الخوف و القلق و التوتر الزائد . ب . الاكتئاب .
ج . عدم الشعور بالأمن . ء . اللامبالاة .
هـ . الشعور بالكراهية و الحقد نحو المعلم . ز , الشعور بالفشل .
م . الشعور بالإحباط و العجز . و . رهاب من المدرسة .
3 . أثار اجتماعية : مثل
أ . سوء التوافق الاجتماعي مع التلاميذ و المدرسين .
ب . العناد و التمرد أو انعدام الطاعة ( ضعف الضبط الاجتماعي ) .
ج . عدم تحقيق الاستقلالية ( الخضوع ) .
ء . أثارة الشغب .
4 . أثار جسدية : مثل
أ . جروح و كسور في مختلف أنحاء الجسم . ب . أعاقة و قد تكون دائمة .
ج . اضطرابات في المعدة . ء . احمرار و تورم في الجلد
هـ . سقوط الأسنان م . قلع الشعر
متى يكون العقاب مفيدا ً
تختلف مواقف النظر إلى العقاب المدرسي بين مؤيد و معارض ، و بين ضرورة استخدامه في مواقف و ظروف محددة .
و بغض النظر عن الآراء و مدى صحتها فأن للعقاب فوائده أحيانا ً ، و لكن يجب أن يكون ضمن الشروط الآتية :
1 . يجب أن نستخدم العقاب بعد استنفاذ جميع الوسائل الأخرى ، كالتدعيم المضاد ، و استخدام أسلوب الانطفاء ، و أن لا نلجأ إلى العقاب كأول محاولة للتخلص من السلوك الغير مرغوب ، باعتباره أسهل الطرق ( 5 ) .
2 . يجب الحذر من ممارسة العقاب بقسوة ، لأن العقاب الشديد يؤثر حتما ً على نفسية التلميذ و شخصيته ، الأمر الذي يجعله يهرب من المدرسة .
3 . يجب أن يوقع العقاب بعد الفعل المخل مباشرة ، حتى يتم الربط بين الفعل المخل و العقاب ( 5 )
4 . يعتمد أثر العقاب على شدته و خاصة أذا كانت الاستجابة المعاقبة سبق و أن تكررت من قبل ( 13 ) . لأنه من الضروري أن يتناسب العقاب و الفعل المخل بأزدياد مدة السلوك ، لكي يعرف التلميذ خطأ فعله ( 5)
5 . العقاب يقل تأثيره كلما أزداد أستخدامه ، لأن التلميذ كلما تعرض للعقاب كون مناعه ضده ، فيصل الى مرحلة لا يجدي معها العقاب ( 5 ) فيجب الملاحظة ( أن العقاب يقوي السلوك أذا لحق العقاب ثوابا ً أو حدثا ً في نفس الوقت ) ( 13 ) مثل رضا التلاميذ على ما فعله التلميذ من سلوك كأسلوب يتحدى به المعلم .

hany2012

شذرات مُتجدده مُجدده http://kenanaonline.com/hany2012/

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 213 مشاهدة
نشرت فى 21 نوفمبر 2011 بواسطة hany2012

ساحة النقاش

هـانى

hany2012
موقعنـا موقع علمى إجتماعى و أيضاً ثقافـى . موقع متميز لرعاية كل أبنـاء مصر الأوفيـاء، لذا فأنت عالم/ مخترع/مبتكر على الطريق. لا تنس"بلدك مصر في حاجة إلى مزيد من المبدعين". »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,656,920