فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

قصة ملتقط الأحلام في أرض الخراب!!

قراءة في قصة "ما بقي ..."/ للكاتبة شروق حجاوي

فراس حج محمد/ فلسطين

 

ما بقي...

يحمل صندوقه... يسير بين الممددين على أرض المخيم... يلتقط أحلامهم ويضعها في الصندوق... يحكم غطاءه... يستمر في عمله بلا كلل!!

تشكل هذه القصة القصيرة جدا وخزة للضمير الإنساني، وليست مجرد وخزة، إنها وخزة حادة جدا، تهز المشاعر وتستوقف كلّ ما من شأنه أن يحسّ بعذابات المعذبين والبؤساء، إن مثل هذه الالتقاطات البديعة من عوالم السياسية وبهذه الكيفية الجارحة، تستدعي من القارئ أن ينحني إجلالا وإكبارا!

والآن، هيا بنا نخفف وطأة النص العاطفية بالتحليل النقدي، لعلنا نستبطن الوجع، ونضيف آلامه على مختبر أوجاعنا الإنسانية في زمن فقدت فيه الإنسانية ملامحها أو كادت، لولا رحمة من الله تجلت في ضمائر المفكرين والأدباء، ومنهم بطبيعة الحال كاتبة هذه القصة القصيرة جدا الكاتبة شروق حجاوي.

هكذا بدأ النص بالعنوان "ما بقي..."، فهل كانت الكاتبة تسأل أم كانت تقرر واقعا مشاهدا؟ وما هذه النقاط المتتابعة بعد العنوان، هل كانت نزف دماء أم حبات عرق حيرى تبحث عن يد لتمسحها؟ هل كانت هذه النقاط وشاية بطريق مفتوح على وجع لا ينتهي؟ لقد ساهم هذا العنوان بإثارة التساؤل أو بقلق البحث عن منتهى الطلب في هذا النص، ولذلك يعدّ العنوان في النص، أي نصّ، ومنه هذا النص إستراتيجية تساهم في المعمار الفني، ولذلك يجب أن يكون بارعا ودالا، وقد كان أيضا هذا العنوان مخاتلا ومراوغا كذلك، مع ضرورة الإشارة إلى تناص العنوان والموضوع أيضا مع رواية غسان كنفاني "ما تبقى لكم"!!

تبين هذه القصة القصيرة جدا عبر ظرفيها الزماني والمكاني ما تبقى لنا/ لكم/ لهم/ له من أمر هذه الحياة، وماذا تبقى يا ترى؟ إنها بعض أحلام منزوعة من بين واقع سيء غاية في السوء، وترسم اللغة هذا الواقع، إنه مخيم مليء بالجثث، وشخص في ظل هذا الواقع الأسود المعبأ بالدخان يحمل صندوقا ويلملم فيه أحلاما!! يا لله!! أحلام! أية قسوة هذه، ليلم الشخص أحلاما من بين الجثث في أرض مخيم ينزف وجعا ودما مقدسا، إن الصورة مشهدية جارحة وصادمة، تستفز المخيلة، وتستنزف الروح، ويبدي هذا الشخص قوة لا تعرف الوهن، إنه حريص على تلك الأحلام، لا يريد لها أن تتبخر أو تضيع، يلم قامتها من بين الجرح، ويضعها في الصندوق ويحكم عليها الغطاء، إنه جو من السوريالية المتشحة بضاب الباحثين عن وهم، ولكنها تشكل مع ذلك رؤيا لا تخلو من نور الأمل.

وتظهر قوة البطل في حقيقة الأمر في النص من جهتين؛ الأولى القوة النفسية التي جعلته قادرا على التجول بين ركام الدم المسفوح في مخيم بائس، ويبحث عن بعض ما تبقى من أحلام، والثانية القوة الجسمية، فهو لا يتعب، ويعمل من دون كلل أو ملل، ومن هنا نجحت القصة القصيرة جدا برسم البعدين لشخصية البطل العظيم، وهو بطل في الحقيقة، وليس في النص السردي وحسب!!

قد يرى البعض في هذا الشخص عدوا يصطاد أحلام الضحايا، ويصادرها، ولكن علينا أن نرى ما لا يراه الآخرون، انبعاثا للأمل، واستشرافا لمستقبل أكثر إشراقا.

كانت هذه القصة القصيرة جدا ناجحة في بنائها الفني وتوترها النفسي، وصياغة جملتها الفعلية، لتشكل ملمحا خاصا ودالا، تكثف الحدث لأقصى ما يمكن ليسهل علينا ابتلاع الطعم، لنشعر بقسوة الحياة في مخيمات البؤس والشقاء، قصة كتب عنها الأستاذ فؤاد نصر الدين الروائي المصريّ المعروف يقول: "يا لها من صورة فنية أتخيلها كأني فى حلم من ضمن تلك الأحلام التى جمعها ذلك الصبى أو المجهول، ووضعها فى صندوقه، إنها قصة ملتقط الأحلام".

نادرا ما نحصل على هذا الألم بصورة أدب مؤثر، دام الإبداع يا سيدة القلم المنير. 

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 141 مشاهدة
نشرت فى 17 يناير 2014 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

589,311

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024.

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.