<!--[endif] -->

بقلم: أشرف التعلبى

 الثلاثاء الماضى انتهت فعاليات معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الـ55، بعد دورة استثنائية ومهمة للغاية، تحت شعار «نصنع المعرفة ونصون الكلمة»، تأكيدا على ريادة مصر الثقافية المتصلة منذ القدم وحتى يومنا هذا، وبما يرسخ مكانة معرض القاهرة للكتاب بوصفه واحداً من ركائز الصناعات الثقافية.

وخلال أيام المعرض التى بدأت فعالياته من 25 يناير وحتى 6 فبراير .. رصدنا الكثير من المشاهد والظواهر التى تؤكد أن الدولة المصرية سخّرت كل إمكاناتها تقديرا لقيمة الثقافة والكتاب، مع بعض الملاحظات التى يجب النظر إليها بعين الاعتبار للوصول لأفضل نسخة من معرض القاهرة الدولى للكتاب باعتباره المعرض الثانى عالميا بعد معرض فرانكفورت.

أول هذه المشاهد التى رصدناها هو حسن التنظيم، بداية من دخول البوابات الرئيسية وصولا إلى دور النشر، التى تختلف مساحاتها طبقا لاحتياجات كل ناشر، وبينها طرقات واسعة تسمح بتجول الزائرين بين تلك الأجنحة، وهناك ما يقرب من 300 متطوع اختارتهم وزارة الشباب والرياضة للمشاركة فى تنظيم دخول الجمهور ومساعدته على مدار اليوم داخل القاعات المختلفة، وإرشاده للوصول إلى ما يريده، خاصة أن معرض القاهرة الدولى للكتاب ليس معرضا لبيع الكتب فقط، لكنه مهرجان أو كرنفال ثقافى يلتقى فيه الجمهور مع الكتاب من مختلف الجنسيات.

وتأتى أهمية معرض القاهرة أنه ثانى أهم معرض للكتاب فى العالم، بعد معرض فرانكفورت الأول، فهو عربيًّا الأكبر مساحة والأقدم تاريخًا والأطول زمنًا والأكثر زوّارًا.

وهذه الدورة شارك فيها 1200 ناشر، من قارات العالم، بزيادة 153 ناشرًا عن الدورة الماضية، من 70 دولة من جنسيات مختلفة وتحل عليها مملكة النرويج ضيف شرف، وبلغ عدد العارضين 5250 عارضًا، لأن فى هذه الدورة حسبما ذكرت اللجنة العليا للمعرض تم استيعاب جميع الناشرين، الذين تقدموا للاشتراك لإتاحة الفرصة للجميع لعرض أحدث إصداراتهم وإنتاجهم للجمهور المصرى والعربي، لدرجة دفعت اللجنة العليا للمعرض بتخفيض رسوم الإيجار للناشرين العرب بخلاف غيرهم من الناشرين.. وكان اتحاد الناشرين المصريين على تواصل مع كل دور النشر المحلية لحل أى عقبات، وهذا حدث بالفعل عندما تم رفض أحد دور النشر الخاصة تدخل الاتحاد واللجنة العليا، وتم قبول هذه الدار فى ثالث يوم مباشرة.

كل هذا يؤكد أهمية معرض القاهرة الدولى للكتاب، ورغبة الكثير من دور النشر العربية والأجنبية للمشاركة بالمعرض، لعلمهم بمدى حسن التنظيم وبأعداد الزائرين الكبيرة مقارنة بمعارض دولية أخرى، وكنا نتمنى أن يتم ترسيخ الهوية البصرية فى كل شيء يخص المعرض صحيح أن «بوستر المعرض» تم تصميمه بحرفية ويعبر عن روح الفن المصرى لكن كان من الأفضل أيضاً وضع شاشات تقدم للزوار جميع المعلومات والفاعليات لأننا رصدنا عدم علم الكثير من الجمهور بالندوات أو أماكن إقامتها.

˙ ˙ ˙

ثانى هذه المشاهد هو الإقبال الكبير.. حيث بلغ إجمالى عدد زائرى المعرض هذا العام، نحو 5 ملايين زائر، مُحققًا بذلك،الاقبال الجماهيرى الأكبر فى تاريخه منذ انطلاق دورته الأولى سنة 1969، إضافة إلى أن هيئة الكتاب تقوم بطباعة عدد كبير من تذاكر دخول المعرض مجانا.

ورغم بعد المسافة بعض الشيء بعد نقل المعرض فى السنوات الماضية من مدينة نصر إلى مركز مصر للمعارض الدولية بالتجمع الخامس، في القاهرة الجديدة، إلا أن هذا لم يمنع المواطنين من الاحتشاد والإقبال على المشاركة فى العرس الثقافي، والذى يمثل عيدا سنويا ينتظره الجميع، خاصة أن الموقع الحالى للمعرض يوفر كل الخدمات التى يحتاجها الزوار من مطاعم وكافتيريات وبنوك وبريد وغيرها من الخدمات، دون أن نغفل أن وزارة الثقافة بالتعاون مع هيئة النقل العام، خصصت 11 خط أتوبيس من وإلى مقر المعرض، من مختلف مناطق القاهرة، ويعمل عليها 115 أتوبيسا.

˙ ˙ ˙

المشهد الثالث وهى ظاهرة ليست جديدة على معرض الكتاب حضور الشباب بكثافة، ولاحظنا أن هناك أكثر من 70 فى المائة من زوار معرض القاهرة الدولى للكتاب من الشباب، ومنهم نسبة كبيرة تقل أعمارهم عن العشرين عاما.

وهذا يؤكد عدم صحة مقولة إن الجيل الجديد لا يقرأ وأنهم معنيون بالتكنولوجيا وبالسوشيال ميديا أو القراءة من خلال الأجهزة الرقمية الحديثة فقط، فحضورهم بهذه الأعداد يؤكد أنهم يقرأون جيدا، ولديهم وعى وذائقة ثقافية كبيرة، وهذا يبشر بجيل من الشباب المثقف الواعى بكل ما يحيط به من قضايا، ولن يستطيع أحد مهما كان أن يملأ هذا الجيل بأفكار متطرفة أو مغلوطة، وهنا يمكن أن نربط بين هذا الحضور الشبابى اللافت وبين شخصية المعرض هذا العام الدكتور سليم حسن عالم المصريات لما له من دور كبير فى ترسيخ الهُويَة المصرية؛ فشخصية بمثل هذه القيمة تلفت الشباب إلى حضارتهم المصرية العريقة.

˙ ˙ ˙

المشهد الرابع خاص بمسألة أسعار الكتب، بعد سؤال عدد من الناشرين تأكدنا أن أسعار الورق زادت ووصل طن الورق من 60 إلى 70 ألف جنيه للطن، وهو ما دفعهم لزيادة أسعار الكتب، وتراوح متوسط الأسعار من 200 إلى 300 جنيه فى دور النشر الخاصة، ورغم ذلك قاموا بمنح خصومات تصل فى بعض دور النشر إلى 50 فى المائة لجذب القراء، وزادت هذه الخصومات فى اليومين الأخيرين من المعرض الذى انتهت فعالياته أمس الثلاثاء 6 فبراير.

وهنا علينا أن نتوقف لنشيد بدور الدولة المصرية من خلال هيئات وزارة الثقافة المختلفة التى وفرت الكتب بأسعار رمزية وزهيدة، بكل أنواعها الإبداعية المختلفة، ففى هيئة قصور الثقافة مئات من الكتب من جنيه إلى 5 جنيهات، وهناك الكثير من الكتب ب10 جنيهات أو 15 جنيها، وهو ما أدى إلى احتشاد الجماهير على جناح هيئة قصور الثقافة وعلى رأسها مؤلفات الدكتور طه حسين..

بينما كانت الهيئة العامة المصرية للكتاب حاضرة بقوة فى المشهد، ووفرت المئات من العناوين الجديدة والقديمة للقراء بأسعار رمزية، خاصة إصدارات مكتبة الأسرة، كما واصلت هيئة الكتاب تخصيص جناح لبيع إصداراتها القديمة بسعر الغلاف، وغالبًا ما يكون زهيدًا مقارنةً بأسعار هذه الأيام.

ولمواجهة ارتفاع أسعار الكتب لجأ الكثير من الزائرين إلى صالة «سور الأزبكية»، التى كانت الأكثر إقبالاً وضمت الكثير من المكتبات، لبيع الكتب القديمة العربية والأجنبية، بأسعار معقولة جدا، تبدأ من 5 جنيهات، وشهدت ازدحاماً كبيرا ليس من المصريين فقط، بل من مختلف الجنسيات.

˙ ˙ ˙

أما عن المشهد السادس فهو رؤيتنا للبرنامج الثقافى الذى تنوع واستوعب كل القضايا الفكرية ترسيخا للهوية الثقافية المصرية، ومكانتها فى الحضارة الإنسانية، وهو البرنامج الذى ضم ما يقرب من «550» فعالية، أقيمت فى 7 قاعات، وصالة كاملة لكتب وأنشطة الطفل، وأماكن للفنون الحرة.

صحيح أن الندوات اتسعت لكل المبدعين ولطرح كل الأفكار ومناقشة كل القضايا، لكن تكررت بعض الأسماء فى بعض الندوات، وغاب الكثير من كبار المثقفين والمفكرين عن عقد ندوات لهم، ولم نر فى المعرض فعاليات خاصة بالفن التشكيلي، كما كان لافتا أنه لم يتم استضافة كبار النجوم والفنانين فى ندوات لجذب الجماهير والترويج للمعرض، وأيضاً غابت الندوات أو الفعاليات الخاصة بمحافظة الوادى الجديد التى تم اختيارها عاصمة للثقافة المصرية العام الماضى من قبل وزارة الثقافة.

وفى إطار هذا البرنامج الثقافى استضاف معرض هذا العام عددا كبيرا من المبدعين العرب وأتاح الفرصة أمام القراء المصريين للتحاور والتفاعل معهم.. لكن هذا يستلزم أن تكون جوائز معرض القاهرة الدولى للكتاب مفتوحة أمام الكتاب العرب مثلما يحدث فى معارض أخرى.

ويبقى السؤال.. لماذا يغيب الحاصلون على جائزة نوبل فى الآداب عن حضور معرض القاهرة الدولى للكتاب وهو الأكبر عربيا؟!.. نطمح أن نرى فى معرض العام المقبل كبار الكتاب فى العالم على أرض مصر، لمد الجسور بين الثقافات لنرى كيف يفكر هؤلاء، ويرون بأنفسهم حضارتنا وثقافتنا الفريدة، حتى لا نعيش فى جزر منعزلة، ونرى كتابا عربا يحصلون على نوبل فى الأدب ولا نكتفى بنجيب محفوظ فقط، فهو الأول والأخير.

وعندما تحاورنا مع الكاتب الألبانى إليت أليشكا، مؤلف رواية «الدبلوماسي» أكد أهمية مشاركته فى معرض القاهرة الدولى للكتاب لأنه حسبما قال أهم معرض عربى، وأن ترجمة روايته للعربية كان فى مصر لأن انتشاره فى مصر سيؤدى لانتشاره فى الوطن العربى كله.. هذا يؤكد مدى أهمية ومكانة معرض القاهرة دوليا وليس عربيا فقط.

وبجانب حضور كبار الأدباء فى العالم نتمنى طباعة قائمة بالكتب المتوفرة فى كل جناح وإتاحتها على الموقع الإلكترونى قبل المعرض، مع توافر دليل بأماكن دور النشر يوزع مجاناً مع تذاكر المعرض تسهيلاً على الزوار.

˙ ˙ ˙

المشهد السابع كثرة إقبال الأسر بصحبة أطفالهم، صحيح أن هذا العام هو الثالث لإقامة معرض مستقل للطفل داخل المعرض، لكن هذا العام شهد حضورا وزخما كبيرا للطفل، وبسؤال الأسر، قالوا لنا إن اصطحاب أطفالهم للمعرض فرصة كبيرة للتنشئة والتوعية بمدى أهمية الثقافة وزرع روح حب القراءة داخل نفوسهم، وأن المعرض وفر لهم الكثير من الأنشطة التى يفضلها الأطفال وعلى رأس هذه الأنشطة ورش الحكى والرسم والأنشطة التفاعلية.

ورصدنا إقامة مجموعة من الفعاليات داخل القاعة المخصصة لنشاط الطفل، عروض فنية من مسرح- أراجوز- عرائس- غناء- سيرك، إضافة إلى عدد من حفلات توقيع للمبدعين الصغار، وتكريم مسيرة أدبية أو فنية للأطفال، وعروض كتب.. بمشاركة عدد كبير من مبدعى ورسامى وفنانى أدب الطفل.

كما توفرت داخل معرض الطفل الكثير من دور النشر الخاصة بكتب وقصص الأطفال، إضافة إلى كتب الرسم وأدوات التلوين، مما جعل الجمهور يتوافد بكثافة للاستمتاع بهذا التنوع الثقافى لأطفالهم.

ولم يقتصر نشاط الطفل عند هذا الحد بل تناولت القاعات عددا من الندوات عن شخصية المعرض للأطفال وهو الكاتب الكبير يعقوب الشارونى.

˙ ˙ ˙

المشهد الثامن خاص برسم البهجة على زوار معرض الكتاب من خلال الأنشطة التى كانت وزارة الثقافة مستعدة لها بعروض فنية تفاعلية يمتزج فيها جمهور المعرض مع تراثه، من الأداءات التراثية التى نشأ وعاش عليها فى البراح المعتاد، وذلك بالتعاون مع جميع قطاعات وزارة الثقافة من الهيئة العامة لقصور الثقافة، ودار الأوبرا المصرية، والمركز القومى لثقافة الطفل، وأكاديمية الفنون، وغيرها.

وهى عروض لفرق الفنون الشعبية من المحافظات المختلفة وعرض لفرقة الأراجوز وخيال الظل، وأوركسترا بيت العود العربى، بالإضافة إلى عروض لفرق من ذوى الهمم وورش لتعليم فنون الخط العربى، وعروض لفرقة «أطفال شبرا الخيمة لذوى القدرات الخاصة»، وأيضا عروض قدمتها فرقة «الشلاتين التلقائية» وغيرها من الفرق التى قدمت أغانى تراثية ووطنية وسط تفاعل كبير من الجمهور.

˙ ˙ ˙

المشهد التاسع أنه كل عام فى معرض الكتاب نرى ظاهرة البلوجر تتجدد، ورصدنا المئات بل الآلاف من الشباب يتدافعون لالتقاط صورة مع البلوجر «كنزى مدبولى» بعد صدور روايتها الأولى «فرصة من دهب»، وكانت أعمار هؤلاء تتراوح من 15 إلى 19 عاما على الأكثر.

وفى اليوم التالى رأينا الظاهرة تتكرر مع قدوم اليوتيوبر محمد المأمون، لتوقيع روايته «الديبو»، التى احتشد مئات من الشباب خلفه أملا فى توقيع أو صورة سيلفى، رغم أن سعر الرواية 150 جنيها.

وظاهرة كنزى أو المأمون الشهير بالديبو، ليست جديدة بل رأينها فى الدورات السابقة لمعرض الكتاب، مثل اليوتيوبر على غزلان ومغنى الراب زاب ثروت وغيرهم.

وبسؤال الجمهور الملتف حولهم قالوا إنهم يستمعون لكنزى أو الديبو عبر فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعى ويتناولون فيها على حد قولهم «قصص رعب»، وعندما سألنا عددا من الأدباء والمثقفين أكدوا أنها ظاهرة سنوية وتنتهى لأنهم لا يقدمون شيئا، لكن المهم أن هؤلاء الشباب جاءوا إلى المعرض وهذا سيدفعهم بالطبع لتكرار الزيارة فى الأعوام المقبلة، وحب القراءة، وهذا تطور طبيعى، كلما ينضج الشاب تختلف توجهاته فى القراءة.

˙ ˙ ˙

أما المشهد العاشر فهو استحداث المعرض لمحور «مؤتمر اليوم الواحد»، وضمت هذه الدورة 6 مؤتمرات، منها مؤتمر تقنيات الذكاء الاصطناعى، بالتعاون مع جامعة مصر المعلوماتية، ومؤتمر الترجمة عن العربية جسر للحضارة، بمشاركة وزارات الثقافة والأوقاف، وعدد من المؤسسات المصرية والعربية، و»مؤتمر الملكية الفكرية .. حماية الإبداع فى الجمهورية الجديدة»، ومؤتمر «طه حسين»، ومؤتمر «نازك الملائكة.»

كما احتفى المعرض هذا العام بالعديد من المشروعات الثقافية الجديدة التى أطلقتها الهيئة، وهD: «ديوان الشعر المصرى»، «استعادة طه حسين»، و«حكايات النصر»، و«عقول» الموجهة إلى مخاطبة فئة الشباب الشريحة المصرية الواعدة، لإبراز أصحاب التجارب الرصينة فى الفكر والأدب والعلوم الإنسانية.

ستكون «سلطنة عمان» ضيف شرف معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الـ«56» العام المقبل، بعد أن حلت «النرويج» ضيف شرف الدورة الـ«55» هذا العام.

الخلاصة أن المعرض هذا العام كان تجربة ثرية، قد نرى أنه يحتاج الى إضافات جديدة العام القادم ليزداد توهجا ويحافظ على تطوره، لكن فى كل الأحوال معرض هذا العام صورة مصرية معبرة ورائعة وتؤكد أن القاهرة ستظل عاصمة الثقافة العربية والمعرض سيظل الأهم والأكبر.

elsayda

بوابة الصعايدة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 25 مشاهدة

رئيس التحرير: أشرف التعلبي

elsayda
نحارب الفقر- المرض- الامية -الثأر... هدفنا تنوير محافظات الصعيد- وان نكون صوت للمهمشين »

تسجيل الدخول

بالعقل

ليس كافيا أن تمتلك عقلا جيدا، فالمهم أن تستخدمه جيدا