حوار: أشرف التعلبى

طرحنا الأسبوع الماضى- فى ملف خاص- سؤالاً وما زلنا ننتظر إجابته.. لماذا نصمت عن حقوقنا.. ولا نسارع بإصدار قانون يجعل «الملكية الفكرية» لمائة عام أو حتى 120 عامًا.. حتى نحفظ حقوق مبدعينا وتراث بلدنا؟

هذا الأسبوع نواصل حملتنا الصحفية التى نوليها أهمية كبرى، دعمًا لحقوق المؤلف وورثته، ورغبة فى استثمار واستغلال هذا التراث بما يتلاءم مع استراتيجيتنا الوطنية وبما يحمى تراثنا المصرى.

وفى هذا الإطار التقينا الدكتور أشرف جابر مرسى، مقرر لجنة حماية الملكية الفكرية بالمجلس الأعلى للثقافة، الذى قال فى حواره إن واقع اليوم يختلف تماما عن الواقع الذى صدر فيه قانون الملكية الفكرية سنة 2002، لأننا باختصار نتحدث عن أجيال متقدمة من التكنولوجيا، وتدخل مرعب للذكاء الاصطناعى.

وهذا يعنى أنه كلما زادت حماية المبتكرات والإبداعات كان هذا حافزا على مزيد من الابتكار، والابتكار يخلق فرص عمل، وفرص العمل تؤدى إلى تنمية اقتصادية للدولة، وهذا يستلزم بيئة تشريعية وإدارية مناسبة لحماية الملكية الفكرية.

الجميع يكاد يكون متفقا على أن التحدى الأكبر الذى يقابل الملكية الفكرية هو القرصنة الإلكترونية، وأتمنى أن يكون هناك تحرك سريع فى اتجاهها هو الاعتماد على تقنية «البلوك تشين»، فى حفظ وتسجيل وإدارة واستغلال الملكية الفكرية

لماذا لا نقوم بتعديل قانون الملكية الفكرية الآن وما أبرز المواد التى تحتاج لتعديل؟

صدر قانون الملكية الفكرية أول مرة سنة 1954، وفى سنة 2002 ألغى القانون القديم وتم إقرار قانون جديد رقم 82 لسنة 2002، وهو القانون المعمول به الآن.. وهناك بعض المسائل التى لم يتم الحديث عنها فى القانون، وتحتاج لتدخل عاجل وسريع، منها على سبيل المثال مسئولية مقدمى خدمات الإنترنت أو مقدمى الخدمات على المنصات الإلكترونية، لأن واقع الملكية الفكرية فى البيئة الرقمية اليوم مختلف تماما عن واقع هذا القانون الذى صدر سنة 2002، ونحن نتحدث عن أجيال متقدمة من التكنولوجيا، وتدخل مرعب للذكاء الاصطناعى فى صناعة المحتوى والتأليف والكتابة إلى آخره.. وبالتالى أصبحت هناك خطوط متداخلة فى تحديد أصحاب الحقوق، وهذا يستلزم أن يكون هناك جزء مستحدث يتعلق بتحديد المسئولية فى البيئة الرقمية، وهذا غير موجود من الأصل فى قانون 2002.. والأمر الآخر المتعلق بالعقوبات التى وضعت فى قانون 82 لسنة 2002 وننظر إليها الآن سنة 2024 نجدها عقوبات هزيلة للغاية لا تتناسب مع الوضع الحالي.. كل هذا يستلزم تدخلا عاجلا.

والخطة الاستراتيجية فيما يتعلق بتهيئة البيئة التشريعية.. ميزت بين مرحلتين، المرحلة الأولى تدخل عاجل على المدى القريب، والثانية على المدى المتوسط، وفيما يخص المدى القريب هو كل ما يعد مشكلة ملحة لابد من علاجها فورا، وعلى المدى المتوسط نحتاج ضبط المنظومة التشريعية، وهو أمر يحتاج لوقت.. لكن هناك مسائل عاجلة وتحتاج لتدخل وتعديل فورى، وبعض المسائل الأخرى يمكن إرجاؤها لأنها تحتاج لدراسة ومقارنات مع تشريعات أخرى، إنما فى جميع الأحوال يجب أن يكون التحرك سريعا.

وماذا عن البند الخاص بإتاحة الحقوق للملك العام بعد وفاة المبدع بـ 50 سنة.. وهناك دول تمتد الحقوق بها إلى 70 سنة وأمريكا 120 وفى بعض الدول العربية 70 سنة.. ما التجربة الأفضل لحماية تلك الحقوق؟

معظم التشريعات اليوم تميل إلى إطالة مدة الحماية للحقوق المالية للمؤلف ولأصحاب الحقوق المجاورة، خاصة أننا على مقربة من الزمن أى بعد بضعة سنوات سيكون الكثير من تراثنا الخاص بالفنانين والكتاب والمبدعين مهددا بسقوطه فى الملك العام، وبالتالى ضياع الحقوق المالية لأصحاب الحقوق، وأتصور أن هذه النقطة عاجلة وعلينا التدخل طبقا للإستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية لزيادة مدة الحماية لأطول مدة ممكنة.

أما عن طول سنوات الحماية فهى مسألة تقديرية للدول.. ففى مصر طبقا للقانون الحالى للملكية الفكرية 50 سنة، ولو زادت إلى 70 أو 80 أو أكثر هى فى نهاية المطاف ستنتهى هذه المدة، إنما بقدر الإمكان علينا أن نطيل أكبر فترة ممكنة ليستفيد أصحاب الحق والورثة من العائد المالى للمؤلف وتستفيد الدولة من تراثها.

بعض الناشرين والمبدعين يرون أن إتاحة هذه الملكية سيؤدى إلى الريادة الثقافية المصرية.. فعلى سبيل المثال نشر كتب طه حسين فى الدول العربية سيؤدى إلى نشر أفكار طه حسين وتأثر المواطنين بتلك الأفكار.. وبالتالى يعود أثره على فكرة الريادة المصرية باعتبار طه حسين جزءا من القوة الناعمة المصرية؟

هذه الفكرة التى تتحدث عنها قائمة على أساس الموازنة بين حق خاص للمؤلف والورثة وحق الجمهور والمجتمع بوجه عام ليصل إليه الابتكار والإبداع الأدبى والفني.. ومسألة هذا التوازن لها اعتبارات عديدة، وفى معرض الكتاب كان هناك مؤتمر خاص بالملكية الفكرية وتحدثنا عن أهمية حماية حقوق الملكية الفكرية.. وفى الحقيقة ليس هناك خلاف أن الإتاحة المجانية تعطى فرصة أكبر لانتشار المؤُلف، إنما فى ذات الوقت يجب أن تكون الإتاحة المجانية بعد فترة كافية معقولة حفاظا على الحقوق.. ومسألة الخلاف حول المدة المعقولة أن تمتد لـ 70 سنة مثلا، أو أكثر فهى فى نهاية المطاف مدة مؤقتة، وليست مؤبدة.. إذا كنت تفضل التوسع بالإتاحة، والإتاحة تزود الطلب فهى وجهه نظر اقتصادية أيضا، أما إذا كنت تفضل أن تطيل مدة الحماية وتقف فى جانب المؤلف وأصحاب الحق الاستئثارى فهذه وجهة نظر أخرى، هى مسألة توازن، وكل دولة لها فلسفتها فى هذا التوازن.

هل يمكننا اعتبار الملكية الفكرية أداة للاستثمار؟

نعم.. اليوم الدولة تنظر وتؤمن بأن الملكية الفكرية ليست وسيلة حماية فقط وإنما هى أداة استثمار، وهذا واضح فى الأهداف الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية.. صحيح أن أحد هذه الأهداف هو تفعيل المردود الاقتصادى للملكية الفكرية، لكن إذا نظرنا فى سائر أهداف الاستراتيجية نجد أن كل الأهداف تصب فى المسار الاقتصادى. ومن جهة أخرى فإن القانون الصادر بإنشاء الجهاز المصرى للملكية الفكرية يوضح أن من بين الاختصاصات العديدة التى أوكلها القانون للجهاز هى رعاية وتشجيع الباحثين والمخترعين فى الشركات الناشئة والمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر والمتوسطة، وتسجيل حقوق الملكية الفكرية وإيداعها وقيدها ضمانا لهذه الحقوق.. وبالتالى نجد الجانب الاقتصادى فى الاستراتيجية بارزا بوضوح.. أما فيما يتعلق بوضع أطر تعزز دور الملكية الفكرية فى دعم الصناعات الثقافية والإبداعية، يستلزم وضع حد للقرصنة على الصناعات الثقافية والإبداعية المصرية سواء فى الداخل أو الخارج، وأيضا استحداث منظومة تشريعية تتعلق بالإدارة الجماعية.

وبالتالى لدينا الكثير من التحديات.. منها عدم وجود كيانات إدارة جماعية إلا فيما يتعلق بجمعية المؤلفين والملحنين والناشرين، إنما فيما يتعلق بسائر المؤلفين أو أصحاب الحقوق وأصحاب الحقوق المجاورة لا يزال لدينا فراغ كبير فى جانب الإدارة الجماعية.

ونحن من جانبنا كلجنة ملكية فكرية بالمجلس الأعلى للثقافة كان هذا الأمر من أولويتنا، وتم وضعه فى الخطة الاستراتيجية للجنة فى ضوء الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية، بحيث نضع تصورا لتنظيم تشريعى للإدارة الجماعية يدرج ضمن نصوص الكتاب الثالث من قانون الملكية الفكرية، وهو الباب الخاص بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة.. وقد سبق للجنة فى الدورة السابقة أن أعدت مسودة بأهم التعديلات على نصوص الكتاب الثالث فى القانون.

والآن أعددنا مسودة قانون جديد للملكية الفكرية فى اللجنة، لكننا لا نتعامل مع أى جهة خارج إطار المجلس الأعلى للثقافة، وبالتالى رفعنا تقريرا لرئيس المجلس الأعلى للثقافة بكافة التوصيات وقمنا بتخصيص جلسات مطولة لمناقشة النصوص وتعديلها وأعددنا مسودة تتلاءم مع الظروف الراهنة، لأن مراجعة النصوص التشريعية هو جزء أساسى من عمل اللجنة، وهذه المسودة جاهزة لصاحب الصلاحية والقرار.

كل هذه الأمور تؤكد أن الملكية الفكرية تسير فى علاقة طردية مع الاستثمار، بمعنى أنه كلما زادت حماية المبتكرات والإبداعات كان هذا حافزا على مزيد من الابتكار، والابتكار يخلق فرص عمل، وفرص العمل تعنى تنمية اقتصادية للدولة.. وحجر الأساس فى هذا كله أن نوفر بيئة تشريعية وإدارية مناسبة لحماية الملكية الفكرية.

تحدثت عن الإدارة الجماعية وتطالب باستحداث هذه الإدارات.. أليس كافيا وجود اتحاد الناشرين واتحاد الكتاب للحفاظ على حقوق المبدعين؟

مفهوم الإدارة الجماعية أن أعضاء الكيان الذى يتولى الإدارة يقومون بتفويضه فى تحصيل الحقوق الخاصة بأصحاب الحقوق.. أما عن اتحاد الناشرين فهو محمل بأعباء حماية مصالح الناشرين ولكنه غير مخول له تحصيل حقوقهم، بمعنى أن جمعية المؤلفين والملحنين والناشرين معها تفويض من العضو أنها وتحصل الحقوق المستحقة له وللورثة، لكن الوضع مختلف بالنسبة لاتحاد الناشرين لأنه ليس منظومة إدارة جماعية بالمعنى القانوني.

هل معنى هذا أننا نحتاج بالتوازى مع تعديل قانون الملكية الفكرية أن نقوم بتعديل قوانين هذه الاتحادات؟

بالفعل نحتاج حزمة من التشريعات المتكاملة، لأن حماية الملكية الفكرية ليست مقتصرة على قانون حماية الملكية الفكرية فقط، صحيح هو قانون واحد ويأتى على رأس هذه التشريعات وهو أبرزها وأهمها، لكن يتقاطع معه الكثير من القوانين والتشريعات التى يجب أن توضع موضع اعتبار.. على سبيل المثال قانون حماية البيانات، وقانون حماية الآثار، والسياحة.. سنجد أى قانون يتصل من قريب أو بعيد بحماية الابتكار لابد من تعديله بحيث يصبح لدينا منظومة منسجمة وليست جزرا منعزلة.

ومثال على ذلك أن قانون حماية الآثار تضمن نصا على أن الدولة تباشر حماية الملكية الفكرية على الآثار المصرية، فى حين أن قانون الملكية الفكرية ذاته لم يتضمن مثل هذا النص، رغم أنه القانون الأولى أو القانون الأم إن جاز التعبير، وبالتالى نجد أن حماية الملكية الفكرية للآثار المصرية لم يأتِ فى قانون الملكية الفكرية إنما جاء فى قانون حماية الآثار.. ومن هنا لابد أن تكون منظومة تشريعية متكاملة وليس قانونا بمفرده، وليس بعيدا عن هذه المنظومة توفير حوافز للاستثمار والتدابير الجمركية والضريبية، نحن نحتاج تشجيع الشركات العاملة فى مجال الملكية الفكرية والبرمجيات والمحتوى الرقمي، ولتشجيع هذه الشركات وتكون أداة من أدوات الاستثمار للدولة يجب أن تُعامل معاملة تفضيلية بالنسبة للمسائل الجمركية أو الضريبية أو فيما يتعلق بحوافز الاستثمار.

وما تأثير القرصنة على اقتصاديات النشر؟

لا يوجد أخطر من القرصنة لأنها ببساطة تحبط أى صاحب فكر أو مبتكر عن الاستمرار فى مسيرته الإبداعية، فقانون إنشاء الجهاز المصرى للملكية الفكرية والاستراتيجة الوطنية أكد فى أكثر من موضع على ضرورة التصدى لهذه الظاهرة، وفى الحقيقة الجميع يكاد يكون متفقا على أن التحدى الأكبر الذى يقابل الملكية الفكرية هو القرصنة الإلكترونية، ومن وسائل مواجهتها والتى أتمنى أن يكون هناك تحرك سريع فى اتجاهها هو الاعتماد على تقنية «البلوك تشين»، فى حفظ وتسجيل وإدارة واستغلال الملكية الفكرية، وكان لى منذ ثلاث سنوات بحث من أوائل البحوث التى كتبت فى مسألة «البلوك تشين» للحفاظ على حقوق الملكية الفكرية، وهنا نحن نتحدث عن منصة لا تخضع لسيطرة أحد إذا كانت منصة «البلوك تشين» عامة، أو خاصة تديرها جهة ما، أو عبر تحالف بين عدد من الاتحادات المعنية بالمسألة مثل اتحاد الناشرين أو الموسيقيين أو المؤلفين.. ويكون التعامل فى منصة «البلوك تشين» وفق منظومة العقود الذكية، وتكون كل المعاملات عليها مشفرة، والمؤلف هو من يملك منح الترخيص، أو جهة الإدارة أو كيان الإدارة الجماعية المخول بمنح التراخيص، وتكون عمليات الترخيص والاستغلال كلها تتسم بطابع الشفافية... فيما عدا هذه التقنية مهما وضعت اليوم من تقنيات للحفاظ على الملكية الفكرية لن تستطيع، لأن كل تقنية يمكن كسرها بتقنية أخرى.

وهذه التقنية التى أتحدث عنها طبقت بتوسع فى عدد من الدول الأوروبية، وأيضا فى كندا، حيث شكلت مجموعة من جمعيات الإدارة الجماعية تحالفا فى أوروبا وأنشئت هذه المنصة ويتم إدارة حقوق المؤلف من خلالها.

إذا كنا نتحدث عن كل هذه المميزات لحماية الحقوق الفكرية للمبدع أو المبتكر.. فما هو تأثيرها على المجتمع بشكل عام؟

من الناحية الاجتماعية وبعيدا عن المنظور السياسى والاقتصادى، حماية الملكية الفكرية تكرس لفكرة السلم الاجتماعي، وتكرس التوازى فى العلاقات، وتكرس فكرة احترام الحقوق، والأمانة فى التعامل.. فلا شك أن هذه القيم الاجتماعية إذا توفرت من شأنها أن تنقل المجتمع إلى التقدم والازدهار، ففكرة التعدى فى حد ذاتها إذا أصبحت مستهجنة سيكون لها انعكاس خطير على ثقافة المجتمع ككل.

elsayda

بوابة الصعايدة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 29 مشاهدة

رئيس التحرير: أشرف التعلبي

elsayda
نحارب الفقر- المرض- الامية -الثأر... هدفنا تنوير محافظات الصعيد- وان نكون صوت للمهمشين »

تسجيل الدخول

بالعقل

ليس كافيا أن تمتلك عقلا جيدا، فالمهم أن تستخدمه جيدا