<!--[endif]-->
أقصدُ بنقطة الصفر هي اللحظة التي يبدأ قيها نزول التوفيق في طريق المُربي |
هي اللحظة الفارقة بين مجهودات المُربي الخالية من التسديد والفتح من الله وبين بداية الفتح أي بداية حدوث الأثر والاستجابة والقبول ممن يربيه
إن المربي قد يظل يبذل مجهودا ولايجد أثرا بل لايجد نفسه قد التقط خيطا من الطرف الآخر(المتلقي)بحيث يمكنه أن يتجاذب معه التفاعل والتأثير فيصل إلى شيء مما يريده معه بل أحيانا يرى الطريق مسدودًا وأنه يحرث في أرض غير ممهدة للزرع، ويتكلم فلا يسمع صدى لكلامه، ولايرى أي درجة من التأثير في ابنه أو تلميذه! أو يشعر أن خط الاتصال منقطع أصلا فلايوجد استقبال للرسالة التربوية التي يرسلها.
لا أريد أن أتكلم الآن عن أسباب ذلك فأسبابه كثيرة لكني أريد أن أركز على نقطة واحدة فقط هي التي جربتها
إن المربي عندما يمارس التربية بروح معينة وهي أنه مُربٍ ذو خبرة وباعٍ في التربية وبالتالي فنتائج ممارسته مضمونة، أو يجب أن تكون كذلك؛ خصوصا إذا كان أبًا ومعلما في نفس الوقت أو ممارسا للتربية بأي نوع من الممارسة.
هذه الروح أو حال القلب أوالاعتقاد تصيرهي الحاجز بينه وبين التوفيق لأن نتيجته أن يكله الله تعالى الى نفسه أي يتركه لخبرته وتجاربه وطبعه وعلمه وهنا يستنفذ كل ذلك بلا جدوى ولافائدة تُذكَر فالتربية شأن ـ كل مجال ـ بحر واسع، والجديد فيه على المربي أكثر بكثير مما عرفه وجرَّبه، وكل التجارب السابقة قد لاتفيد في حالة ما لأن بين كل انسان وآخر فروق فردية كبيرة فكل إنسان حالة فريدة فما جربناه مع ابن لنا قد يفيد مع أخيه وقد لايفيد بل قد يعطي نتائج عكسية .
والتربية نوع من الهداية والهداية هذا أمر رباني فالقلوب بيد الله تعالى والله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم(إنك لاتهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) مع أن الله تعالى هو الذي قال لنبيه عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) فالهداية الثانية التي أثبتها الله لرسوله صلى الله عليه وسلم فهي هداية التبيين والدلالة على الحق والارشاد إليه
أما الأولى التي لايقدر عليها فهي هداية شرح الصدر إلى قبول الحق قال تعالى ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام)
فإذا كان هذا هو الرسول صلى الله عليه وسلم وهو لايملك أن يهدي أي أن يشرح صدر أحد ويوصل له الهداية حتى لو كان يحبه فمابالك بغيرالنبي المرسل؟
فاللحظة التي يوقن فيها المربي أن كل مامعه من علم وفهم وتجربة وخبرة لن ينفع شيئا في تربية ابنه إلا أن يشاء الله تعالى فيعينه ويفتح عليه ويهديه الى الطريقة الأنجح ويرزقه الصبر على التربية أي يوفقه في نوع الهداية التي يتستطيعها ومن ناحية أخرى يهدي المتلقي ويشرح صدره ويحبب إليه الهداية وييسرها له هذه اللحظة هي لحظة نزول التوفيق والسداد وهي لحظة التحول من العمل بلا صدى وأثر إلى ظهور بشائر الاستجابة والامساك بالخيط وبداية قبول الأرض للزرع
هذه الحقيقة ليست جديدة ولاخافية على أحد منا وكلنا يرددها لكن المهم ليست الفكرة النظرية وإنما تحقُّقها في قلب المربي وكثير منا لايصل فيها إلى تحقيق اليقين المطلوب الا اذا تكسرت كل خبراته التربوية وفشلت كل تجاربه ولم تسعفه كل معلوماته ونفد صبره وغلبته حيرته فتكسرت أنفه على صخرة عناد مُربيه حبيبه وإعراضه ومُضيِّه في طريق الهلاك فنسي المربي أنه فلان العالم أو المربي الفاضل فألقى المُربِّي بنفسه راكعا وساجدا وباكيا لربه ليقر بفشله وعجزه وجهله فيفوض الأمر الى علام الغيوب ومقلب القلوب عن قناعة تامة واعتراف حقيقي جازم مؤكد بلا تردد ولاشك عندئذ هذه هي لحظة الصفر التي يفتح الله تعالى فيها الأبواب المغلقة والطرق المسدودة فتبدأ بشائر الهداية تتحرك .
إننا نسمع من كثير من أساتذة الطب الكبار المجربين أن الشفاء بيد الله وماعلينا الا وصف العلاج وأغلب هؤلاء يقولونه ليس كما يردده الناس ولكن عن تجربة بل تجارب تكسب قلب الطبيب روحا ما وعبادة ما تصحب قلبه وهو يعالج مريضه فتفتح له الباب أمام نزول الشفاء من عند الله الشافي كذلك في التربية بل في كل أمر
أسال الله تعالى أن لايكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أبداًوأن يوفقنا ويسددنا
ساحة النقاش