المصريون .. والسياسة فاروق جويدة 1110 طباعة المقال يخطئ الإعلام المصرى ورجال الأعمال والفلول إذا توهموا انهم جاءوا بالسيسى رئيسا .. ويخطئ الإخوان المسلمون إذا تصوروا انهم كانوا شركاء فى المشهد السياسى فى الإنتخابات الرئاسية ويخطئ السلفيون إذا اوهموا الشعب انهم خرجوا من بيوتهم فى الإنتخابات الأخيرة ..

إن الشئ المؤكد أن 30 يونيه هو الذى حمل السيسى الى قصر الرئاسة على أعناق الملايين التى أعطته ثقتها منذ عام تقريبا فلبت نداءه ثم اعطته اصواتها حين جاء رد الجميل ولهذا فإن الرجل غير مدين لأحد حتى يطالبه البعض بالمقابل .. لا الإعلام ولا رجال الأعمال ولا الفلول ولا الأحزاب السياسية ولا بقايا النخبة الغائبة ان هؤلاء جميعا لم يشاركوا فى المشهد ولكن البطل الحقيقى كانت أصوات الجماهير التى خرجت الى صناديق الانتخاب وفى مقدمتها المرأة المصرية العظيمة التى احتشدت لتفرض احترامها وصوتها على الجميع .. ولهذا فإن السيسى غير مدين لأحد بما فى ذلك حملته الإنتخابية .

أقول ذلك وانا اعتقد انه مازال امام المصريين والعمل السياسى مشوار طويل لأن الممارسة السياسية لا يمكن اكتسابها بمظاهرة احتجاج او حشود غاضبة فى الشوارع .. ان النشاط السياسى تاريخ طويل من الفكر والثقافة السياسية والوعى الإنسانى العميق ولهذا لا ينبغى ان نتجاوز فى تفسير ما حدث فى الإنتخابات الأخيرة رفضا او قبولا امام شعب ظل عشرات السنين لا يعرف شيئا غير الإستفتاءات اسلوبا للتعبير عن الرأى وحرمته الأنظمة المستبدة من حقه المشروع فى تشكيل الأحزاب السياسية وتكوين معارضة حقيقية ومبدأ المشاركة على اسس من الفهم والوعى والمسئولية والحوار .

 

< إذا كانت نسبة المشاركة فى الإنتخابات الرئاسية الأخيرة قد أزعجت البعض وطرحت امام المصريين تساؤلات كثيرة إلا انها على الجانب الآخر حملت ايجابيات لا يمكن تجاهلها وهى فى كل الحالات تمثل درسا من دروس الممارسة السياسية حين تختلط فيها الأدوار والمسئوليات وهنا ينبغى ان نستفيد من التجربة ما لها وما عليها فمازلنا فى اول الطريق .

 

< عندى بعض الملاحظات الإيجابية فيما حدث فى هذه الإنتخابات وما اسفرت عنه تجربة المصريين فى اول عهدهم بالديمقراطية .. لا يستطيع احد ان يتجاهل حالة الأمن والإنضباط فى الشارع المصرى امام هذا الوجود غير المسبوق لقوات الجيش والشرطة وقد شهدت المدن المصرية حالة من الحالات التى شعر فيها المواطن المصرى بقوة جيشه وقدراته فى حفظ الأمن عند الحاجة .. كما ان آداء الشرطة كان حكيما ومتوازنا ومنضبطا على كل المستويات وقد شعر المواطن المصرى بآمان حقيقى امام تهديدات كثيرة وفتاوى دينية مغرضة.

 

< استطاعت قوات الأمن ان تؤكد وجودها وتعيد للمواطن المصرى قدرا كبيرا من الثقة والإحساس بالأمان خاصة ان ايادى الإرهاب مازالت حتى الأن تمارس ادوارها الوحشية ..

 

<الملاحظة الثانية كانت هذا المشهد الرائع والحشود الضخمة التى جسدت روعة المرأة المصرية ولا شك انها اكتسبت مساحات جديدة من التقدير والعرفان واكدت دورها السياسى بجانب ادوارها الأصلية فى مجالات اخرى كان خروج المرأة المصرية بهذه الصورة وهذه الحشود الضخمة شهادة ميلاد جديدة للمشاركة السياسية الجادة.

 

وكان من اجمل الظواهر فى هذه الإنتخابات ان مصر لم تشهد احداث عنف او جرائم وهذا يؤكد ان الأمن المصرى قادر على ان يعيد الإستقرار لهذا الوطن وان اصالة المصريين تظهر فى الشدائد واوقات الأزمات.

 

< تبقى ايجابية اخيرة وان تأخرت بعض الوقت وهو قرار الحكومة بمنح العاملين فى الدولة اجازة رسمية مدفوعة الأجر فى اليوم الثانى من ايام الإنتخابات وفى تقديرى انه كان من الأفضل ان تكون الأجازة فى يومى الإنتخابات وليس يوما واحدا فرضته الضرورة وفى ظل الإرتفاع الرهيب فى درجة حرارة الجو فإن المصريين خرجوا وشاركوا فى هذا الحدث التاريخى إلا ان الأهم من ذلك هو الشفافية التى تمت بها الإنتخابات بشهادة الجميع وان كنت قد تعجبت لإضافة يوم ثالث للإنتخابات بلا ضرورة.

 

< على الجانب الآخر سوف أتوقف قليلا عند بعض السلبيات التى تركت اثارها على المشهد العام للإنتخابات الرئاسية وهى دروس يجب ان نستوعبها ونستفيد منها ..

 

< اول هذه السلبيات هو الآداء السيئ لأجهزة الإعلام المصرية التى لم تفرق بين عصرين عصر قام على اساليب الطبل والزمر والرقص على الحبال فى ايام الحزب الوطنى وحوارييه وانتخاباته المزورة وايامه السوداء وعصر جديد يأتى بعد ثورتين ورئيسين فى السجن وتجربة ديمقراطية وليدة تحاول ان تثبت اقدامها وسط مناخ سياسى اتسم بالغوغائية والإرتجال وغياب الخبرة.

 

ان الأزمة الحقيقية فى آداء الإعلام المصرى ان الذين اقاموا عرس الإستبداد وهللوا له ورقصوا على حباله واغتنوا بأمواله هم انفسهم الذين تصدروا مشهد الديمقراطية الوليدة فلم يصدقهم الشعب ولم يسمع لهم .. يضاف لذلك ان اساليب الطبل والزمر القديمة لم تعد تغرى احدا فإذا كانت الفرقة كلها فى السجون فماذا تسمع الجماهير بعد ذلك .. لقد بالغ الإعلام المصرى فى كل شئ بصورة كريهة فى الحشد والتأييد والمديح والمتاجرة فأساء لنفسه واساء اكثر لمن حاول تأكيد الولاء لهم .. لقد اضر الإعلام المصرى كثيرا بالمشير السيسى ولم يكن الرجل فى حاجة لكل هذا التأييد الإعلامى الكاذب هناك وجوه من الإعلاميين على الشاشات تستطيع ان تفسد بكلامها وظهورها وصراخها مياه النيل كله فما بالك بعقول المواطنين المصريين الغلابة الذين كرهوا هذه المتاجرة الرخيصة بحياتهم ومستقبلهم .. ما حدث فى الإنتخابات الرئاسية الأخيرة يتحمل الإعلام الجزء الأكبر من جوانبه السيئة .

 

< كان ينبغى ان تكون ثورة 30 يونيه نقطة التقاء وتواصل وحوار بين جميع القوى السياسية فى مصر وان توحد الكلمة وتجمع الشمل .. لقد عانى الشارع المصرى من حالة انقسام مدمرة فى عهد «الإخوان المسلمون» وكان ينبغى ان نعيد للمصريين تواصلهم وتوحيد كلمتهم ولكن للأسف الشديد حدثت انقسامات جديدة ما بين ثوار يناير وثوار يونيه ودخلت عناصر كثيرة مغرضة حاولت توسيع فجوة الخلافات بين شباب الثورتين وشارك الإعلام فى هذه المأساة حين انقسم على نفسه وقسم المصريين الى اكثر من فريق .. لقد كانت هذه الإنقسامات اكبر خسائر الثوار خاصة الشباب الذين وجدوا انفسهم امام خيارين اما انهم مرفوضون لأنهم ثوار يناير او مشكوك فى ولائهم لأنهم من بقايا الفلول .. ولا شك ان هذه الإنقسامات تركت اثارا سلبية على الواقع السياسى فى مصر خاصة ان مجموعة كبيرة من شباب الثوار وجدوا انفسهم خلف قضبان السجون وكانوا من ايام قليلة رموزا للثورة وحملتهم الجماهير على الأعناق ..

 

كان ينبغى على الدولة المصرية الا تفرق بين شبابها وكان من الممكن أن تتجاوز عن اخطاء صغيرة وقع فيها الشباب ولكن اصوات عدد من اصحاب المصالح اشعلوا نيران الفتنة بين الدولة وشبابها

 

إن الإغراءات الإعلامية كانت كالضوء الذى احرق حشود الشباب الثائر وهى تطوف كالفراشات بحثا عن الحلم والمستقبل ولكن الإعلام المصرى كان اشد ضررا من كل الظروف التى احاطت بالأجيال الجديدة من الثوار الذين وجدوا أنفسهم فجأة امام محاكمات وتسجيلات واتهامات وقضايا تحولت احيانا الى رفض شعبى وتشكيك فى طهارة ونقاء الأجيال الجديدة

 

< أخطأت الأحزاب السياسية حين فرطت فى فرصة تاريخية اتاحتها لها الأحداث والتغيرات السياسية فى مصر .. كان ينبغى ان تنطلق هذه الأحزاب بعد ثورة يناير ورحيل الحزب الوطنى وكان ينبغى ان تنطلق مرة اخرى بعد اختفاء «الإخوان المسلمون» من المشهد السياسى بعد ثورة 30 يونيه وكان ينبغى ان تعيد هذه الأحزاب توحيد صفوفها واختيار رموزها وحشد قدرات الشباب الواعد حولها ولكن للأسف الشديد ساءت احوال هذه الأحزاب واختفت تماما من المشهد السياسى .. والأغرب من ذلك ان الشباب المصرى الذى اشعل ثورة يناير وكان ينبغى ان يحتل مكانته فى الشارع المصرى لم يتقدم خطوة واحدة طوال ثلاث سنوات لتأكيد وجوده.. لقد اكتفت حشود الشباب بتواجدها الإعلامى ولم تحاول صياغة واقع سياسى جديد وسط الناس ولهذا كان من السهل ان يتم تهميش هذا الوجود الإعلامى لأنه لا يقوم على اساس حقيقى من الوجود الشعبى والجماهيرى ..

 

< لا يستطيع احد ان يتجاهل الآثار السلبية لعودة ظهور رموز النظام السابق بكثافة شديدة امام الشارع المصرى فى كل وسائل الإعلام وكأن شيئا لم يحدث بل ان الكثيرين منهم بدأوا الحديث عن الشرف والأخلاق والقيم .. هذه العودة غير المباركة لرموز النظام السابق جعلت المواطن المصرى يتساءل ماذا بعد ثورتين وخلع رئيسين وماهو الجديد بعد ذلك.. كان ينبغى ان تتوارى بعض رموز النظام السابق خجلا ولكن الغريب انهم اندفعوا نحو مقدمة المشهد حاملين معهم ابواقهم القديمة وحشود الإعلاميين من اصحاب السوابق وقد ظهر ذلك بوضوح فى الأيام الأخيرة من المعركة الإنتخابية وترك اثارا سلبية لدى المواطن المصرى الذى خرج وتظاهر واسقط رئيسين واطاح بعهدين

 

< حاولت أن أفتش عن بقايا النخبة المصرية فى المشهد الإنتخابى الأخير ولم اجد احدا وتأكد لى اصرار النخبة على الغياب .. لقد غابت طوال السنوات الماضية وفضلت البقاء بعيدا عن الشارع المصرى واكتفت بمعارك الفضائيات ولهذا لم نجد احدا يقف وسط الجماهير وتحاول ان تبحث عن النقابات المهنية واين ذهب الملايين من اعضائها ولا تجد احدا ومازال غياب السلفيين يطرح هذا السؤال اين ذهبوا؟

 

< ان الأزمة الحقيقية التى جسدتها الإنتخابات الرئاسية الأخيرة هى حالة الإنقسام بين ابناء الوطن الواحد .. الشباب بأحلامهم واحباطاتهم فى جانب .. والإعلام بمصالحه ومعاركه وحساباته فى جانب آخر ورجال الأعمال والمستفيدين من كل العصور فى جانب ثالث والأحزاب السياسية لم تعرف لها طريقا بعد ثورتين وعزل رئيسين .. وكان الصراع يشتد بين من خرجوا يوم 25 يناير ومن خرجوا يوم 30 يونيه .. وهناك نخبة حائرة تبحث عن آخر عربة قطار يمكن ان تلحق بها وسط هذا الزحام ..

 

< مازال امامنا مشوار طويل من الوعى والثقافة السياسية والحزبية حتى نجد انفسنا امام مواطن يدرك مسئولياته ويعرف دوره ويكون قادرا على المشاركة السياسية فى اكمل صورها .. وهذا يحتاج الكثير من الوقت.

 

بقيت عندى كلمة اخيرة .. انزلوا للناس واذهبوا اليهم فى القرى والمدن والنجوع هناك شعب يعانى ومصر ليست فقط سهرات الفضائيات ومهرجانات القاهرة وصراعات النخبة واوهام اصحاب المصالح .. مصر الملايين الذين خرجوا يوم 25 يناير و 30 يونيه يحلمون بمستقبل اكثر امنا واستقرارا وعلينا ان نسمعهم ونحقق شيئا من احلامهم .

 

اعيدوا مصر لشعبها الحقيقى واياكم وكذابى الزفة.

..ويبقى الشعر

لن أقبلَ صمتَكَ بعد اليومْ

لن أقبل صمتي

 

عمري قد ضاع على قدميكْ

 

أتأمّل فيكَ. وأسمع منك.

 

ولا تنطقْ.

 

أطلالي تصرخُ بين يديكْ

 

حَرّكْ شفتيكْ.

 

اِنطِقْ كي أنطقْ.

 

اصرخْ كي أصرخْ.

 

ما زال لساني مصلوباً بين الكلماتْ

 

عارٌ أن تحيا مسجوناً فوق الطرقاتْ

 

عارٌ أن تبقى تمثالاً

 

وصخوراً تحكي ما قد فاتْ

 

عبدوكَ زماناً واتّحدتْ فيكَ الصلواتْ

 

وغدوتَ مزاراً للدنيا

 

خبّرني ماذا قد يحكي، صمتُ الأمواتْ!

 

ماذا في رأسكَ. خبّرني!

 

أزمانٌ عبرتْ.

 

وملوكٌ سجدتْ.

 

وعروشٌ سقطتْ

 

وأنا مسجونٌ في صمتكْ

 

أطلالُ العمرِ على وجهي

 

نفسُ الأطلالِ على وجهكْ

 

الكونُ تشكّلَ من زمنٍ

 

في الدنيا موتى. أو أحياءْ

 

لكنكَ شيءٌ أجهلهُ

 

لا حيٌّ أنتَ. ولا مَيّتْ

 

وكلانا في الصمتِ سواءْ.

 

أَعْلنْ عصيانَكَ. لم أعرف لغةَ العصيانْ.

 

فأنا إنسان يهزمني قهرُ الإنسانْ.

 

وأراكَ الحاضرَ والماضي

 

وأراكَ الكُفرَ مع الإيمانْ

 

أَهربُ فأراكَ على وجهي

 

وأراكَ القيدَ يمزّقني.

 

وأراكَ القاضيَ. والسجّانْ!.

 

اِنطقْ كي أنطقْ

 

أصحيحٌ أنكَ في يومٍ طفتَ الآفاقْ

 

وأخذتَ تدور على الدنيا

 

وأخذتَ تغوصُ مع الأعماقْ

 

تبحث عن سرّ الأرضِ.

 

وسرِّ الخلقِ. وسرّ الحبِّ

 

وسرِّ الدمعِة والأشواقْ

 

وعرفتَ السرَّ ولم تنطقْ؟

 

ماذا في قلبكَ؟ خبّرني!.

 

ماذا أخفيتْ؟

 

هل كنتَ مليكاً وطغيتْ.

 

هل كنتَ تقيّاً وعصيتْ

 

رجموكَ جهاراً

 

صلبوكَ لتبقى تذكاراً

 

قل لي من أنتْ؟

 

دعني كي أدخلَ في رأسكْ

 

ويلي من صمتي!. من صمتكْ!

 

سأحطِّمُ رأسكَ كي تنطقْ.

 

سأهشّمُ صمتَكَ كي أنطقْ!.

 

أحجارُكَ صوتٌ يتوارى

 

يتساقطُ مني في الأعماقْ

 

والدمعةُ في قلبي نارٌ

 

تشتعل حريقاً في الأحداقْ

 

رجلُ البوليسِ يقيُّدني.

 

والناسُ تصيحْ:

 

هذا المجنونْ.

 

حطَّمَ تمثالَ أبي الهولْ

 

لم أنطق شيئاً بالمرّه

 

ماذا. سأقولْ؟.

 

ماذا سأقولْ!


 «قصيدة وكلانا فى الصمت سجين سنة 1986»


لمزيد من مقالات فاروق جويدةرابط دائم: 
   ;
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 101 مشاهدة
نشرت فى 30 مايو 2014 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,579,156