دراسة أمريكية: "هيمنة الإسلاميين" على مصر وتونس ليست حتمية.. ومحاولة المعارضة تتحدى الانتخابات بالقضاء.. واحتجاجات الشارع تمثل تهديدا خطيرا لمستقبل الديمقراطية فى البلاد
الإثنين، 4 مارس 2013 - 00:52
محمد مرسى وراشد الغنوشى
كتبت ريم عبد الحميد
أكدت دراسة بحثية أمريكية أنه على الرغم من صعود الأحزاب الإسلامية السريع فى دول الربيع العربى فى أعقاب فوزهم فى الانتخابات التى أجريت فى تلك البلاد، إلا أنه ليس حتميا أن يهيمن الإسلاميون على كل الدول التى تشهد تحولا ومن بينها مصر.
وأشارت الدراسة الصادرة عن مركز ودرو ويلسون للعلماء الدوليين، وهو أحد مراكز الأبحاث الأمريكية البارزة، إلى أن انتصارات الإسلاميين تعود بنسبة غير بسيطة على ضعف المعارضة العلمانية التى لم تكن قادرة على تطوير رسالة واضحة وبناء أحزاب سياسية قابلة للحياة والتغلب على انقسامها.
وأوضحت مؤلفة الدراسة، مارينا أوتاوى، أن تلك المشكلات ليست مستعصية على الحل، إلا أن الأحزاب العلمانية فشلت حتى الآن فى التصدى لها بقوة وبشكل منهجى، ونتائج الثورة تعتمد إلى حد كبير على ما إذا كانت ستفعل هذا أم لا.
وتحدثت الدراسة التى جاءت تحت عنوان "الصعود المقاوم للأحزاب الإسلامية" بشكل خاص عن مصر وتونس، وقالت إن مصر تمثل الموقف الأكثر تطرفا. وأشارت إلى أن التحولات السياسية التى بدأت مع ثورات عام 2011 لن تؤدى إلى نتيجة ديمقراطية ما لم يتم تأسيس توازن بين القوى الإسلامية والعلمانية، وليس من الضرورى أن يكون الإسلاميون أكثر استبداد من العلمانيين، فالأنظمة الحاكمة فى مصر منذ جمال عبد الناصر وحتى مبارك كانت علمانية، لكن أيضا ليس من الضرورى أن يكون الإسلاميون أكثر ديمقراطية مثلما أظهر الرئيس محمد مرسى وحزب الحرية والعدالة. والقضية الرئيسية هى أن الديمقراطية لا تعتمد على سلوك حزب أو فصيل واحد، ولكن على المجال السياسى المتوازن والمتعدد.
ودعت أوتاوى إلى ضرورة تأسيس توازن فى المجال الانتخابى ورأت الخبيرة الأمريكية أن المحاولة الراهنة من جانب الأحزاب العلمانية المصرية شطب نتائج الانتخابات بالتحول إلى المحاكم والشوارع تمثل تهديدا هائلا لمستقبل ديمقراطى تماما مثل الهيمنة الإسلامية التى يفترض أن هذه الإجراءات تسعى إلى تجنبها.
وتذهب الدراسة إلى القول بأنه فى مصر، التى يتسم طيفها السياسى بأنه الأكثر فى عدم التوازن بين البلدان التى تناولتها الدراسة "تونس والمغرب"، يمكن أن يصبح العلاج الذى تستخدمه المعارضة العلمانية لمواجهة تهديد الهيمنة الإسلامية خطيرا مثل السم الذى تزعم أنها تحاول تجنبه. فالأحزاب العلمانية التى تعانى من عدم الثقة بسبب عد قدرتها على التنافس مع الإسلاميين فى الانتخابات المقررة فى إبريل، تسعى إلى منع حدوث هذه الانتخابات، حيث تتحدى جبهة الإنقاذ الوطنى شرعية الدستور وشرعية الجمعية التأسيسية التى قامت بوضعه والاستفتاء الذى تمت الموافقة عليه فيه، كما تحدت الجبهة شرعية مرسى، بل إن بعض القادة العلمانيين أعلنوا أنه لا بد وأن يستقيل وطالبوا بحل الحكومة وتشكيل حكومة وحدة وطنية على أساس معايير غير محددة، ودعوا إلى احتجاجات فى الشارع لدعم مطالبهم.
وتقول أوتاوى، إن الشارع يقوده جزئيا جماعات الشباب المثالى الذى خرج من قبل فى يناير 2011 يطالب بالعدالة والذى يبحث عن إعادة إطلاق الثورة التى يعتقدون أنها تعرضت للخيانة. . وأصبح الشارع جزئيا أداة تستخدم من جانب التنظيمات العلمانية فى جبهة الإنقاذ من أجل الحد من سيطرة الإسلاميين وتجنب الاضطرار إلى مواجهتها فى الانتخابات الجديدة التى تحمل مخاطر بأن تظهر استمرار ضعفهم وعدم تنظيمهم.. وتدهور الشارع مع الأسف إلى حد البلطجة والترهيب مما أدى إلى حوادث قبيحة مثل حرق مكاتب الإخوان المسلمين ومراكز الشرطة واستخدام عنف الشرطة للسيطرة على الحشود.
ورصدت الدراسة تجارب أوروبا المشابهة فى أوائل القرن العشرين وأشارت على ضرورة دراسة تجربة الدول التى أدى فيها قتال الاستبداد بالوسائل الأخرى خارج البرلمان إلى شكل آخر من الاستبداد، وأشارت الدراسة إلى أن بعض مخاطر محاربة الأحزاب الإسلامية فى الشارع بدلا من صناديق الاقتراع بدأ تظهر بالفعل بشكل واضح فى مصر مع ظهور متظاهرين ملثمين يرتدون ملابس سوداء، واحتراق مكاتب الحرية والعدالة ومراكز الشرطة والخلط بين المظاهرات السياسية وعنف الألتراس، والمطالب المستمرة بتنحى الرئيس المنتخب والتنازل عن السلطة لحكومة إنقاذ وطنى غير منتخبة، وأيا من هذا لا يبشر بالخير للديمقراطية لاسيما عدم رغبة قيادات المعارضة فى رسم خط فاصل بين المظاهرات السلمية المشروعة والبلجة غير المقبولة.
وتمضى الدراسة الأمريكية، قائلة إن المعارضة فى مصر، وتونس بشكل أقل، طورت اتجاها لتمجيد كل الأفعال المباشرة فى الشوارع كوسيلة لتحقيق أهداف الثورة الديمقراطية التى خانتها الأحزاب الإسلامية، ومثل هذا التمجيد للعمل المباشر يثير عدد كبير من الأسئلة شديدة الصعوبة، الكثير منها لن يجاب عليه إلا بشكل سياسى: هل استبداد الأحزاب الإسلامية أكثر خطورة من استبداد نظيرتها العلمانية، وأسئلة أخرى أخلاقية وفلسفية مثل: متى يكون العمل المباشر فى الشارع مبررا ومتى يكون غير مبرر؟ وهل هناك فارق بين المظاهرات التى أسقطت نظام مبارك وبن على وتلك التى تسعى على إسقاط الرئيس مرسى، ومتى تبرر الغاية الوسيلة.
وترى أوتاوى، أن هذه الأسئلة على أقل تقدير تشير إلى الحاجة إلى القول "ليس بهذه السرعة" لهؤلاء الذى يمجدون العمل المباشر باعتباره الطريق المؤدى على الديمقراطية.
وأكدت الدراسة على أن الأحزاب العلمانية بإمكانها أن تفعل الكثير لوقف صعود الأحزاب الإسلامية من خلال الوسائل الديمقراطية، وقالت إنه صحيح أن الإسلاميين أثبتوا أنهم أفضل تنظيما وأكثر مهارة فى تطوير الرسالة التى تروق للناخبين، إلا أن قوة الأحزاب الإسلامية ليست غير قابلة للتغيير، وقد تعلم حزب العدالة والتنمية فى المغرب الدرس، فبعد أن حقق نتائج قوية فى انتخابات 2002، لم يحصل إلا على عدد قليل من المقاعد فى برلمان 2007 وخسر نسبة كبيرة من الأصوات قبل أن يعود ليحقق نجاحا فى انتخابات 2011.
وتوصلت الدراسة إلى نتيجة مفادها أن خيبة الأمل من الإسلاميين بسبب الإخفاقات الكثيرة لهم تمثل فرصة كبيرة للمعارضة، لكن فقط إذا استطاعت أن تتغلب على ثلاث نقاط ضعف رئيسية لديها: غياب الرسالة الواضحة والضعف التنظيمى والقيادة المنقسمة.
وختمت أوتاوى دراستها قائلة إنه مع اقتراب الانتخابات المقررة فى مصر وتونس، فإن أحزاب المعارضة ليس لديها ما تخسره بإعداد نفسها بشكل أفضل للسباق. فتلك الدولة وقضية الديمقراطية فيها ستكسب كثيرا لو نجحت المعارضة العلمانية، ويجب أن يحاولوا.
ساحة النقاش