القضاء بين الشريعة والقانون يقدمها: فتحي الصراوي تزوير العملة جريمة في الشريعة والقرآن تحدث عن العملات الورقية والمعدنية حديث القرآن الكريم عن العملات النقدية والورقية تعدد في أكثر من آية منها ما ورد في سورة يوسف "وشروه بثمن بخس دراهم معدودة" كما ان الدينار ذكر في سورة آل عمران في قوله تعالي "ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما" كما ان العملة الورقية ذكرت في سورة الكهف في قوله تعالي "فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلي المدينة فلينظر أيها أزكي طعاما". وحديث القرآن بين ان العملة تم استخدامها منذ آلاف السنين وتنوعت وتطورت واستخدمت فيها الفنون التشكيلية التي عبرت عن مراحل مختلفة من الحكم والسلطان. وعن عقائد هذه الحقب وأيديولوجياتها المختلفة وتأثيرها الكبير علي اقتصاد هذه الدول.. كما ان التراث الاسلامي يحفل بالعديد من النقود التي صكها في دمشق وبغداد والقاهرة وهي مستندات رسمية تؤكد علي الوحدة السياسية والاقتصادية للعالم العربي وقد أسهمت العقيدة الاسلامية في تطوير هذه الصناعة بفضل اهتمام الشريعة بالنقود لأنها تدخل في ميدان العبادة وتحدد المعاملات لصلاتها المباشرة بالزكاة والصداق والعقود المختلفة وكذلك الوقف وبعض العقوبات المرتبطة بالغرامات المالية المختلفة.. فقد حدد الاسلام نصاب الزكاة بالدينار والدرهم.. كما جعل الاسلام دفع الأموال واطعام المساكين كفارة لبعض الذنوب مثل الحنث في اليمين أو الظهار وغيرهما.. وهكذا جعل الاسلام للنقود وظائف أخري متعددة أكدت أهميتها وتميزت بنقوشها الاسلامية ذات الدلالات السياسية والتاريخية والعقائدية اضافة إلي انها كانت مصدرا مهما للتعرف علي أسماء الدول والأماكن التي ضربت فيها هذه النقود. والعرب قبل الاسلام كانت لهم معاملات تجارية بين الجزيرة العربية والشام واليمن وأشار القرآن الكريم إلي رحلتي الصيف والشتاء وكانت الأولي إلي الشام حيث يحصل العرب منها علي الدنانير الرومانية والأخري كانت إلي اليمن ويحصل العرب فيها علي الدراهم الحميرية اضافة إلي بعض دراهم الفضة التي كانت ترد إلي شبه الجزيرة العربية من إيران والعراق. "النقود والرسول" وأقر الرسول صلي الله عليه وسلم النقود علي ما كانت عليه ويذكر بعض المؤرخين الاسلاميين ان عليا بن أبي طالب رضي الله عنه تزوج فاطمة بنت النبي محمد صلي الله عليه وسلم بمهر بلغ 480 درهما.. كما فرض الرسول زكاة الأموال بهذه النقود السائدة.. كما أشارت مصادر تاريخية اسلامية إلي محاولات عمر بن الخطاب ضرب الدراهم الاسلامية علي غرار الدراهم الفارسية بعد أن زاد فيها عبارة الحمد لله ومحمد رسول الله وكذلك عثمان بن عفان إلي أن جاء الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان وضرب النقود الاسلامية الخالصة التي خلت تماما من النقوش والرموز الفارسية وعلي وجهها لا إله إلا الله محمد رسول الله وآية "هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله" والوجه الآخر تعريف بالزمان والدولة التي تم فيها ضرب العملة". ومن هنا كانت أهمية العملة في الاسلام وكان تزويرها جريمة كبري تصدت لها الشريعة الاسلامية كما يقول الدكتور عبدالفتاح ادريس استاذ الفقه الاسلامي بالأزهر الشريف وجعل لها عقوبة تعزيرية رادعة تشتد كلما كرر المتهم الجريمة. قال ان هذه الجريمة خطيرة لأنه يترتب عليها إخلال بقيم الأشياء حيث ان العملة هي ثمن لأشياء والحاجيات المختلفة وتزويرها معناها إقلال من قيمة هذه العملة داخليا وخارجيا مما يؤثر تأثيرا بالغا علي اقتصاد الدولة داخليا وخارجيا ويضر أكثر بالفقراء وأصحاب الدخول المحدودة. ذكر ان الاسلام يعتبر هذه الجريمة أيضا غشا وتدليسا وأعطي لولي الأمر الحق في مصادرة وإحراق الأموال المزيفة أو المزورة أو المغشوشة أو سحبها من الأسواق ويوجد باب كامل في الفقه الاسلامي خاص بهذا الموضوع ويتحدث عن مصادرة وإحراق المال غير الصالح للاستعمال وجرائم افساد العملة وأثره علي اقتصاد الدولة. كما ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أشار إلي أهمية النقود لاقتصاد الدولة فقال لو تعارف الناس علي صناعة النقود من جلود الأنعام صارت لها قيمة وهذا أيضا تحذير من تزوير أو تزييف هذه العملة المعاقب عليها شرعا في باب الجنايات في الفقه الاسلامي. كما ان الفقه الاسلامي تناول ما يسمي ب "الفلوس" وهي غير الفلوس المتعارف عليها الناس الآن ولكنها عبارة عن نوع من أنواع الغش بالدراهم والدنانير بإدخال معادن رديئة في هذه العملات تحولها من عملات لها قيمة إلي "فلس" يعني أشياء لا قيمة لها واعتبر الاسلام هذا غشا يستوجب العقوبة التعزيرية الرادعة التي تضع حدا للعبث باقتصاد الدولة ولكن العوام أطلقوا لفظ الفلوس علي جميع الأموال التي يتعامل بها الانسان بالعملات المختلفة محلية وأجنبية. أضاف الدكتور عبدالفتاح ادريس ان كتابي الأموال والخراج لأبي يوسف تجد فيهما حديثا مستفيضا عن مراحل النقود ومسألة التطور من النقود السلعية إلي المعدنية إلي الورقية حتي معاملة البنوك مما يدل علي اهتمام فقهاء الاسلام بالعملة التي تعتبر عصب اقتصاد أي دولة ثم كان أداء الزكاة وتم تقديرها بالذهب والفضة حتي لا يؤثر ضعف أو زيادة العملة المحلية للدولة في مقدار الزكاة التي يدفعها الانسان.. لذلك تم تقديرها اما بالسلع أو بالذهب والفضة. من هنا وكما يؤكد الدكتور عبدالفتاح ادريس فإن العقوبة التي وضعها المشرع القانوني لتزوير العملة تتفق مع الشريعة الاسلامية التي تركت للقاضي حق تقدير العقوبة بما يتوافق مع ملابسات الجريمة وظروفها. بقي أن تعرف ان القانون الوضعي يعتبر تزوير العملة جناية يعاقب المتهم فيها بالسجن المشدد من 3 إلي 10 سنوات ويتم فيها مصادرة الأجهزة المستخدمة في ذلك.
الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
4,795,419
ساحة النقاش