السيدة خديجة بنت خويلد..
كتبت - سهير عبد الوهاب:
مهما اختلفت الثقافات, وتعددت الأفكار وتباعد المسافات يظل حلم الزوجة المثالية وإلي الأبد يراود أي رجل في أي مكان وزمان.. كل له أحلامه وكل له مواصفاته, واذا جمعنا أفضل هذه الصفات فسنجدها
وأكثر منها قد تجسدت في السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها, من أشراف مكة.. أولي زوجات الرسول(ص), التي لم تكن زوجة فقط بل رفيقة درب, فقد شكلت علامات بارزة في مسيرة الدعوة الإسلامية وفي مسيرة المصطفي صلي الله عليه وسلم. كانت هذه الإنسانة مشجعة ومؤيدة ومشاركة وداعمة بمالها وبرأيها وبجاهها وبحسبها ونسبها.. وقفت معه بالرأي والمشورة, وساهمت بكل ما تملك ومن تملك.
قامت السيدة خديجة بمواقف عظيمة دلت علي رجاحة عقلها وجرأتها في مواجهة التحديات, وحبها الكبير لرسول الله صلي الله عليه وسلم, وسعادتها بالمشاركة في هذا الأمر العظيم, وهذه الدعوة المباركة, حتي رأيناها وهي تدثره وتزمله وتقف معه مؤيدة وداعمة, وعندما أدرك عظم الأمر وثقل الوحي وجاءها يشكو إليها فقالت تلك العبارات التي خلدها التاريخ: ز الكل, وتكسب المعدوم, وتعين علي نوائب الحق, أبشر يا ابن عم واثبت, فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة.
وتصرفت تصرفا لا يتصرفه إلا العقلاء عندما أخذت سيدنا محمدا إلي ورقة بن نوفل الذي قال للنبي صلي الله عليه وسلم بعدما أخبره بما جري معه في غار حراء: هذا الناموس الذي أنزله الله علي موسي, يا ليتني فيها جذعا, ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك. فقال له النبي صلي الله عليه وسلم أومخرجي هم؟ قال نعم لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي, وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا.
وعندما كانت تذهب إليه في الغار وهو يتحنث- فكانت تمشي من بيتها تحمل إليه الطعام والشراب, وتقطع المسافة بين بيتها وجبل الثور- وتقدر بخمسة كيلومترات وأربعمائة متر- تقطعها ذهابا وإيابا, ثم تصعد إلي الجبل الذي يبلغ ارتفاعه ثمانمائة وستة وستين مترا فوق سطح البحر. كل ذلك لتطمئن عليه, وتعينه علي ما هو فيه, فإذا ما وجدته منشغلا في عبادته وتحنثه عادت وتركت الطعام من دون أن تزعجه.
ثم دعونا نراها في ذلك الموقف الذي حدث يوم تنادت قريش بعزل النبي صلي الله عليه وسلم وحصاره مع أهله بني هاشم وبني المطلب, والتضييق عليهم في شعب أبي طالب, ومنع الطعام وكل مقومات الحياة عنهم, فلم ترض هذه السيدة العظيمة أن تبقي في دارها المترفة تنعم برغد العيش مع أنها ليست معنية بهذه المقاطعة, لقد كان ذلك بيدها لو أرادت, ولها في عشيرتها بني أسد قوة ومنعة, ولكنها آثرت أن تلحق بزوجها الحبيب, صلوات الله وسلامه عليه, ورضي الله عنها. ولم تمنعها سنها وهي تخطو نحو الثالثة والستين من متابعة الجهاد, ولقد أثر موقفها هذا في رجال عشيرتها, وكيف يرضون أن تجوع وتحرم تلك المرأة العظيمة التي كانت تغدق علي أهلها من البر والخير ما لم يكن يفعله كبار أغنيائهم وحتي كبار كرمائهم, فاندفع بعضهم يحمل إليها الطعام سرا.. ولم تكن رضي الله عنها تستأثر بالطعام الذي يرسل إليها وإنما توزعه علي جميع من في الشعب, ولا تنال منه إلا أقل من أي فرد منهم.
وكانت أحب زوجات الرسول إلي قلبه, وأخذ يعلن علي الملأ بعد وفاتها أنه عام الحزن.. عام الألم.. فقد فقدها وفقد عمه أبا طالب في سنة واحدة, ثم أعلن علي الملأ مرة اخري: إني أحبها, وقد رزقت حبها, فأنا أحبها وأحب من يحبها, وفي صراحة تامة قال عنها للسيدة عائشة: ما أبدلني الله خيرا منها, صدقتني إذ كذبني الناس, وواستني بمالها إذ حرمني الناس, ورزقني الله منها الولد إذ لم يرزقني من غيرها.,
ساحة النقاش