قصة إنزيم حير العلماء15 عاما..
هواة الفيديوجيم يحلون شفرة الايدز
كتب - أشرف أمين:
12413
بعد15 عاما قضاها العلماء في محاولات بحثية فاشلة, نجح فريق من لاعبي الفيديو جيم في تحديد البناء الكيميائي لأحد البروتينات المسئولة عن تكاثر فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب( الإيدز)
فيروس الايدز
مما يمهد الطريق لإنتاج لقاح مضاد للفيروس.. هذا الحدث والذي نشر مؤخرا في مجلة نيتشر للبيولوجيا الجزيئية يعد إنجازا علميا غير مسبوق, فلأول مرة في العالم يتم تحويل مشكلة بحثية إلي لعبة فيديو جيم ودعوة هواة ألعاب الكمبيوتر وغير المتخصصين لحلها, وهو ما تحقق فعليا, حيث تمكن اللاعبون في الوصول لحل للمشكلة خلال3 أسابيع فقط.
الأهرام تحرت تفاصيل هذه القصة, والتي بدأت من بولندا الي الولايات المتحدة, مرورا بست دول بقارتي أوروبا وأمريكا ثم نيوزيلاندا.
كانت البداية مع الدكتور جاسكولوسكي أستاذ الكيمياء بأكاديمية العلوم البولندية الذي يقول: إن هناك أشياء نعلمها عن فيروس الإيدز وأشياء أخري نجهلها تماما, فمثلا نحن نعرف التركيب الجيني لفيروس الإيدز وطرق العدوي وعدد البروتينات أو الإنزيمات المسئولة عن تكاثره داخل جسم المصاب, لكننا لا نعرف تركيبة هذه الإنزيمات, وهو ما حاولنا تحقيقه علي مدار سنوات طويلة نحن ومراكز بحثية أخري بالعالم, لأننا لو تعرفنا علي تركيبة أي من هذه الإنزيمات من الممكن أن نصنع مركبات مضادة أو لقاحا يعيق عملها, وبالتالي يمنع الفيروس من التكاثر داخل جسم المريض.
ويواصل جاسكولوسكي: علي مدي15 عاما سعينا الي معرفة وتحديد التركيبة ثلاثية الأبعاد لأحد هذه الإنزيمات وهي مسألة صعبة جدا, خاصة وأن باب الاحتمالات لتركيب هذا الإنزيم معمليا لانهائي, وبالتالي كنا نبحث عن التركيبة الكيميائية الأكثر استقرارا, وبعد سنوات من الفشل وتجربة كل ما توصل له العلم اتصلنا بمعمل بيكر للبرمجيات بجامعة واشنطن لكي يصمم لنا برنامج كمبيوتر يساعدنا علي حل المشكلة البحثية وتحديد التركيب الكيميائي للإنزيم. يشرح الدكتور جاسكولوسكي أن هذا التعاون بين علماء البرمجيات وكافة التخصصات العلمية هو من الأمور المعتادة اليوم في معظم الجامعات, حيث يقوم المبرمجون بتصميم برامج كمبيوتر هي أشبه بواقع افتراضي, حيث يتم عبر الكمبيوتر إجراء كل التجارب الكيميائية أو الفيزيائية, وبالتالي يمكن انتقاء التجارب الناجحة وتنفيذها عمليا, هذا التعاون والشائع اليوم في كافة المجالات بدءا من صناعة الدواء حتي صناعة السيارات والبناء وأبحاث الفضاء, يوفر في الوقت والجهد والإنفاق العام علي الأبحاث, ويسهم في الوصول الي النتائج بشكل أسرع, المهم ـ يقول جاسكولوسكي, إنه بعد تجربة أحد البرامج التي صممها معمل بيكر لعلاج المشكلة فشلنا أيضا في الوصول إلي نتيجة.
في ذلك الوقت, كان الباحثون بمعمل بيكر وقسم الكيمياء الحيوية يطرحون لعبة جديدة علي الإنترنت لإشراك الهواة في رسم ثلاثي الأبعاد للبروتينات التي يعجز عن تنفيذها العلماء. ويقول الدكتور ديفيد بيكر رئيس فريق البرمجيات بجامعة واشنطن إنه عادة ما يقضي محبو الفيديوجيم ساعات طويلة من يومهم لتخطي العقبات الموجودة في مثل هذه الألعاب, والتي قد تكون سباق سيارات أو معارك في الغابات الاستوائية. وعلي مدار السنوات الأخيرة تطور هذا المجال, حيث يمكن اليوم أن يلعب متسابق عبر الإنترنت ويشكل فريقا مع آخرين من مختلف قارات العالم. ويكمل الدكتور بيكر أن هذا الأمر حاولنا الاستفادة به من خلال طرح المشكلات البحثية في صورة ألعاب كنوع من التحدي للمتسابقين, كما سعينا إلي أن يكون تصميم اللعبة بسيطا ولا يتطلب أن يكون المتسابق ملما بالموضوع العلمي الذي نطرحه.
ويقول الدكتور فراس الخطيب, السوري الأصل وعضو الفريق البحثي بجامعة واشنطن إنه قبل طرح برنامج فيديو جيم عكفنا علي مدار3 سنوات في وضع نماذج أولية للبرنامج وتجربتها, حيث إن هدفنا هو إشراك وجمع أكبر قدر من العقول وأجهزة الكمبيوتر للتعامل مع المشكلات العلمية التي يعجز العلماء عن حلها تعقيدا, وقد أثبتت التجربة أنه يمكن للعقول البشرية مجتمعة أن تتغلب علي مشكلات يعجز عن حلها أفضل برامج الكمبيوتر, فبعد طرح اللعبة علي الإنترنت قام المتسابقون بتكوين فرق والتنافس لعلاج المشكلة, وخلال3 أسابيع حصلنا علي مليون حل للمشكلة التي طرحناها, وكان علينا بالتعاون مع الباحثين في بولندا أن نراجع هذه الحلول وننتقي أفضلها, ووصلنا الي أفضل ألف حل, بعضها كان مبهرا.
وأضاف الخطيب من خلال مراجعة أفضل الحلول وتجربتها معمليا توصلنا الي التركيبة الكيميائية للبروتين, والتي صممها فريق المتنافسين والمكون من15 لاعبا من5 دول مختلفة فضلوا خلال الحوار معهم الاحتفاظ بأسمائهم المستعارة علي الإنترنت, حيث تقول ميمي وهي من بريطانيا إن أعضاء الفريق ليسوا بعلماء ولم يسبق لهم العمل في أي مجال علمي, كما أن عددا منهم يقوم بأعمال مكتبية لا تحقق لهم الرضا المهني والنفسي, لذلك فإن ظهور هذا النوع من ألعاب الفيديو جيم يمثل بالنسبة لهم نوعا من التحدي والرغبة في إثبات الذات وإمكانية القيام بشيء له فائدة كبري علي مستوي البشرية ويسهم في دعم البحث العلمي, وتري أن الاشتراك في اللعبة لايحتاج أن تكون ملما بعلوم البيولوجيا الجزيئية, حيث يمكنك تعلم الكثير من الأمور العلمية خلال ممارستك للعبة, كما يمكن تشجيع الطلبة لدراسة العلوم من خلال مثل هذه الألعاب.
ويضيف الدكتور جاسكولوسكي إنه بعد التوصل لهذه النتيجة المبهرة فإننا من المقرر أن نبدأ سلسلة من التجارب في محاولة لإنتاج لقاح لفيروس الإيدز, كما يمكن من خلال هذا التعاون البحثي أن نصل لحل العديد من المشكلات الصحية ونتمكن من إنتاج لقاحات ضد كافة الفيروسات, ونظرا لأهمية ما توصلوا إليه فقد تم إدراج اسم فريق المتنافسين كباحثين مشاركين عند نشر نتائج البحث, وما تحقق يفتح الباب علي مصراعيه لما يعرف باسم علم المواطنcitizenscience وهو ما يشابه ما هو شائع اليوم من عمل المدونين والمعروف باسم صحافة المواطنcitizenjournalism بأن يسهم غير المتخصص في إنتاج عمل بالغ الفائدة في مجال ما.
ويقول الدكتور سيث كوبر عضو الفريق البحثي بجامعة واشنطن: إننا نسعي في المستقبل لطرح ألعاب كمبيوتر نتحدي بها اللاعبين في مجالات أخري, مثل تصميم أفضل شرائح في حجم النانو يمكن استخدامها في صناعة السيارات, أو تصنيع بروتينات ليست موجودة في الطبيعة للتغلب علي بعض الأمراض, ولا يجب النظر للأمر علي أنه تفوق لمتسابقين علي حساب العلماء, بقدر ماهو تكامل بين العقول البشرية, وهو ما يبشر بالكثير من الإنجازات العلمية والإنسانية.
ساحة النقاش