عبقرية الجريمة
بقلم: د.أحمد ابراهيم الفقيه
7/5/2011 1017 

يبدو المشهد مرعبا‏,‏ قاسيا‏,‏ مؤلما وكانه مجلوب من أكثر مراحل التاريخ تخلفا وعنفا واظلاما‏,‏ مشهد هؤلاء الحكام العرب الذين يقصفون باحدث الصواريخ وأكثرها فتكا ودمارا مدن بلادهم, ويقوضون بها الابنية علي رءوس ساكنيها من ابناء شعوبهم.

 

الفرق بينهم وبين ما كان يحدث في حروب التتار والمغول والوندال, هو انهم في هذه الحروب التي يخوضونها ضد شعوبهم, يستخدمون آخر منجزات العصر واحدث تقنياته وعلومه في العتاد الحربي, وهو عتاد اشتروه باموال هؤلاء الناس الذين يقتلونهم, ويسخرون ابناء الوطن لقتل أهلهم ولاتعوزهم الحيلة التي يجعلون بها هذا الجيش يقوم بهذه المهمة القذرة, بالارغام والاغراء ولابأس من الاستعانة بالمرتزقة والشبيحة والبلطجية, وافراغ السجون من المجرمين واستعمالهم في التخريب والقتل والترويع من أجل هدف واحد لهذا الحاكم العربي, هو ان يبقي في مقعده حاكما فردا, مستبدا, تخضع له رقاب البشر, ويستبيح اموال المواطنين واعراضهم وارغامهم علي طاعته فيما يقوله من تخاريف وما تمليه عليه نزواته وانحرافاته وشذوذه من توجيهات يصدرها لهم, وتسخيرهم للعمل لديه خدما ورقيقا, وإلا فانه لابديل لهم ولاخلاص امامهم, إلا القتل, بأكثر الاساليب وحشية وبربرية لانه لايخضع لأي نواميس او قواعد ولايفرق بين طفل ولارجل ولا امرأة ولا ام ولا ابن, فكل ابناء الوطن اهداف مشروعة لقذائف مدافعه, وقنابل طائراته, وصواريخ جراده, بل وفي احيان كثيرة قنابله العنقودية المحرمة دوليا, كما حدث في مصراته بليبيا علي يد كتائب القذافي, وهي الكتائب التي تؤكد وثائق المحكمة الجنائية الدولية انها تلقت الأوامر بان ترتكب كل الفواحش بما في ذلك انتهاك الاعراض وارتكاب اعمال الاغتصاب. وقد سألت احد العاملين في جمع هذه القرائن, وهو السيد عادل الطلحي المسئول عن جمعية حقوقية ليبية, ان يقدم لي نماذج عما تم توثيقه فحكي لي عن حادثتي اغتصاب قام بارتكابهما جنود تابعون لهذه الكتائب إحداهما عن ام تمت واقعة الاغتصاب لها في حضور بنيها, ولم تستطع بعدما حدث ان تنظر في اعينهم أو تطييق ان تري حجم العذاب في اعين الابناء فدخلت غرفة نومها لتنام واكتشف الأهل في الصباح انها قد شنقت بحبل علقته بإحدي ثريات الغرفة, جثة هامدة.
وطبعا لم استطع ان اسمع المزيد من هذه الوقائع التي قدمها السيد المدعي العام اوكامبو للغرفة الأولي لقضاة المحكمة الدولية الجنائية, وكانت كفيلة باقناع قضاة تلك الغرفة, باصدار مذكرات الاعتقال في حق السيد العقيد معمر القذافي وابنه واحد معاونيه, بعد ان توافرت الشهادات الكافية والأخري ـ كما تقول الانباء من رئيس مخابراته الخارجية المسمي موسي كوسه بأن التعليمات صدرت إليه وإلي بقية الاعوان من رئيس النظام وابنه مباشرة, وكان رأي الرئيس الليبي, ان ماحدث من نجاح لثورتي تونس ومصر يرجع إلي انه لم تواجه المظاهرات منذ البداية بما يكفي من قوة وعنف, ولهذا فقد كان رأيه ان تختصر تلك المراحل التي يتم فيها استعمال خراطيم المياه أو القنابل المسيلة للدموع او حتي الرصاص المطاطي, وان يبدأ الردع بالذخيرة الحية منذ اللحظات الأولي, ومنع اي متظاهر من ان يصل إلي الميدان أو يصل إلي الشارع, وان تباشر عناصر الأمن اطلاق الرصاص علي المواطنين منذ لحظة الخروج من الاحياء اومن الازقة أو من المساجد, وهو رصاص يخرج من اسلحة مزودة باشعة تقود الرصاصة إلي الرأس مباشرة, لكي لاتكون هناك فرصة للنجاة, وفعلا هذا ماحدث في الأيام الأولي للانتفاضة الشعبية.
وزاد علي هذه التعليمات ما مفاده أن الشعب الليبي يعطي اعتبارا كبيرا للاعراض, ولهذا فان انتهاك الاعراض واغتصاب النساء سيجعل الناس يصابون بالرعب ويمتنعون عن القيام بالثورة, بل وتم تزويد الكتائب بكميات من حبوب التهييج لكي يتمكنوا من ارتكاب جريمتهم مع أكبر عدد من النساء, وأكثر من ذلك الاستعانة بحبوب المخدرات التي يتم تذويبها في الماء, كما اكدت بعض المصادر, ليستطيع الجندي ارتكاب كل الموبقات دون حرج ولا رادع من عقل ولاضمير.
ولهذا لم يكن غريبا ان تصدر هذه المذكرات الثلاث, بالقبض علي رأس النظام الليبي واثنين من مساعديه للمثول امام المحكمة الجنائية الدولية بسبب ما امروا بارتكابه من جرائم ضد الانسانية. يبدو ان عبقرية الجريمة التي يرتكبها حاكم ضد شعبه لم تكن مقصورة علي الحاكم الليبي, وانما هو امر يتكرر بشكل مشابه في كل من سوريا واليمن, وهناك طبعا كثير من الجمعيات الحقوقية التي تقوم الآن بجمع الادلة بأمل ان تصل بها في ذات يوم قريب إلي المحكمة الجنائية الدولية ونائبها العام السيدلويس مورينو اوكامبو الذي صار يمثل أمل الشعوب العربية في تحقيق عدالة غابت عن حكام استباحوا الشعوب واستهتروا بالقيم والمواثيق وخرجوا عن شريعة الله وعن عائلاتهم, والشعوب ليسوا إلا نوعا من رقيق الارض الذي يرثه صاحب المزرعة أو يشتريه معها كالانعام والبهائم فعاثوا فسادا في هذه الارض, واستباحوا حقوق هذه الشعوب, واخذتهم العزة بالاثم, فاوغلوا في ارتكاب جرائم القتل باعتبارها الوسيلة الناجعة الناجحة للاحتفاظ بهذا الحكم, ونسوا ان منطق جنكيزخان وهولاكو ونيرون وكاليجولا لم يعد يستقيم مع منطق العصر الحديث وان الدوائر سوف تدور عليهم عاجلا باذن الله وليس آجلا.

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 125 مشاهدة
نشرت فى 7 يوليو 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,686,829