بقلم: د. طه عبد العليم 163
لا مفر من سرعة إصدار قانون حرية وتداول المعلومات; إذا أردنا حماية ثورة25 يناير من مخاطر فقدان الاتجاه نحو غاياتها الرئيسية. بإيجاز, لأن الإفصاح عن المعلومات من شأنه: تمكين الإعلام من استقصاء الحقيقة في قيادته للرأي العام بدلا من الاستغراق في النميمة والقذف دون معلومات موثقة.
, وتمكين شباب الثورة من معرفة المعلومات اللازمة لإسهامهم الخلاق المرجو في بناء النظام الجديد وتحريرهم من أسر الاستغراق في طلب الثأر من النظام القديم, وتمكين محدودي الدخل من إدراك أن تسريع التنمية والتصنيع هو السبيل الوحيد لتحسين نوعية حياتهم بدلا من الاستغراق في وهم إعادة توزيع دخل لن يعدو تقاسما عادلا للفقر!
وإرتكازا إلي قانون حرية وتداول المعلومات, الذي يجعل الإفصاح بالنشر والكشف هو القاعدة وعدم الإفصاح بالحجب والمنع هو الاستثناء, أتصور أنه علي الحكومة في فترة الانتقال أن تعتبر مهمة مركزية لها إتاحة المعلومات. وقد أشير, علي سبيل المثال, إلي الأهمية الملحة لنشر مؤشرات التنمية والتصنيع والتجارة والدخل والصحة والتعليم والبحث العلمي في مصر علي مدي السنوات العشرين السابقة للثورة, وذلك بالمقارنة مع بلدان تخطت مصر التي كانت في الطليعة حتي قريب! ببساطة لأن هذه المعلومات تمثل شرطا لا غني عنه; ليس فقط لكشف فقدان الكفاءة الاقتصادية وإهدار العدالة الاجتماعية في النظام السابق, ولكن أيضا لتمكين الأحزاب والقوي السياسية والمرشحين للرئاسة من وضع وطرح برامج للانتخابات المرتقبة علي أسس موضوعية وعلمية بما يسمح للناخبين بالمفاضلة بين ما تعد به هذه البرامج من نظم وأهداف اقتصادية واجتماعية وليس بما تحفل به من مزايدة أو شعوذة!
وقد كشفت التحقيقات القضائية بعد ثورة25 يناير عن انتشار مروع للفساد المنظم في عهد مبارك, وأكدت وقائع الفساد ضرورة تقنين حرية وتداول المعلومات باعتباره شرطا لمكافحة الفساد بوأده قبل استفحاله. وفي ظل عدم الإفصاح ومصاعب الوصول إلي المعلومات الموثقة, وبدون إنكار عدم الالتزام بالمعايير المهنية والأخلاقية, تمادت وسائل الإعلام, مع سطوة نهج الإثارة, في مضاعفة أرقام ما نهبه الفاسدون والمزايدة في إبراز فضائح الفساد. وغاب دور الإعلام بشتي وسائله في استقصاء المعلومات التي تبين الآثار الوخيمة للفساد علي ضعف معدلات نمو الاستثمار والادخار والدخل, ودوره في هدر الأمن القومي لمصر والأمن الإنساني للمصريين! وبدون الإفصاح عن المعلومات يصعب تمكين المصريين من المشاركة الفاعلة في الأحزاب والانتخابات وفي صنع القرارات والسياسات والتشريعات, وفي مساءلة ومحاسبة الحكومة ومكافحة الفساد.
وكشفت تقارير اقتصادية رسمية قبل ثورة25 يناير عن مؤشرات بينت إخفاقا مذهلا للتنمية والتصنيع عرضتها في مقالات سابقة. ولكن إفصاح تلك التقارير عن المعلومات لم يكن التزاما بواجب الحكومة في الإفصاح ولم يكن دعوة للرأي العام كي يشارك في مواجهة التحدي. وإنما استهدف النشر مجرد تبرير التحول إلي السوق الحرة سيئة السمعة وتدشين انطلاق تمكين وتوريث الرئيس الابن; وإن بإهالة التراب علي عهد الرئيس الأب.
ثم توقف إصدار تلك التقارير, فحجبت مؤشرات عدم كفاءة تخصيص الموارد وعدم عدالة توزيع الدخل في سنوات انفلات السوق الحرة, التي بشر بها أنصار الوريث من المحافظين الجدد! وعلي نقيض الغاية من قانون حرية وتداول المعلومات فإن تلك التقارير لم تنطلق من واجب مكاشفة ومصارحة الحكومة للشعب بالإنجاز والإخفاق الاقتصادي, وإنما جاءت مثل غيرها لتبرير تحول إنقلابي; كما جري من قبل حين انقلب السادات علي نهج عبد الناصر.
وقد أحسنت الحكومة صنعا حين أقرت الحق في تكوين نقابات مستقلة, فرفعت اسم مصر من القائمة السوداء للدول المعادية للحريات النقابية, وحين أقدمت علي إصدار قانون دور العبادة الموحد تعزيزا للحريات الدينية, وحين أعلنت عزمها إصدار قانون تجريم التمييز التزاما باحترام حقوق الإنسان والمواطنة. ولكن يجدر بالحكومة أن تتذكر أن إقرار قانون مصري لحرية وتداول المعلومات هو التزام بالشرعية الدولية; حيث نص قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم59 في جلستها الأولي في14 ديسمبر عام1946, علي أن حرية الوصول إلي المعلومات حق إنساني أساسي ومعيار كافة الحريات, ونصت المادة19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان, الذي تبنته الجمعية العمومية للأمم المتحدة في10 ديسمبر عام1948, علي أن يتمتع الجميع بحق حرية الرأي والتعبير; ويشتمل هذا الحق علي تقصي وتلقي وتداول المعلومات, وهو ما أكده البند19 في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية, الذي أقرته الجمعية العمومية للأمم المتحدة في عام.1966
ويجدر أن أشير إلي أن قوانين حرية وتداول المعلومات تخضع لاستثناءات أو قيود, منها, علي سبيل المثال وليس الحصر, حجب المعلومات التي من شأن الكشف عنها تهديد الدفاع والأمن القومي والنظام العام والأمن العام, وسيادة وتكامل ووحدة الدولة, والمصالح القومية الأمنية أو الإستراتيجية أو العلمية أو الاقتصادية, وسيادة القانون ومنع الجريمة وسير العدالة وتنفيذ أحكام القضاء; وعمليات التفتيش والضبط والمراقبة من قبل السلطات العامة; والعلاقات الدولية والمفاوضات الجارية. وحجب المعلومات التي يترتب علي كشفها مخاطر بيئية ومخاطر علي السلامة العامة; أو تهديد السياسة الاقتصادية والمالية والنقدية والتجارية للدولة, والأسرار التجارية المحمية بالقانون, والمصالح الاقتصادية الخاصة والعامة التي قد يؤدي الكشف عنها إلي تنافس غير نزيه والتعدي علي الحقوق والمركز التنافسي أو أي مصلحة مشروعة أخري للمؤسسات. وحجب ما يتعين أن يبقي سريا بموجب القانون الدولي أو قوانين دولة أخري أو منظمات دولية, أو لحماية المصادر السرية والمستقبلية للمعلومات إذا اقتضت المصلحة العامة أن يستمر تدفقها. وحجب المعلومات التي من شأن الكشف عنها تعريض أمن أو حياة أو صحة شخص للخطر; وانتهاك الحق في الخصوصية لأسباب غير كافية; وحماية السمعة والحرية الشخصية; أو الإضرار بحرية وحقوق ومصالح الآخرين!
ورغم ما سبق فانه يتعين أن يتماشي قانون حرية وتداول المعلومات مع مبدأ حد الكشف الأقصي, الذي يفترض أن جميع المعلومات التي تحتفظ بها الجهات العامة يجب كشفها, وأن الحجب مشروط فقط بإحداث الكشف ضررا بمصلحة عامة مشروعة. كما تخضع الدول لالتزام إيجابي جوهري يضمن حصول جميع المواطنين علي المعلومات المتعلقة بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان أو جرائم ضد الإنسانية, شاملة الانتهاكات والجرائم التي وقعت في الماضي. وتحدد مبادئ المادة19 اختبارا من ثلاثة أجزاء للاستثناءات أو القيود: أولا, أن تسعي الاستثناءات إلي هدف مشروع ينص عليه القانون; وثانيا, أن يهدد الكشف عن المعلومات بإحداث ضرر كبير بذلك الهدف; وثالثا, أن يكون ضرر الكشف عن المعلومات أكبر من المصلحة العامة في الحصول عليها.
المزيد من مقالات د. طه عبد العليم<!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" /></a> <script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></script> AddThis Button END -->
ساحة النقاش