الثورة ورسالة المثقفين
بقلم:د‏.‏ إبراهيم إسماعيل 166 



ما هو السبب وراء رواج توزيع الكتب في أوروبا وأمريكا؟ نحن نسمع أن الكاتب يوزع من الكتاب الواحد عشرات الملايين من النسخ مثل رواية شفرة دافنشي علي سبيل المثال التي بيع منها ما يربو علي ستين مليون نسخة‏,‏

 

 بينما الكاتب عندنا لو باع ألفي نسخة تعقد له الندوات وتفتح له الفضائيات وتنهال عليه الدعوات.
طرحت هذا السؤال علي الدكتور شل اسبمارك رئيس لجنة جائزة نوبل للآداب, حين التقيته في أحد المؤتمرات فقال إن الكاتب عندهم يمر بعدة مراحل قبل أن يخط أول سطر من كتابه, أولاها مراقبة ما يدور في المجتمع مراقبة دقيقة وحثيثة ليختار الموضوع الأكثر إلحاحا فيكتب فيه, وتأتي المرحلة الثانية التي يقرأ فيها كثيرا حول الموضوع الذي وقع اختياره عليه وتاريخه وتطوره وما قيل عنه, أما المرحلة الثالثة وهي الأهم فهي أن يعكف حوالي من أربعة الي ستة أشهر متقصيا آراء المجتمع بكل أطيافه, يجلس مع أفراد الطبقات الفقيرة والمتوسطة والمخملية صغيرا وكبيرا ذكرا وأنثي, ولا يستثني من في القري ودور العجزة والمسنين, يسجل آراءهم ويدون ملاحظاتهم, ثم تأتي المرحلة التالية ليرتب خلالها أفكاره وحصيلة ما جمع, ليبدأ الكتابة دون إهمال أبسط معلومة حصل عليها, مستخدما أسلوبا رفيع المستوي يرتقي بذائقة قرائه, مركزا علي ضرورة تقديم ابتكار وحلول غير تقليدية لقضايا ومشاكل المجتمع, فيصدر الكتاب وقد وجد كل فرد ضالته فيه.
أما عن سبب كساد توزيع الكتب عندنا, فمن وجهة نظرهم أن المثقفين لدينا يتوزعون بين قوميين وليبراليين واشتراكيين ودينيين إلخ.. فضلا عن التصنيفات الحزبية ولا غضاضة في ذلك, ولكن تكمن المشكلة في أن كلا منهم يريد أن يفرض علي الناس ما يعتقد, مقدما ذلك علي مصلحة المجتمع ككل, وبالتالي يصدر الكتاب ليجد القارئ فيه نفورا واستخفافا ممقوتا بعقله. ولعل المرحلة الراهنة وما تتطلبه تنجح في التغيير من نفوس وطرق مثقفينا في أداء رسالاتهم, فيختفي الإنتاج الضحل الفقير ويحل محله الإنتاج الثري الغزير, فالمثقف الحقيقي هو من يفهم كنه المجتمع الذي يعيش فيه فيتفاعل معه, ويتأثر به ويؤثر فيه,
كي يكون وفيا لرسالته في التوعية والتوجيه, باعتباره الضمير الحي الذي يعبر عن الآلام والأحاسيس والمشاعر والأحلام والطموحات لشعبه, وليس ذلك الكائن المعزول الذي يعيش في واد ومجتمعه في واد, ولا هو ذلك الشخص النخبوي الذي يجلس في برجه العاجي من عليائه علي أناس لم يعش عيشتهم ولم يحيا حياتهم.
فأهمية المثقف معيارها الدور الذي يقوم به في مرحلة تاريخية معينة والتأثير الإيجابي الذي يحدثه, فإما أن يكون مع التطور فيأخذ بيد مجتمعه نحو الترقي, أو ضده فيهبط به الي التردي.
والمرحلة التي تعيشها مصر الآن تستدعي من أطياف المثقفين أن يتكاتفوا ويتحدوا علي هدف واحد وهو الأخذ بيد المجتمع لعبور هذا المنعطف التاريخي بسلام, لنجني ثمار ما أقدمنا عليه, وأن يقودوه نحو العمل وعدم الاكتفاء بالأمل.
لقد امتلأت كثير من المقالات بعبارات التشفي والشماتة, ولا شك أن كل من جنح الي هذا له عذره, فالنظام السابق قد أهان مصر وجعل أعزة أهلها أذلة, وأتي بأتباعه وأشياعه من الطبالين والراقصين الي مواقع قيادية خطيرة ما كان ينبغي لهم أن يتبوأوها لكن علي كل حال: العظة خير من الشماتة والعبرة خير من التشفي.
إن دور المثقفين الآن بكل أطيافهم السياسية وتياراتهم الفكرية أن يلتقطوا العبارة الجميلة التي يرددها رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف: تعالوا نروح مصر مصر التي يتوفر فيها الطعام لكل فم, والعمل لكل يد, والدواء لكل مريض.
وفي هذا يقول سارتر: إن مهمة المثقف مواجهة تحديات أمته, لأنه هو الذي ينقل حالة الاقتصاد والنهضة من السكون الي الحركة ومن الخمول الي النشاط ومن الدوران للخلف الي الدوران للأمام.
علي المثقفين أن يقنعوا الشعب بحقيقة أن لا أحد في الدنيا يملك مصباح علاء الدين, أو يحتفظ بعصا موسي, حتي يلبي كل المطالب الفئوية في آن واحد, وأن الله وحده هو الذي يقول للشئ كن فيكون.
إن شباب مصر ماتوا في عرض البحر في انقلاب المراكب والعبارات, والأسر ماتت في انهيار العمارات, والعمال قضوا نحبهم في حوادث السيارات والقطارات والقائمة طويلة لا تنتهي, لكن بكل تأكيد البكاء علي اللبن المسكوب لا يفيد, لتأخذ العدالة مجراها ضد هؤلاء بصرامة وحزم وسرعة بدلا من هذا التباطؤ المقلق و( تعالوا نروح مصر), مصر الحيوية, مصر الزراعية, مصر الصناعية, مصر القوة الاقتصادية, مصر السياحة, مصر الدولة العظمي بسواعد أبنائها والأمل كبير في ثروتنا القومية من المثقفين في أن يقودوا البلد نحو المستقبل الجميل إن شاء الله.

 

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 107 مشاهدة
نشرت فى 16 مايو 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,686,335