إبراهيم ناجي في مرآة االسيد فضلب
بقلم: فاروق شوشة


ضمن سلسلة كتابات نقدية التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة صدر هذا الكتاب الجديد للناقد والأستاذ الجامعي الدكتور السيد فضل‏,‏ ليصبح حلقة مهمة في حلقات مشروعه النقدي الذي يضم كتاباته السابقة عن نظرية ابن خلدون في فاعلية النصوص.

 

 و الواقع والنص وحكايات السندباد, والشعر الجاهلي وقضية التفسير وتراثنا النقدي والانسان والشيطان في الأدب المسرحي المعاصر وغيرها من الكتابات النقدية, الناطقة باهتمامه الواضح بمتابعة الحياة الأدبية والنقدية المعاصرة والمشاركة فيها بفاعلية وجدية بالنسبة لرصد أهم ظواهرها وأبرز تياراتها وقضاياها, وملاحقة تجليات الإبداع فيها, بكل صوره وأجناسه.
والدكتور السيد فضل من خلال تاريخه الأكاديمي الذي أوصله إلي عمادة كلية الآداب في جامعة بنها, ورئاسته لقسم اللغة العربية فيها, وعمله الحالي أستاذا زائرا بالجامعة الأمريكية بالقاهرة, قد أتيح له من الخبرات والتجارب, والقراءات والتحليلات, والمناقشات, ما جعله واحدا من الشهود العدول علي حقيقة ما يدور من حولنا الآن, وهو في هذا الكتاب الجديد الذي أطلق عليه لغة الخطاب وحوار النصوص يسعي إلي إعادة العلاقة الحميمة بين النص الشعري والقاريء المهتم, بعد أن تعرضت هذه العلاقة إلي قطيعة سببها الجوهري يتعلق بطبيعة الخطاب النقدي المعاصر, بغموضه والتوائه وتعاليه, متخذا من الشاعر إبراهيم ناجي صاحب الأطلال وغيرها من الروائع, مجالا لتطبيق رؤيته النقدية, هادفا إلي بيان علاقة ناجي بتراثه الشعري يحاوره ويتحسس خطاه, قربا وبعدا, بوعي خاص, مكنه من أن يضع توقيعه الخاص, ويصنع تمانعه المميزة, بحيث لا تشتبه ـ بالنسبة لقارئه ـ مع توقيع غيره من الشعراء أو تميمته.
وهو حريص ـ منذ الصفحات الأولي لكتابه ـ علي الإفصاح عن هدفه من الدراسة بعد ما امتلأت مساحات النشر المعاصر بدعوي حداثة النص وحداثة المنهج, وضرورة مواكبة ما يستجد علي الجانب الآخر من طرائق الابداع ونظرياته في الغرب, داعيا إلي بذل جهود كثيرة لدعم تقاليد النص الأدبي, في إطار فهم خاص لها ينأي عما أحاط بها من محاذير الجمود وأوصاف التخلف.
الدراسة إذن تتبلور حول محورين ـ هما في رأي المؤلف ـ يتصلان وينفصلان, يتصل أولهما بلغة النص الشعري وطرائف المخاطبة المميزة فيه, وثانيهما يكشف عن علاقة النص بغيره من النصوص السابقة, في إطار فهم خاص لانتاج من نصوص غائبة( وهي النصوص الغائبة المكونة له, والمؤثرة في بنياته الظاهرة والخفية).
ويصارحنا الدكتور السيد فضل بأنه ليس بعيدا أو منقطع الصلة بطرائق البحث الحديث والمعاصر في تناول النص, وما قد يوصف بشطحات هذه الطرائق ـ كالبنيوية باتجاهاتها المتعددة ـ فليس النص نبتا شيطانيا أو إبداعيا خالصا أو عالما خاصا بالشاعر, وهو ليس بعيدا أيضا عن تفهم التفكيكية ودعوتها إلي ضرورة تشريح النص وإعادة ربطه, حتي لا يبدو له بمثابة شواهد في سياقات متفرقة, متوقفا عند بعض الحدود: فهو لا يعتقد في صواب الزعم بالقدرة علي دراسة النص الشعري دون التفات إلي الانسان: الذات والموضوع الشعري معا.
وكذلك الأمر بالنسبة للأسلوبية, عندما اجتهدت الدراسة في تفهم كون الكلمة في النص تدرك بوصفها كلمة, وليست مجرد بديل عن الشيء الذي تسمي به, أو مجرد مقابل انفعالي له. معترفا بالنجاح الذي حققته الأسلوبية, الأمر الذي لم يجعل من دراسة الكلمة وتركيبها ودلالة شكلها الداخلي والخارجي مجرد أمارات مختلفة من الواقع بل لها وزنها الخاص وقيمتها الخاصة بها سعيا لما يسمي بنحو الشعر, الذي لا يتفق حتما ـ في رأيه ـ مع نحو اللغة التقليدية, الذي ينبو ـ في غير حالة ـ عن الخطاب الشعري, ولا يكاد ينظر إلي اللغة باعتبارها كائنا, يمكن أن يعيش في الحياة اليومية, يأخذ من حيويتها, ويتلون بتلونها وينحرف عنها أيضا طلبا للمزيد من الحيوية.
من هنا تتوهج هذه الدراسة النقدية الجديدة لشعر ناجي بالتماعات ذكية تتعلق بالسمات اللافتة في خطاب ناجي الشعري, من استفهام ونداء, وينفتح المجال للحديث عن النموذج القديم للاستفهام المنطوق, والعدول عن هذا النموذج, والنداء في المطلع, والعدول عن النص القديم, وقوالب النداء وإنتاج الدلالة, فهناك نداء, ولا نداء, وهناك المنادي( بفتحة علي الدال), والمنادي( بكسرة تحت الدال), وهناك نداء الشكوي وقلة الرجاء, ونداء الدار, والنداء مع التكرار والتدويم, كل هذا يتناول في المبحث الأول من الكتاب وعنوانه الخطاب الشفوي قبل أن يتناول المبحث الثاني الخطاب النثري. أما المبحث الثالث فعنوانه عن الأنا وصمت الآخر فيما يأتي المبحث الرابع عن حوار التراث والحداثة, أما المبحث الخامس والأخير فيتناول حوار الغنائي والدرامي.
إن هذا العكوف المحتشد علي شعر إبراهيم ناجي في دواوينه الأربعة: وراء الغمام وليالي القاهرة والطائر الجارح وفي معبد الليل, يكشف عن اهتمام جاد بشعر ناجي من ناحية, وبالنهج النقدي للدكتور السيد فضل من ناحية أخري. وهو اهتمام يرشحه لمزيد من الفضاءات النقدية, يقتحمها, ويفسح لنا من رؤيته الكاشفة ما يكسبنا متعة الاكتشاف ولذة المتابعة, فضلا عن روح المحبة والتقدير لهذه الحلقة الجديدة في سلسلة إنجازاتها النقدية.

 

المزيد من مقالات فاروق شوشة<!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" /></a> <script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></script> AddThis Button END -->
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 133 مشاهدة
نشرت فى 10 إبريل 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,795,436