خطة سريعة لاستعادة تنشيط الاقتصاد المصري
بقلم:د‏.‏ رأفت رضوان


يبدو المشهد الاقتصادي المصري كلوحة سيرالية يصعب حل رموزها حيث تتداخل الألوان مع بعضها البعض بصورة غير مسبوقة وتجعل كل مافيها رماديا‏,‏ يراها البعض تميل الي الأبيض الناصع بينما يذهب البعض الآخر الي أن اللوحة يغلب عليها الأسود القاتم‏,‏ وتأتي صعوبة المشهد الاقتصادي.

 

نتيجة لارتباطه الوثيق بالمشهد السياسي الذي يمر بحالة من السيولة نفقد فيها ـ في المدي القصير ـ واحدا من أهم ركائز النمو الاقتصادي ألا وهو الاستقرار‏.‏
وإذ شهدت الساحة المصرية خلال السنوات الأخيرة تزاوجا شبه كامل بين المال والسياسة وبصورة جعلت نجوم المال والاقتصاد يشكلون أغلبية نجوم النظام السياسي‏,‏ ومع مؤشرات سقوط النظام السياسي‏,‏ بات السؤال عما سيحدث في النظام الاقتصادي مطروحا في الساحة وبقوة‏!‏
وإذ نحاول رسم ملامح لتحديات الاقتصاد المصري وتحديد مسار لحركته ـ ولو في المدي الزمني القصير ـ لتكون مدخلا لمساندة هذا المسار ودعمه في الاتجاه الأكثر إيجابية للمجتمع المصري بأكمله‏,‏ فإن ذلك يتطلب تحليلا لصورة هذا الاقتصاد قبل‏52‏ يناير للتعرف علي نقاط القوة والضعف فيه ثم نطرح الفرص والتحديات التي أفرزتها ثورة‏52‏ من يناير لتحديد التدخلات المثلي للاستفادة من الفرص ومواجهة التحديات‏.‏
أن مؤشرات اقتصادية ذات دلالة ـ حتي لو اختلفنا مع أساليب قياسها ومايشوب مصداقيتها من عوار ـ كانت تظهر أن الاقتصاد المصري يتحرك الي الأمام بخطوات بطيئة‏.‏ فعلي المستوي الكلي‏,‏ تشير الأرقام الي أن السنة المالية‏0102/9002‏ شهدت تحسنا في معدل النمو الحقيقي ليبلغ‏5,1%‏ مرتفعا عن العام الذي سبقه والذي تراجع فيه النمو ليصل الي‏4,7%.‏ وبالرغم من ذلك التحسن إلا أن معدل النمو جاء أقل من متوسط الأداء العام للاقتصادات الناشئة والتي بلغ متوسط نمو الناتج المحلي لها‏5,6%(‏ ناهيك عن الصين التي حققت‏01,3%‏ والهند التي حققت‏8,8%),‏ وهو مايعني أن الاقتصاد المصري كان بطيئا في استعادة معدلات النمو العالية‏.‏ أما بالنسبة لسوق الصرف فقد تراجع الجنيه المصري بنسبة‏1,7%‏ خلال عام وانخفض أمام الدولار من‏5,95‏ جنيه للدولار الي‏5,96‏ جنيه للدولار‏.‏
الدين المحلي ارتفع خلال العام السابق بنحو‏331‏ مليار جنيه ليصل الي‏888,7‏ مليار جنيه في يونيو‏0102‏ أو مانسبته‏37,7%‏ من الناتج المحلي الاجمالي وهو مايعكس بوادر أزمة حقيقية خصوصا إذا وضعنا في الاعتبار أن هذه الأرقام تحتاج دائما للمراجعة وتثار بشأنها تساؤلات كثيرة‏(‏ راجع الأزمة اليونانية‏),‏ ومع تزايد هذا الدين فقد أصبح عبء خدمة الدين المحلي بالموازنة هو بند الانفاق الأول حيث بلغ‏78,9‏ مليار جنيه في موازنة‏0102/9002,‏ وطبقا لذلك فقد ارتفعت نسبة أعباء خدمة الدين العام المحلي بالموازنة العامة الي الناتج المحلي الاجمالي لتبلغ‏7,3%‏ وأصبحت تمثل حوالي‏33,5%‏ من إجمالي الايرادات العامة‏,‏ كما ارتفع رصيد الدين الخارجي خلال العام بنحو‏2,2‏ مليار دولار ليصل لي‏33,7‏ مليار دولار‏,‏ كما تزايد عجز الموازنة وجاوز حد الـ‏001‏ مليار جنيه ليصنع اشكالية حقيقية تواجه تعظيم دور الحكومة في تحقيق التنمية في المرحلة القادمة‏.‏
المؤشرات الاجتماعية تضاربت فيها الأرقام بصورة عكست حقيقة أن النظام قد فقد القدرة علي الاحساس بآلام الناس ومعاناتهم واستغرق جهوده في مشروعات شكلية يحاول من خلالها تجميل صورة تزداد بشاعتها‏.‏
وهكذا فإن الصورة قبل‏52‏ يناير كانت تبدو وأنها تمضي في إتجاه تصاعدي اقتصادي لصالح جماعة المصالح وتمضي في اتجاه سلبي لباقي الشعب وكأننا كنا نعيش في دولتين مختلفتين‏!‏ ثم انفجرت الدنيا وانقطعت الصلة بين كل ماكان وبين مايمكن أن يكون‏!‏
بعد الثورة‏,‏ يشهد الاقتصاد المصري تحديات بعضها مرتبط بأحداث الثورة وبعضها ذو طبيعة مرتبطة بالاقتصاد العالمي تزيد من حدة الاثار الناجمة عن الشأن الداخلي‏,‏ وأكبر التحديات الخارجية في الوقت الراهن هو الارتفاع الكبير في أسعار السلع الغذائية لمستويات قياسية‏,‏ هذا بالاضافة الي الضغوط الناتجة عن انتشار الثورة في المنطقة وماقد يؤدي له ذلك من تراجع في تحويلات المصريين العاملين في الخارج أو رجوع مئات الآلاف منهم‏.‏
أما أهم التحديات المرتبطة بأحداث الثورة فهي تتضمن تعطل عجلة الانتاج جزئيا نتيجة الاضرابات العمالية وقلق رجال الأعمال‏,‏ زيادة عجز الموازنة العامة نتيجة لتراجع الايرادات الحكومية مع زيادة الانفاق غير الاستثماري لتحقيق بعض المطالب الفئوية‏,‏ تراجع الاستثمار الخاص وانحسار الاستثمارات الأجنبية المباشرة في ظل خفض تصنيفات الاقتصاد المصري مع صعوبة زيادة الاستثمارات العامة‏,‏ الأثر السلبي علي البورصة‏,‏ الضغوط الهائلة علي سوق الصرف‏,‏ الانخفاض الكبير في مصادر ميزان المدفوعات‏,‏ الآثار السلبية علي المنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر نتيجة لتراجع الاستهلاك‏.‏
علي جانب الفرص المتاحة للاقتصاد المصري والتي ربما بالرغم من قلتها قد تتيح للاقتصاد المصري قدرات تدفعه للحركة للأمام بصورة أكثر إيجابية وسرعة‏,‏ وأهم تلك الفرص هي استعادة الاقتصاد الجزء الأكبر من تكلفة الفساد وتوظيفها للتنمية الحقيقية والتي تقدر في بعض الدراسات الدولية من‏1%‏ الي‏2%‏ من حجم الناتج المحلي الاجمالي‏(‏ مايعادل من‏21‏ الي‏42‏ مليار جنيه‏),‏ تحسين تنافسية الاقتصاد المصري من خلال تقليل تكلفة ممارسة الأعمال نتيجة تراجع معدلات الفساد المؤسسي‏,‏ تحسن مستويات الأداء الكلي للاقتصاد نتيجة التطبيق الحاسم لقواعد الحوكمة الجيدة من شفافية وإفصاح عن المعلومات ومساءلة‏,‏ استرداد بعض الأموال المنهوبة طواعية في المدي القصير وجزء مناسب في المدي المتوسط والطويل عبر الاجراءات القانونية المعقدة نوعا ما‏,‏ احتمالات الدعم الدولي للاقتصاد المصري وبالأخص من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وصندوق النقد‏.‏
في إطار ماتم طرحه من فرص وتحديات للاقتصاد المصري يمكن طرح محاور مبدئية لتنشيط الاقتصاد المصري في المرحلة القادمة تتضمن تنفيذ خطة تحفيز مالي جديدة لتنشيط حركة التعامل في السوق تضع في اعتبارها تقليل الاعتماد علي إصدار أذون خزانة وبالأخص قصير الأجل أو إصدار سندات عالية الفوائد والاعتماد علي الاستفادة من مدخرات القطاع المصرفي‏,‏ مواجهة حركة الأموال الساخنة والاستفادة بالتجربة الماليزية إبان الأزمة المالية في دول جنوب شرق آسيا في التسعينيات‏,‏ التركيز علي القطاعات كثيفة العمالة خاصة المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر والقطاعات الأكثر تشابكا مع قطاعات أخري يتزايد فيها دور المكون المحلي‏(‏ القطاع الزراعي وقطاع التشييد والبناء‏),‏ احتواء التضخم من خلال تعبئة المزيد من مدخرات القطاع العائلي‏,‏ سرعة تحصيل الديون الحكومية المستحقة لدي الغير وإعادة جزء كبير من الأموال التي تم تهريبها للخارج‏,‏ السعي للاستفادة من الصورة الأيجابية للثورة لدي الدول الديمقراطية والمؤسسات الدولية لتبني مشروع دوليلدعم ومساندة الاقتصاد المصري‏.‏

 

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 189 مشاهدة
نشرت فى 20 مارس 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,794,258