تزكية النفوس من مقاصد البعثة النبوية (٢)

  بقلم   أ.د. مبروك عطية    ٤/ ٢/ ٢٠١١

مما لم يعن به الخطاب الدينى فى هذه الأيام، الذى تبوأ عرشه جماعة من الهواة لا من العلماء، قضية تزكية النفوس، باعتبار أنها من مقاصد البعثة النبوية الشريفة، وليست من قبيل الإتيكيت والهوامش وما يطلق عليه الآداب الإسلامية العامة، هذا التعبير الذى يوهم بأنها من الهوامش لا المتون، ومن النوافل لا من الأركان، والدليل على أن تزكية النفوس من مقاصد البعثة النبوية قول الله ـ تعالى ـ فى أكثر من آية «يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة»، ومعنى يزكيهم: يطهرهم، ويجعل نفوسهم راقية تصل إلى معنى الإنسانية الحق، وتجاوز الحيوانية الكامنة فى كل نفس بلا شك،

 وهذه التزكية التى هى من مقاصد البعثة النبوية قائمة على أسس وعناصر، ذكرها ربنا تعالى فى الكتاب العزيز، وترجمتها السيرة النبوية العطرة خير ترجمة تشهد بأنها واقع، وأنها دين وأنها قربان إلى الله ورسوله، ومن أهم تلك الأسس والمعالم التى تزكى النفوس الرحمة لا القسوة، قال الله ـ تعالى : «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، وأول الكتاب الكريم الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه آية الفاتحة الأولى وهى «بسم الله الرحمن الرحيم» وفى الحديث: «كل أمر ذى بال لا يُبدأ فيه باسم الله فهو أبتر» والذى يستحق التوقف عنده أنه ليس من المعقول أن يبدأ المسلم أموره المعتبرة ذات الشأن فى الدين والدنيا باسم الله الرحمن الرحيم ثم يقول ما لا يرضى الرحمن الرحيم، ويفعل بخلاف ما قاله، إنه يبدأ بالقول النابع عن يقينه والممتد فى فعله رحمة لا قسوة، وليناً لا غلظة، وتسامحاً لا شدة، وجمالاً لا قبحاً، ومودة لا جفاوة، وبراً لا جحوداً، وتماماً لا نقصاً، ووفاء لا غدراً، وأمانة لا خيانة، وليس من قبيل من يسمى الله وهو غافل عن تعاليم الله، ومن يصلى على النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو بعيد عن سنة النبى والمعهود منه خلقاً وشمائل ومكارم، وله فيه الأسوة الحسنة: «لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً»، فتلك المفارقة بين القول والعمل هى ركن أركان التخلف عن منهج الله القائل «يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون. كبر مقتاً عند الله أنتقولوا ما لا تفعلون».

وفى سياق الرحمة نرى النبى ــ صلى الله عليه وسلم ــ وقد وجّهه ربه تعالى إليها، إذ بها أرسله للعالمين، فهو يغدق برحمته على المسلم وغير المسلم، بل على الحيوان، وقد عبر عن عدم تقبيل الرجل صغيره بانتزاع الرحمة من قلبه، فقد دخل عليه رجل وهو ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقبّل الحسن والحسين فقال له: أو تقبلون صبيانكم؟ قال: نعم، قال إن لى عشرة من الأولاد ما قبّلت واحداً منهم، فقال ــ صلى الله عليه وسلم ــ فيما روى البخارى: «وهل أملك وقد نزعت الرحمة من قلبك»، ومن البيان أن تقول: إن العبرة ليست فى مجرد وضع القبلات على جبين طفل أو غيره، وإنما العبرة بما وراء هذه القبلة من عطاء وحفظ ورعاية، فهى ترجمة ليس بالضرورة أن تكون وإنما الضرورة فيما وراءها من مقتضاها،

 ألست ترى الآن موجات من القبلات ليس وراءها إلا سواد القلوب، والعداء المستحكم وإرادة السوء والشر بمن نقبله، فهل هذه رحمة، أم أنها بريد ونذير لما لا يمكن تصوره، إنها غلاف تهنئة إذا فتحته وجدت نعياً، ورسول مودة إذا استمعت إليه نطق بالعداوة، فالرحمة المحمدية التى تبنى عليها تزكية النفوس فى هذا الدين رحمة الظاهر والباطن، فإن قبلت أحداً سبق تقبيل قلبك صنع شفتيك، فأنت تعبر عما فى قلبك من رحمة به بهذه الطريقة الملموسة المحسوسة التى أردت أن تكون دليلاً على ما فى قلبك من رحمة، وبرهاناً وترجمة سريعة لما لا يُرى، وإنما دلت عليه هذه القبلة لا التى هى فرقعة من فم ووراءها ما لا يعلمه إلا الله من غم وهم، فهذه من العمى، والإسلام يعالج العمى.

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 344 مشاهدة
نشرت فى 4 فبراير 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,791,617