كهرباء في عصر الفراعنة‏!‏
بقلم: عبده مباشر


قال الطالب النجيب في رده علي السؤال‏,‏ إن الفرعون المصري قد اهتم بتوصيل الكهرباء‏,‏ وقال زميله إن الحيثيين واجهوا الهزيمة أمام قوات رمسيس الثاني لأن دباباتهم كانت غير منظمة‏.‏

 

هذان نموذجان لإجابات طلبة أنهوا مرحلة الدراسة الثانوية ووصلوا إلي المرحلة الجامعية‏,‏ بعدها سينضمون إلي طابور طويل جدا من الخريجين الذين أنهوا دراساتهم دون أن يتلقوا تعليما حقيقيا‏,‏ وإلا ما خطر بذهن هذا الطالب أن الفراعنة قد عرفوا الكهرباء أو زميله الذي استقر في ذهنه أن الحيثيين وهم يواجهون جيش الفرعون رمسيس الثاني قد استخدموا الدبابات‏.‏
والفاجعة أن الأغلبية الساحقة من الخريجين الذين تلقوا العلم بالمدارس والجامعات المصرية علي هذا المستوي البالغ التردي‏.‏
وإذا كانت هذه هي صورة الخريج الحالي‏,‏ فإن الذين سبقوه كانت حالهم علي نفس القدر من السوء‏.‏ ومما يذكر في هذا المجال أن أحد المتقدمين للعمل بالإذاعة في سبعينيات القرن الماضي أجاب علي سؤال عن الدولة المسيحية بين الدول العربية بقوله إنها اسرائيل وقالت زميلته الأكثر نجابة إنها الحبشة‏.‏ وهكذا‏,‏ اعتبر الأول أن اسرائيل دولة عربية وأكدت زميلته أن الحبشة دولة عربية تدين بالمسيحية‏.‏
هذا الانهيار الذي اعترف به الجميع مؤخرا‏,‏ لم يحدث فجأة‏,‏ بل منذ أكثر من نصف قرن‏.‏ وتواصل الانهيار علي مرأي من الجميع دون أن يتحرك مسئول واحد لمواجهة الأمر بما يستحقه من جدية‏.‏
والويل لمصر ككل من هذه الأجيال من المتعلمين الذين سيتربعون علي مقاعد المسئولية بعد رحيل من سبقوهم‏.‏
ولكن المخرج المتاح أن يحتل القمة من تلقوا تعليمهم في الجامعات غير الحكومية والمدارس الأجنبية في مصر‏.‏ ويسلم الكل أن هؤلاء تلقوا تعليما متميزا‏.‏ ومن الممكن أن ينضم لهؤلاء من تلقوا تعليمهم أو واصلوا تعليمهم بالخارج للحصول علي درجات علمية أعلي وعدد من أصحاب الذكاء والكفاءة والارادة الذين تخرجوا في الجامعات الحكومية‏,‏ ولكن بذلوا جهدا للخروج من شرنقة الجهل ونقص المعارف التي وجدوا أنفسهم عليها‏,‏ واكتشفوا أنها لن تساعدهم علي تحقيق طموحاتهم ويدرك الجميع أن نقص الموارد المالية حاليا هو السبب الرئيسي في استمرار العجز وعدم القدرة علي وقف هذا الانهيار‏.‏ فالموارد المتاحة لايمكن أن تكفي كل ماهو مطلوب للعلاج‏.‏ وباختصار وبساطة‏,‏ فإن خطوات العلاج تتطلب‏:‏
‏<‏ بناء مدارس وجامعات عصرية تتسع للأعداد المطلوبة وفقا للمعايير العالمية ويتوافر بها المعامل والملاعب والمكتبات والحدائق والوحدات الطبية ومناطق الترفيه الملائمة والاجهزة والمعدات التي لاغني عنها‏.‏
‏<‏ مناهج دراسية ونظم للدراسة تتفق مع ماهو موجود في العالم وتحقق الهدف المطلوب من التعليم‏.‏
‏<‏ تحديد أهداف التعليم بشكل واضح مع الاسترشاد بالدول المتقدمة واحتياجات مصر‏.‏
‏<‏ إعداد وتأهيل المدرسين والأساتذة علميا داخليا وخارجيا للخروج من هذه السبهللة الموجودة حاليا والتي استمرت طويلا‏.‏
‏<‏ توفير الدخول المادية التي تكفل للمدرسين والأساتذة الحياة الكريمة‏.‏
‏<‏ الخروج من مستنقع النظرة السياسية للتعليم التي فرضت علي الجميع سياسة استيعاب هذه الأعداد الكبيرة مع علمهم بأن هذه الأعداد لن تحصل علي تعليم‏,‏ وإن كانت ستحصل علي شهادات تفيد بأنهم خريجون جامعيون‏.‏
‏<‏ التحول من التعليم الكمي إلي التعليم الكيفي‏,‏ فالدول لاتتقدم إلا استنادا إلي ارتفاع مستوي الخريجين‏,‏ أما جيوش الجهل فلا حاجة لها‏.‏ وهذا يفرض سياسة مرنة للتعليم توازن بين مختلف الاعتبارات‏.‏
‏<‏ تشجيع الدراسة بالمعاهد والمدارس والمراكز الدراسية الفنية‏,‏ وتوفير فرص التدريب العملي بمراكز الإنتاج‏.‏ وهذا يتطلب مناقشة مجتمعية واسعة لمناقشة الأبعاد النفسية والاجتماعة لمثل هذا التحول‏.‏ ومن المهم التركيز علي مستويات الدخول التي تتحقق للخريجين مع فتح الأبواب أمامهم لاستكمال دراستهم الجامعية في أي وقت يختارونه إذا ما أرادوا ذلك‏.‏
‏<‏ الارتقاء بالمستوي الإداري للمدارس والجامعات وتوفير الأعداد الكافية المؤهلة من المديرين الأكفاء‏.‏
‏<‏ توفير التمويل الكافي للبحث العلمي‏,‏ فالجامعات لا تحتل مراكزها المتقدمة عالميا إلا استنادا إلي عدد العلماء الذين فازوا بجوائز عالمية وفي مقدمتها نوبل‏,‏ وعدد البحوث العلمية المنشورة سنويا‏.‏
ومع عظيم الاحترام لكل ما يبذله الوزير الحالي الدكتور أحمد زكي بدر للقضاء علي الفساد الذي عشش طويلا في أركان الوزارة والحد من التسيب وفرض القدر المعقول من الانضباط‏,‏ إلا أن كل ذلك وإن حقق الهدف منه فإنه لن يمثل تطويرا للتعليم‏.‏ وسواء صدر قانون جديد أو عشرة قوانين جديدة للتعليم الجامعي وما قبل الجامعي‏,‏ فإن الحال لن يتغير كثيرا‏,‏ إذا لم تتوافر الموارد الكافية للوفاء بمتطلبات التطوير وهي معروفة ومكتوبة منذ سنوات‏.‏
وإذا كان الناس يتحسبون ويتخوفون من الاقتراب من مجانية التعليم‏,‏ ويرون فيها إنصافا لتعليم أبناء الفقراء‏,‏ فإنهم يدفعون المليارات من الجنيهات سنويا للدروس الخصوصية رغم علمهم أن فلذات أكبادهم لن يتعلموا شيئا‏,‏ وأنهم في النهاية سيقولون إن الفراعنة اهتموا بتوصيل الكهرباء وأن إسرائيل دولة عربية‏.‏
وهنا يجب أن نشير إلي أن من يرغب في الالتحاق بالجامعة في الولايات المتحدة فإنه يقترض من البنك سنويا ما يقرب من‏50‏ ألف دولار علي أن يسدد ما اقترضه بعد تخرجه وعمله‏.‏ والكل يعلم أن الدراسة الجامعية مكلفة فمن أراد ولم يكن لديه ما يكفي من الدخل فإنه يطرق باب البنوك التي تيسر له الحصول علي المبالغ المطلوبة طوال فترة دراسته‏.‏ أي أن توفير تكاليف الدراسة مسئولية الطالب وليست مسئولية الدولة أو الجامعة‏.‏
ويجب أن تشير أيضا إلي أن الصين الشيوعية ألغت منذ سنوات مجانية التعليم‏,‏ وعلي من يتطلع لإكمال تعليمه أن يتحمل تبعات هذا القرار‏,‏ ولا أظن أن أحدا في مصر يكره مجانية التعليم أو يعاديها ولكن بشرط أن تكون ميزانية الدولة مؤهلة لمثل هذا الدور‏,‏ لكي يكون هناك تعليم‏,‏ أما والحال كذلك‏,‏ فلا مجانية هناك ولا يحزنون‏,‏ كل ما هناك انهيار يتواصل‏,‏ ودخان من الكلمات والتصريحات حول التطوير والعلاج وحالة دائمة من العجز وافتقاد القدرة علي اقتحام المشكلة وحلها حلولا جذرية

 

المزيد من مقالات عبده مباشر
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 222 مشاهدة
نشرت فى 28 نوفمبر 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,795,584