علاقة النفس بالروح
بقلم : د. صلاح علي سند
اختلف المفكرون والفلاسفة وعلماء الدين في تحديد علاقة النفس بالروح, فالغيبيات تسمو فوق الفكر الإنساني ولا يعلمها إلا الله عز و جل. وبرغم ما يعتبره الكثيرون سفسطة لا طائل من ورائها فالإنسان بطبعه شغوف بمحاولة فهم حقيقة ذاته. وفيما يلي أهم الآراء في هذا الشأن:
الرأي الأول: الروح والنفس اسمان مترادفان لمعني واحد, و قد ذكر هذا الرأي ابن رشد و ابن حزم وابن القيم و ابن حجر العسقلاني. والدليل علي ذلك إطلاق القرآن الكريم والحديث الشريف كلمتي الروح والنفس بذات المعني في ذات المواقف, منها إطلاق القرآن الكريم لفظ' النفس' علي الملكة التي تقبض وترجع أثناء النوم' الله يتوفي الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضي عليها الموت ويرسل الأخري إلي أجل مسمي'( الزمر:42), بينما سماها الرسول عليه الصلاة والسلام' روحا' وذلك في قصة نومه وأصحابه وهم راجعون من غزوة خيبر عند صلاة الصبح حتي طلعت الشمس, ولما استيقظوا قال الرسول عليه الصلاة والسلام:'إن الله قبض أرواحكم حين شاء وردها حين شاء'( البخاري7471). ولكن لا يستقيم كون الروح والنفس شيئا واحدا مع إعلاء شأن الروح بإضافتها إلي ذات الله بقوله سبحانه وتعالي:' نفخت فيه من روحي'( ص:72) وهي إضافة تكريم ورفعة, بينما توصف النفس أحيانا بالأمارة بالسوء' إن النفس لأمارة بالسوء'( يوسف:53), وبالنفس الخبيثة في الحديث الشريف عند قبضها من جسد الكافر.
الرأي الثاني: النفس غير الروح. وبرغم تماثلهما في جوهرهما اللامادي فهما يختلفان في طبعهما, فالروح هي المدخل لعالم الفضيلة وهي تأنس بالأعمال الصالحة والتقرب من الله عز وجل بينما النفس هي المدخل لعالم الرذيلة وهي توسوس بالشر وهي التي تحاسب علي ما تعمل من حسنة أو سيئة وممن قال بهذا الرأي أبو حامد الغزالي والعقاد وأ.د. أحمد شوقي إبراهيم. ولكن من أين أتت هذه النفس التي لم يذكرها الله عز وجل في مراحل خلق الإنسان؟ فالله عز وجل خلق الإنسان من عنصرين اثنين فقط أحدهما عنصر مادي و هو الطين و الثاني عنصر لامادي وهو الروح' و إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين فإذا سويته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين'( ص:72,71).
الرأي الثالث: النفس هي الروح والجسد معا, ولذلك يسمي الإنسان نفسا. ولكن لا يصح هذا الرأي مع قول القرآن الكريم والحديث الشريف بخروج النفس من الجسد عند النوم وعند الموت ويظل الجسد.
الرأي الرابع: الروح تسمي نفسا بعد نفخها في الجسد واتصالها به, وقد نقل هذا الرأي ابن كثير عن السهيلي. ونري أن هذا الرأي الأخير أصوب الآراء, والدليل عليه الحديث الشريف الذي رواه البراء بن عازب عن قبض الأرواح وصعودها إلي بين يدي الله عز و جل ثم رجوعها إلي القبر, إذ يقول الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام:' إذا كان العبد المؤمن في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة... يجئ ملك الموت حتي يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلي مغفرة من الله ورضوان فتخرج...فتصعد بها الملائكة فلا يمرون علي ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الطيب؟...وبعد أن تصعد إلي بين يدي الله عز وجل تعاد روحه إلي جسده.' وفي هذا الحديث إطلاق لفظ النفس أثناء وجودها داخل الجسد ثم لفظ الروح بعد قبضها. وأيضا إذا تأملنا آيات القرآن الكريم فهي روح قبل أن تنفخ في الجسد' نفخت فيه من روحي'( ص:72), بينما هي نفس عند خروجها من داخل الجسد' و لو تري إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم'( الأنعام:93). وإطلاق كلمة النفس علي الروح عند وجودها داخل الجسد يشير إلي مسار دخول الروح للجسد و مغادرتها له مع مسار النفس, ففي الحديث الشريف' لما نفخ في آدم فبلغ الروح رأسه عطس فقال:الحمد لله, فقال له ربه: يرحمك الله'( الحاكم وابن حبان) والمعروف طبيا أن العطس يحدث بسبب تهيج الغشاء المخاطي المبطن للأنف, وعند خروج الروح فهي تخرج من الحلقوم الذي هو أيضا مسار النفس كما ورد في لسان العرب. ولما كانت أسماء الأشياء هي صفاتها فإن كلمة الروح تدل علي السعة و اللاقيد فهي قريبة جدا أو مشتقة من الريح بدليل وصف دخولها للجسد بالنفخ. بينما تشير كلمة النفس إلي الضيق فيقال نفس عليه بالشئ أي ضن به, كما تشير إلي كثرة الحركة من تنفس الشئ إذا خرج لكثرة خروجها و دخولها في البدن أثناء النوم, ولتقلب طباعها بين النفس الأمارة بالسوء واللوامة والمطمئنة, ونفس الشئ هو ذاته وعينه وحقيقته فالروح بعد اتصالها بالجسد وتأثرها به أصبحت هي ذات الإنسان الحقيقية. وبما أن الجسد هو آلة الحياة الدنيا المادية وهوالسيد فيها فالروح بعد نفخها في الجسد الطيني الشهواني وتأثرها به لم تعد هي ذات الروح العلوية السامية وإنما تحولت لنفس مقيدة داخل الجسد ولذلك يجوز وصفها بالذم والمدح حسب أحوالها المختلفة.
ويتبقي في الذات الإنسانية ملكة لامادية أخري لفت إليها الأنظار أ.د. أحمد شوقي إبراهيم, سماها العقل و قد أشار إليها المولي عز و جل في قوله:'وأما من خاف مقام ربه ونهي النفس عن الهوي'( النازعات:40) فالعقل هو الذي ينهي النفس عن الهوي ويرشدها إلي طريق الصواب ولما كان عقل الإنسان قاصرا فالله عز وجل يرسل رسلا لإرشاد العقول والنفوس. ولكن من أين أتي هذا العقل؟ يجيب القرآن الكريم عن هذا السؤال بأن نفخ الروح هو الذي يكسب الإنسان العقل المفكر وهذا نفهمه من الآيات التي تعلل سجود الملائكة والكون كله للإنسان, مرة بسبب نفخ الروح فيه( ص:72) والمرة الأخري بسبب تعليمه الأسماء وجعله خليفة( البقرة:30-34), وتعلم الأسماء معناه استخدامه العقل في اختزان واشتقاق أسماء الأشياء والمعارف في ذاكرته ثم استرجاعها وإضافة بعضها إلي بعض فيبتكر اللغة التي يتفاهم بها مع أقرانه والأجيال التالية والأدوات التي يعمر بها الأرض وبربط هذه الآيات ببعضها نستنتج أن الروح هي التي جعلت الإنسان خليفة بإعطائه العقل المفكر. ونختم فنقول بأن الإنسان خلق من جسد وروح, وبعد نفخ الروح أصبحت الذات الإنسانية جسدا ونفسا وعقلا.
ساحة النقاش