د. مبروك عطية يكتب: الإسلام وعلاج العمى .. «واعلموا أن فيكم رسول الله» ٢٢/ ١٠/ ٢٠١٠ |
سوف يجمعنا أكثر من مقال إن شاء الله مع أسرار التعبير بـ«فى» فى القرآن الكريم، لأن خلاصة هذه المقالات تنتهى عند حقيقة تثبت بالدليل أننا فى حاجة إلى رفع العمى، وأود أن أبدأ بقول الله عز وجل: «واعلموا أن فيكم رسول الله».. جاء التعبير بحرف الجر «فى» هنا، وفى غير هذه الآية، وهذا الحرف فى أصل معناه يدل على الظرفية، وقد قال تعالى على لسان خليل الله إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام: «ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم» والله تعالى يقول: «لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته»، فكيف تتصور نفسك وفيها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ كان فيهم رسول الله قلباً وقالباً، فهو فيهم، أى هم ظرف له ومحل، يدافعون عنه وينصرونه ويأكلون أيديهم بيده الشريفة، وهم كما قال الله تعالى: «ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه»، كان أحب إليهم من أنفسهم وأهليهم، وقد رأوا الدنيا بعينيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما جاء فى الصحيح عن أنس ـ رضى الله عنه ـ «حين قدم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المدينة أضاء كل ما فيها، ويوم مات ـ صلى الله عليه وسلم ـ أظلم كل ما فيها» ونحن وغيرنا إلى يوم الدين فينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أى فينا هديه ودينه وسنته الغراء، وفرق كبير بين أن يكون رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيك، وأن يكون معك، وإن كان للمعية بهاؤها وجمالها إلا أنها قد تتخلف، قد يفرقك عن إنسان معك فارق، كجدار مثلاً، أو سيارة فى الطريق فرقت بينك وبينه ولو لدقيقة واحدة من زمان، لكن إذا كان فيك فكيف يفصل شيئاً فيك أى فاصل، ومعنى أن يكون فينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أننا نرى الدنيا بعينيه، ونمشى فيها بنوره وهديه، ونحكم بحكمه، ونتوجه ونوجه بإرشاده، انظر إلى صورة ذلك الرجل إن رأته عيناك، واحكم بأن فيه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا رأيته يمشى على الأرض هونا ويقابل الإساءة بإحسان، ويصل من قطعه، ويعفو عمن ظلمه، ويعطى من حرمه، لا ينتقم لنفسه وإنما يغضب إذا انتهكت حرمات الله، يبتسم فى وجوه الناس، ويجلس حيث ينتهى به المجلس، ويوقر الكبير، ويرحم الصغير، يسأل عن المريض، ولا يجادل، ويقدر ظروف الناس، وبيئاتهم وأعرافهم، يتصف بالحلم، وحسن الخلق، فلا ينهر سائلاً، ولا يقهر يتيماً فضلاً عن أكل ماله، ولا يسىء جواراً، ولا يعنف مخطئاً، ولا يفضح إذا نصح، ولا يغتر إذا كثر ماله، ولا ييأس من رحمة ربه، ولا يؤذى جاره، ولا يخزى من قصده، يجيب دعوة من دعاه، ويكرم من جافاه، ويشكر نعمة الله، يسأل الله حسن العاقبة فى كل الأمور، ويستعيذ بالله من الظلم، فالظلم ظلمات يوم القيامة، وهو خير الناس لأهله، وأقاربه أولى بمعروفه، وهو فى خدمة أهله، قليل الكلام، عظيم الفعال، يحرص على ما ينفعه بحلال، ويفر مما يضره من حرام، وهذا ديدنه، وتلك سجيته، قل إن هذا الرجل فيه رسول الله، أى الذى تراه يقيم الدين لا الذى تراه مستغرقاً فى عبادة بلا أثر ولا روح، وفرق كبير بين أن يكون الدين حياة، وأن يكون حالة، فإن عشنا الدين حياة كان فينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإن عشنا الدين حالة، فى المولد، وفى رجب، وفى رمضان، وفى مناسبات بعينها فنحن بعيدون عن هذا المعنى الذى يؤدى إلى استمرار الجمال، لا المعنى المحصور فى المناسبة التى يتأجج فيها الشعور بالدين ثم ينطفئ بعد مرورها حتى تحل مناسبة جديدة. |
ساحة النقاش