الاسلام المسيحية والوحدة الوطنية
بقلم : د‏.‏ جمال إسماعيل الطحاوي


حوارات معاصرةأشعر باستغراب ودهشة شديدين لوجود توترات بين وقت وآخر بين المسلمين والمسيحيين في مصر‏,

 

‏ فهذا كذب وافتراء علي الديانتين السماويتين‏,‏ فالقواسم المشتركة بينهما كبيرة‏,‏ والمواقف التاريخية والمقولات المشرفة وما شهده التاريخ الإسلامي من الحرص الشديد علي ترسيخ دعائم الوحدة الوطنية منذ أكثر من‏1400‏ عام يفرض علي أبناء مصر جميعا أن يكونوا علي قلب رجل واحد‏.‏
فلقد صاغ فقهاء الإسلام قاعدة فقهية مهمة في شأن غير المسلمين تنص علي تركهم وما يدينون‏.‏ وفي شأن المعاملات قولهم لهم ما لنا وعليهم ما علينا‏,‏ وبناء علي هذه القاعدة فإن غير المسلمين في المجتمع الإسلامي قد منحوا الحرية والأمان في أن يمارسوا شعائر دينهم ويقول ابن حزم في كتابه الأخلاق والسير‏(‏ ثق بالمتدين ولو كان علي غير دينك ولا تثق بغير المتدين ولو كان علي دينك‏).‏
وللمسيحية مكانة خاصة ومتميزة في الإسلام لإيمانه المطلق بمعجزة ميلاد السيد المسيح من روح الله وكلمته التي أنزلها علي مريم البتول‏,‏ وترجم ذلك بجعل يوم السابع من شهر يناير عطلة رسمية للدولة تكريما للإخوة المسيحيين‏,‏ وأصبح يوما يحتفل به كل أبناء مصر من المسلمين والمسيحيين‏,‏ وسمح الإسلام بزواج المسلم من المسيحية مع حقها في الاحتفاظ بدينها‏,‏ بينما حرم زواج المشركة قبل أن تعلن إسلامها‏.‏
ويصف القرآن الكريم أهل المسيحية أتباع عيسي بأنهم أقرب الناس مودة للمسلمين ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصاري ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون‏(‏ المائدة‏:82).‏
والتاريخ الإسلامي يسجل حرص الإسلام علي ترسيخ دعائم الوحدة الوطنية‏,‏ فحين هاجر رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي المدينة المنورة أقام أول وحدة وطنية في العالم مع يهود المدينة وكانت تسمي ميثاق المدينة أو صحيفة المدينة وبموجبها أعطي لليهود حق المواطنة وأعطاهم كل الحقوق مثل إخوانهم المسلمين‏.‏ كما نص الميثاق علي أنه إذا وقع اعتاد علي المدينة يهب الجميع للدفاع عنها واستمسك الرسول بالعهد لكن اليهود خانوا العهد‏.‏
وعندما استقبل الرسول وفد نصاري نجران في المدينة المنورة‏(10‏ هـ ـ‏631‏ م‏)‏ فتح لهم باب المسجد النبوي وسمح لهم بالصلاة فيه وكتب لهم عهدا يحقق المواطنة الكاملة في ظل الدولة الإسلامية‏.‏
ولقد أوصي الخليفة عمر بن الخطاب وهو علي فراش الموت بحسن معاملة أهل الذمة‏,‏ فقد جاء في كتاب الخراج ليحيي بن آدم‏(‏ وصيته بأهل الذمة خيرا وأن يوفي لهم بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم وألا يكلفهم فوق طاقتهم‏).‏
ويسجل خطاب رسول الله صلي الله عليه وسلم لمقوقس مصر وثيقة مهمة تؤكد حرص الإسلام علي حق الآخر في الاختيار وفي حرية العقيدة‏,‏ وعندما جاء عمرو بن العاص إلي مصر واستقبله المقوقس عظيم القبط وقال له ما جئنا لنحاربكم في دين أو عقيدة ولكن جئنا لنحميكم من ظلم الرومان وكانت النتيجة تعاون أقباط مصر مع جيش المسلمين للتخلص من بطش وجبروت الرومان‏,‏ ودعا عمرو بن العاص الأب بنيامين بطريرك الأقباط للعودة إلي مصر بعد فراره من ظلم الرومان لمدة ثلاثة عشر عاما لإدارة شئون الأقباط في أمن وأمان بل اتخذه مستشارا له في بناء مصر وإعمارها‏,‏ وهذه بعض المواقف البسيطة التي تؤكد جليا اعتراف الإسلام بالآخر وحقوقه‏.‏
وعلي الجانب الآخر نشير إلي بعض المقولات المأثورة التي تدعم الوحدة الوطنية في مصرنا من أصحاب فكر مستنير مسيحيين وغير مسيحيين‏.‏ فيقول الأنبا موسي أسقف الشباب بالكنيسة الأرثوذكسية المصرية نحن أقباط مصر لا نشعر بأننا أقلية فليس بيننا وبين إخواننا المسلمين فرق عرقي‏(‏ إثني‏)‏ لأننا مصريون يجري فينا دم واحد من أيام الفراعنة‏,‏ والثقافة الإسلامية هي السائدة الآن وأي قبطي يحمل في الكثير من أحاديثه تعبيرات إسلامية فيتحدث ببساطة ودون شعور بأنها دخيلة بل هي جزء من مكوناته‏.‏
ونشيد بالمقولة الشهيرة للزعيم الوطني القبطي مكرم عبيد أنا قبطي دينا ومسلم وطنا‏.‏
وهذا اللورد كرومر يقول في كتابه‏(‏ مصر الجميلة‏)‏ مصر المحروسة المسلم والمسيحي مواطنان الأول يتعبد في المسجد والثاني يتعبد في الكنيسة وأن الاختلاف الديني لا يصنع تميزا أبدا بين أبناء مصر‏.‏
وما أروع مقولة قداسة البابا شنودة مصر وطن يعيش فينا وليست وطنا نعيش فيه‏.‏
إذن نقول لدعاة الفتنة الطائفية والمتربصين باستقرار مصر إن مصر لكل المصريين مسلمين ومسيحيين وأنها وطن للجميع‏,‏ فهي ليست العراق التي تشهد صراعا بين مختلف طوائفه لا نعلم متي ينتهي؟ وليست لبنان التي شهدت حربا طائفية أكثر من عشر سنوات وما زالت تشهد توترات تقوي وتضعف بين مختلف الطوائف بها‏.‏
فتاريخ مصر عبر العصور المختلفة الوحدة والتكامل بين الجميع وغلبة وسيادة روح التسامح الاجتماعي‏,‏ أليست مصر التي دوت فيها كلمات السيد المسيح السامية المجد لله في الأعالي وعلي الأرض السلام وللناس المسرة‏.‏
ونقول لهؤلاء أيضا تذكروا مبادئ الوحدة الوطنية التي صاغتها ثورة‏1919‏ م بوضوح من خلال شعارها الدين لله والوطن للجميع‏,‏ ذلك الشعار الذي يؤكد أن الانتماء والولاء لمصر يسبق كل شيء وأن أبناء مصر سواسية أمام القانون دون تميز بسبب الدين أو الجنس وفي كل الحقوق والواجبات‏,‏ ونذكر جميعا حرص الزعيم سعد زغلول علي أن يجعل أبرز رفاقه من حوله‏(‏ واصف بطرس غالي ـ سنيوت حنا ـ جورج خياط‏)‏ وغيرهم من أقباط مصر الشرفاء بجانب زملائهم من المسلمين‏.‏
وليتذكر الجميع ونحن نحتفل بانتصار شهر أكتوبر الذي تحقق بتضحية أبناء مصر من المسلمين والمسيحيين‏,‏ فامتزجت دماؤهم جميعا لأجل مصر‏,‏ فقدم الجميع أجمل صور التضحية والفداء وعبروا قناة السويس وحطموا خط بارليف وهم يرددون جميعا الله أكبر الله أكبر‏..‏ نموت نحن وتحيا مصر‏.‏
فإلي مثيري الشغب والفتنة نقول لهم ارفعوا أيديكم عن مصر فما عرفناها إسلامية أو مسيحية أو يهودية‏,‏ إنما عرفناها مصرية في التسامح والعشرة والمودة والخلق الحسن‏.‏ المسلمون والمسيحيون يعيش أبناؤهم معا إلي جوار واحد والكل يتواصل في نسيج واحد‏.‏
وختاما فالحفاظ علي الوحدة الوطنية مسئولية الجميع وليست شعارا يقال هنا أو هناك بلا مضمون أو جوهر‏,‏ فهي أهم دعائم الاستقرار السياسي والاقتصادي والحصن الذي نحتمي به جميعا في مواجهة التحديات التي تواجه مصرنا العزيزة كنانة الله في أرضه ومن أرادها بسوء قصم الله ظهره‏.‏
عميد كلية السياحة والفنادق ـ جامعة المنيا

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 225 مشاهدة
نشرت فى 16 أكتوبر 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,791,638