النخب العربية والاستفتاء التركي بقلم: د. إبراهيم البيومي غانم أيد الأتراك بنسبة58% حزمة التعديلات الدستورية في الاستفتاء عليها يوم الأحد(2010/9/12), وتعقيبا علي هذه النتيجة قال أردوغان: إن تركيا شهدت حدثا تاريخيا, وفي رأينا أن الحدث التاريخي هو العمل الذي يؤدي إلي إحداث نقلة نوعية إيجابية في حياة أكبر عدد من المواطنين. النتائج الإيجابية للاستفتاء علي أوضاع تركيا والأتراك لا مجال للتشكيك فيها, وستحظي بكثير من الجدل والمناقشات داخل تركيا وخارجها, ولكني لست بصدد مناقشاتها هنا, لأن الذي يعنيني هو مناقشة كيف تابع العرب هذا الاستفتاء الدستوري التركي؟ وكيف ستنعكس نتائجه علي مجمل الأوضاع والمصالح العربية والاقتصادية والسياسية والأمنية؟ ربما تكون هذه هي المرة الأولي التي تتابع فيها النخب السياسية والفكرية العربية باهتمام ما يحدث في تركيا, النخب الفكرية والسياسية لم تكف عن تحليل مغزي ما حدث والبحث في انعكاساته علي العلاقات العربية التركية, وقد تراوحت مواقفها بين إعجاب بغبطة وفرح, وتجاهل بحسرة وألم, وتبرم بغيظ وكمد, وانتظار وترقب من جانب رجال الأعمال والمستثمرين. أغلب الحركات والأحزاب ذات التوجه الديني أخذت موقف الإعجاب بالاستفتاء التركي, وأبدت قدرا كبيرا من الاهتمام بمضمون هذه التعديلات, ونظر كثيرون من أنصار هذه الحركات إلي التعديلات الدستورية علي أنها تمثل انتصارا لها, وأن هذا النجاح يمثل نموذجا يجب أن يحتذي به في البلدان العربية, رغم أن هؤلاء الفرحين لم يأخذوا حتي الآن زمام المبادرة لتطوير خطابهم السياسي, وينسجوا علي منوال النموذج التركي الذي يحظي بإعجابهم. موقف التجاهل وعدم الاكتراث بموضوع الاستفتاء الدستوري التركي أخذته أغلبية النخب الفكرية والحزبية الليبرالية والقومية واليسارية, فهذه النخب لم تبد اهتماما يذكر بهذا الموضوع في مناقشاتها العلنية, وما أبداه هؤلاء من آراء لم يخرج عن ترديد الشكوك والاتهامات التي وجهتها النخب والأحزاب العلمانية المتطرفة في تركيا لتلك التعديلات وللحزب الحاكم. التطورات الراهنة تكشف عن أن ثمة ثلاثة عوامل رئيسية فرضت علي النخب الفكرية والسياسية العربية الاهتمام بقضية التعديلات الدستورية في تركيا, خاصة أن هذه العوامل تمس المصالح العربية الاقتصادية والسياسية والأمنية بشكل مباشر, وهي: 1 ـ العامل الاقتصادي, وهو يهم رجال الأعمال والمستثمرين العرب بالدرجة الأولي, خاصة أن حجم المصالح المتبادلة بين تركيا والعالم العربي بحسابات سنة2009 ـ2010 وصل إلي25 مليار دولار أمريكي تقريبا, وهذا المبلغ يساوي أربعة أضعاف, ما كان عليه بحسابات سنة2003/2002 وأغلب هذه الزيادة عن واردات من السوق التركية, أو استثمارات تركية في الأسواق العربية, في حالة مصر مثلا: بلغت قيمة مبادلاتها التجارية مع تركيا2.39 مليار دولار سنة2009, وستبلغ5 مليارات دولار سنة2011 وزاد عدد الشركات التركية العاملة في مصر من23 شركة فقط سنة2005 إلي250 شركة سنة2007, ووصل عددها إلي400 شركة سنة2009, والعدد في زيادة مستمرة. إقرار التعديلات الدستورية يعني ـ بنظر رجال الأعمال والمستثمرين العرب ـ استمرار انفتاح السياسة التركية علي العالم العربي, الأمر يتيح لرجال الأعمال الأتراك مزيدا من الفرص الاستثمارية الآمنة في البلدان العربية, مقارنة بالفرص التي أضحت أقل أمنا في أماكن أخري من العالم الغربي بفعل تداعيات الأزمة المالية العالمية. 2 ـ العامل السياسي, وهو واضح بما فيه الكفاية, حيث باتت الإصلاحات الديمقراطية لحزب العدالة والتنمية وحكومته نموذجا, وترصد النخب الإصلاحية العربية, والإسلامية منها بشكل خاص الكثير من علامات الصحة والعافية التي يتمتع بها المجتمع التركي في ظل هذه السياسات الإصلاحية ومنها التعديلات الدستورية, وتعتقد هذه النخب أن استمرار هذه السياسة مرهون بنجاح الاستفتاء الدستوري وترسيخ عملية التحول الديمقراطي. ولكن هناك نخب عربية أخري تبدو غير مرحبة بما تشهده تركيا من تحولات ديمقراطية وإصلاحات دستورية. 3 ـ العامل الأمني ـ الاستراتيجي, وهو يتمثل في الدور التركي المتزايد في قضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي, واحتمالات الحرب والسلام في المنطقة, وتعتقد أغلب النخب العربية ـ بمختلف تياراتها الفكرية ـ أن دور تركيا مهم في منع تدهور الأوضاع في المنطقة إلي حرب شاملة بين العرب وإسرائيل, قد تندلع من لبنان أو سوريا, كما يعتقد كثيرون أن نجاح دور تركيا في أداء هذا الدور الأمني مرهون بنجاح الإصلاحات السياسية والدستورية داخل تركيا ذاتها, لأن هذا هو ما يضمن استمرار سياسة الانفتاح التركي علي الشرق العربي عامة, وقضية الصراع مع إسرائيل خاصة. في رأي أغلب النخب السياسة العربية أن الدور التركي في الشرق الأوسط سيكون في الحد الأدني عاملا مساعدا لبقاء الوضع الراهن علي ما هو عليه في المسارات الثلاثة: الإسرائيلي ـ السوري, والإسرائيلي ـ الفلسطيني, والإسرائيلي ـ اللبناني من منظور الحرب والسلام. أما في الأجل البعيد نسبيا( من سبع إلي عشر سنوات) فالأرجح أن تكون تركيا قد قطعت أشواطا كبيرة في بناء قوتها الإقليمية سياسيا واقتصاديا, خاصة إذا تمكنت من استيعاب تداعيات الأزمة المالية علي اقتصادها وتعافت منها خلال ثلاث أو أربع سنوات, وأنجزت المزيد من الإصلاحات السياسية والديمقراطية, وساعتها ستكون عاملا مؤثرا في موازين القوي الإقليمية لصالح القضايا العربية بشكل حاسم, ويبقي علي الجانب العربي أن يقوم بواجبه الذي لا ينوب عنه فيه القيام به أي طرف آخر.
الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
4,793,076
ساحة النقاش