تمتلئ المكتبة الإسلامية التراثية والحديثة بالعديد من المؤلفات التى تتحدث عن شهر رمضان الكريم من الناحية الدينية والفقهية والتى تتمحور أغلبها حول عبادة الصوم وما يجب على الصائم.
الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية
وكذلك وما يحرم عليه، ما يستحب له وما يكره منه, كما تتناول أيضا فضل الشهر, وما يشمله من عبادات أخري بجانب الصوم كالقيام والدعاء وقراءة القرآن والصدقة والزكاة( زكاة الفطر) والاعتكاف أو ما يحتويه من فضل واسع, فعن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال:( رمضان أوله رحمه وأوسطه مغفرة و آخره عتق من النار), وقد تنوعت هذه الكتابات وتعددت لتجيب عن أسئلة المسلم وتعينه علي الاستفادة من هذه الشهر في أمور دينه ودنياه.
إلا أن هناك كتابات أخري تناولت شهر رمضان من زاوية مختلفة مبرزة أهميته الاجتماعية والتراثية في المجتمع الإسلامي منذ فجر التاريخ الإسلامي وحتي وقتنا المعاصر, وفي المقال الحالي, سألقي الضوء علي بعض هذه الكتابات الحديثة والمعاصرة التي تناولت زوايا رمضانية مختلفة عن الأمور الدينية السابق ذكرها, فرمضان يشمل العديد من العادات الاجتماعية التي أصبحت جزء لا يتجزأ من مجتمعنا الحديث والمعاصر كالسحور ومدفع الإفطار والكنافة والقطايف وتعليق الزينات في الشوارع وإقامة المآدب وحفلات الإنشاد الديني وغير ذلك, بل وهناك بعض الكتب التي تناولت بعض القضايا الصحية الخاصة بتنظيم الأكل وقتي الإفطار والسحور,, وما هي أنواع الطعام التي يجب علي المسلم تناولها أو تجنبها خلال الشهر الكريم, وبعد تناولي قصة مدفع الحاجة فاطمة في مقالي السابق باعتباره واحد من هذه الظواهر الحياتية المتعلقة بشهر رمضان في تاريخنا الحديث والمعاصر, سألقي الآن الضوء علي بقية هذه الظواهر والتي أصبحت تشكل ما يمكن أن نطلق عليه التراث الرمضاني للأمة الإسلامية.
ونبدأ مع كتاب الأستاذ خليل طاهر بعنوان شهر رمضان منذ فجر الإسلام وحتي والعصر الحديث والذي صدر عن دار الهلال ضمن سلسلتها الشهيره كتاب الهلال, العدد85 الصادر في شهر رمضان من عام1377 هـ الموافق ابريل1958 م, وقد قدم له وراجع محتواه الدكتور عبد الله محمود شيخ الأزهر وذلك قل توليه المشيخة حيث كان أستاذا للفلسفة الإسلامية بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر. وقسم الكاتب كتابه إلي قسمين تناول الأول الجانب الديني لشهر رمضان بينما تناول الثاني التطور التاريخي لشهر رمضان في مصر عبر العصور المختلفة للدولة الإسلامية كعصر الخلفاء الراشدين, والدولة الأموية والدولة العباسية ثم الدولة الطولونية والفاطمية ثم الدولة الأيوبية وعصر المماليك فبداية التاريخ الحديث بتولي محمد علي باشا حكم مصر حتي قيام ثورة يوليو في عام1952 م. إلا أن أهم ما يميز الكتاب هو فصله الأخير الذي خصصه المؤلف لتناول بعض اشهر الكتابات الحديثة عن شهر رمضان, فعرض مقالا للعقاد تحت عنوان شهر الإرادة ومقالا آخر لمصطفي صادق الرافعي بعنوان شهر الثورة ومقالا ثالث رائعا للأستاذ طاهر الطناحي بعنوان أدب رمضان. ثم ختم الكاتب مؤلفه ببعض الصور الفوتوغرافية عن مظاهر الحياة في رمضان في مصر وسوريا( حيث نشر هذا الكتاب أبان الوحدة بين مصر وسوريا تحت مسمي الجمهورية العربية المتحدة) كصورة بائع العصير وقت الإفطار وصورة المدفع وصورة كحك العيد وصورة إنارة المساجد في ليالي رمضان.
ومن الكتب الجيدة أيضا التي تناولت الجانب الاجتماعي لشهر رمضان ما صدر عن دار الجمهور للصحافة في سلسلتها الشهرية كتاب الجمهورية للدكتورة عزة بدر تحت عنوان رمضان الذي نعشقه والصادر في شهر رمضان عام1425 هـ الموافق شهر نوفمبر من عام2004 م, وقد أتبعت المؤلفة نفس منهج الأستاذ خليل طاهر في مؤلفه السابق عرضه إلا أنها أضافت العديد من المظاهر الهامة للحياة الرمضانية مثل احتفال الشارع المصري بهلال رمضان وخاصة المناطق الأثرية كمنطقة الحسين, وأكدت الكاتبة بالتواريخ الموثقة أن أغلب مظاهر الاحتفال بقدوم رمضان قديمة ومتوارثة عبر الأجيال المختلفة, ثم انتقلت الكاتبة للحديث عن الأغنية الشهيرة وحوي يا وحي وعرضت كلماتها كاملة, ويقال أن عبارة وحوي يا وحوي فرعونية الأصل بمعني ذهب أو رحل تقال عن وداع شعبان واستقبال رمضان أي وحوي يا وحوي أي رحل شعبان وجاء رمضان. وأهم ما يميز كتاب الدكتورة عزة حديثها عن حي الحسين في ليالي رمضان مؤكدة الارتباط الروحي بين قداسة هذا الحي وقداسة الشهر الكريم, كما تكلمت أيضا عن سوق السبح وأشكالها المختلفة وختمت كتابها بالحديث عن رؤية هلال العيد وتطور الاحتفال به عبر التاريخ المصري.
وهناك أيضا كتاب الدكتور أحمد الصاوي بعنوان رمضان زمان الصادر في شهر رمضان عام1417 هـ الموافق يناير عام1997 م والذي يؤكد من خلاله الأصول التاريخية لمختلف ظواهر الاحتفال بشهر رمضان والعيد كالسحور ووظيفة المسحراتي وصناعة الكنافة والقطايف وكسوة العيد والعيدية وانتشار حلقات الذكر في التكيات والمساجد. ولكن أهم ما يميز هذا العمل تخصيص المؤلف القسم الأخير من كتابه لعرض كتابات مختلفة لرحالة شهدوا رمضان أثناء تجوالهم فعرض كتابات ابن بطوطة عن رمضان في بلاد الروم وخوارزم ودهلي و جزر المالديف وكتابات ابن جبير عن رمضان في مكة وصقلية, كما عرض أيضا وصف احتفالات القاهرة بشهر رمضان بعيون هؤلاء الرحالة مثل العياشي والبغدادي والعبدري وادواد لين. وهو الأمر الذي أضاف لمسة من العالمية علي كتابه.
بقلم: د. على جمعة
مفتى الجمهورية
ساحة النقاش