مصر وأمريكا اللاتينية وتعاون الجنوب ـ الجنوب
بقلم د‏.‏ هدي ميتكيس


تبددت في الآونة الأخيرة معالم تحرك مصري ملموس تجاه أمريكا اللاتينية بناء علي إدراك واع من قبل القيادة السياسية المصرية لأهمية ما باتت تشغله أمريكا اللاتينية من تأثير

 

وثقل علي الصعيد الدولي‏,‏ وتتويجا لما شهدته العلاقات المصرية والعربية اللاتينية من نمو وتطور كبيرين في السنوات الأخيرة علي جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية‏.‏
ولعل أهمية هذا الاهتمام المصري تعود بالأساس الي ما تشهده الساحة الدولية من تحولات بنيوية متلاحقة عكست في مجمل تجلياتها تبلور نظام قطبية أحادية جاء بتغيرات تضرر منها كثير من الدول النامية لعل من أهمها تزايد الضغوط التي تمارسها دول الشمال المتقدم علي دول الجنوب النامية مع تقلص قدرة الأخيرة علي الحركة لاسيما في ظل القيود التجارية التي فرضتها دول الشمال علي التجارة الدولية من قبيل حقوق الملكية الفكرية والمعايير المزدوجة فيما يتعلق بالتعريفة الجمركية‏,‏ فضلا عن التجمعات الاقتصادية‏.‏
وفي إطار الدور النشيط الذي لعبته مصر ــ ولاتزال ــ في تعميق التعاون مع وبين دول الجنوب كجزء أصيل لا يتجزأ من سياستها الخارجية حققت مصر في الآونة الأخيرة انجازا تاريخيا غير مسبوق بعد توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع التجمع الاقتصادي لدول أمريكا اللاتينية تجمع الميركسور الذي يعد خامس أكبر قوة اقتصادية في العالم‏,‏ حيث تعد مصر أول دولة عربية وإفريقية توقع هذه الاتفاقية الأمر الذي يجسد فكرة تعميق تعاون الجنوب الجنوب خاصة أن هذه الاتفاقية تفتح آفاق التعاون الاقتصادي بين قارتي إفريقيا وأمريكا اللاتينية‏,‏ حيث ترتبط مصر باتفاق تجاره حرة مع معظم الدول الإفريقية أعضاء تجمع الكوميسا وكذلك مع الدول العربية‏,‏ وبالتالي فإن هذه الاتفاقية ستكون جسرا وحلقة للتواصل بين الشرق الأوسط وإفريقيا من ناحية وأمريكا اللاتينية من ناحية أخري‏.‏
هذا وقد جاء الاتفاق علي تلك الاتفاقية تطويرا للإتفاق الإطاري الموقع بين مصر وتجمع الميركوسور في يوليو‏2004‏ وتتويجا لست جولات من المفاوضات المكثفة بين الجانبين لإيجاد صيغة متفق عليها للاتفاقية بغية تنمية وتعميق الروابط الاقتصادية بين مصر ودول التجمع ليشمل مجالات جديدة‏.‏
وبوجه عام فإن تلك الاتفاقية تفتح أسواقا جديدة وواعدة للصادرات المصرية‏,‏ حيث تتيح وضعا تنافسيا أفضل للسلع المصرية في أسواق امريكا اللاتينية خاصة الأرجنتين والبرازيل باعتبارهما من أهم القوي الاقتصادية الصاعدة في العالم بالإضافة إلي تأمين وضمان الحصول علي احتياجاتنا من المواد الغذائية علي المدي البعيد‏,‏ وجذب استثمارات من منطقة الميركوسور الي مصر في مجالات متعددة في الصناعة والسياحة وغيرها‏.‏
هذا ويمكن القول إن هذه الاتفاقية تعد ــ وبحق ــ نقلة نوعية في العلاقات الاقتصادية المصرية مع العالم الخارجي وخطوة ملموسة في إتجاه تعزيز تعاون الجنوب الجنوب وتجدر الإشارة الي أن تلك الاتفاقية قد ألقت بظلال كثيفة علي مدي أهمية التكتلات الاقتصادية للدول النامية في ظل تنامي ظاهرة التكتلات الاقتصادية عالميا نتيجة لسعي كل دول العالم المتقدمة والنامية نحو إنشائها أو الدخول فيها خاصة في العقد الأخير من القرن العشرين مع تسارع خطي العولمة‏,‏ وما رافقها من عمليات اندماج تزامنت مع عمليات تحرير التجارة الدولية‏,‏ وتحرير حركة رؤوس الأموال عالميا سواء عبر تدفقات الاستثمار الاجنبي المباشر أم عبر تدفقات رؤوس الأموال قصيرة الأجل‏,‏ حتي أصبحت هذه الظاهرة سمة أساسية من سمات النظام الاقتصادي المعولم‏.‏
وقد جاءت القمتان العربية اللاتينية التي عقدت أولاهما في البرازيل عام‏2005‏ والثانية في الدوحة عام‏2009‏ كخطوة في الانفتاح اللاتيني تجاه الشرق الأوسط وتجسيدا لرغبة الدول اللاتينية بإيجاد قوة دبلوماسية في المنطقتين تتبني سياسات مناهضة للعولمة بمفهومها الغربي ولسياسة القطب الواحد التي تتحكم بالقضايا الدولية إضافة إلي الرغبة في الحد من الاعتماد علي دول الشمال الغنية وتعزيز التحالفات بين الدول النامية في المنتديات الدولية كالأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي وغيرها‏.‏
علاوة علي ذلك المواقف المتوازنة التي اتخذتها معظم دول أمريكا اللاتينية مثل فنزويلا والبرازيل والأرجنتين وكوبا في المحافل الدولية حيال الصراع العربي الإسرائيلي وتدعيم حق الفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة ووقف بناء الاستيطان وانسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي العربية كما كان بارزا موقف الرئيس شافيز حيال العدوان والحصار الإسرائيلي علي قطاع غزة وضرورة كسره بكافة السبل وقطعت أربع دول لاتينية علاقاتها بإسرائيل وهي فنزويلا وبوليفيا ونيكاراجوا وكوبا التي كانت قد قطعت علاقاتها مع إسرائيل عام‏1973.‏
من ناحية أخري أضحي من الضروري ــ في ظل ما تزخر به الساحة الدولية من أزمات وتحديات لاسيما في ظل الازمة الاقتصادية والمالية التي يشهدها العالم ــ التلاقي والتشاور بين الدول النامية لحماية مصالحها في جميع المحافل الدولية في إطار توخي المخاطر وتلافي التداعيات الناجمة عما يشهده العالم من أزمات حادة التي باتت تهدد في مقتل المصالح الحيوية للدول النامية بصفة عامة‏,‏ لا سيما وأن البرازيل باعتبارها القوة الاقتصادية الأولي في أمريكا اللاتينية وثامن أكبر اقتصاد في العالم قد نجحت ــ بدرجة كبيرة ــ في الخروج من تداعيات الأزمة المالية العالمية بفضل سياساتها الاقتصادية بأقل الخسائر وقبل الكثير من الدول الكبري‏.‏ وبالتالي فهي فرصة للتأمل والاستفادة من خبرات الدول اللاتينية وعلي رأسها البرازيل وكيف استطاعت أن تطور نفسها وتصبح أحد أبرز القوي الاقتصادية الصاعدة‏.‏
صفوة القول إنه كما كانت مصر هي البوابة التي دخلت منها الصين للقارة الافريقية وللمنطقة العربية ستكون مصر هي حلقة الوصل والجسر الذي يوصل بين أمريكا اللاتينية من ناحية والقارة الأفريقية والمنطقة العربية من ناحية أخري‏,‏ حيث تبرز أهمية إيجاد تكتل بين القارة الافريقية والعالم العربي ودول أمريكا اللاتينية يسمح للدول النامية بالعمل علي قدم المساواة مع الدول المتقدمة ويسهم في زيادة حجم التعاون السياسي والاقتصادي بين دول الجنوب وبالتالي يمكن اعتبار توقيع مصر علي اتفاقية التجارة الحرة مع دول الميركسور يمثل حجر أساس لتعاون عربي لاتيني واسع وشامل يضع إطارا للحوار بين المنطقتين ويسهم في زيادة ورفع التعاون في شتي المجالات‏.‏
وأخيرا وليس آخرا يتعين علي الدول العربية المضي قدما في بناء تكتل اقتصادي يضاهي التكتلات المتطورة للاستفادة من إمكانياتها الاقتصادية الهائلة خاصة بعد أن أصبح من الصعب علي أي دولة تحقيق متطلباتها التنموية لجهد منفرد‏.‏
 

 

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 55/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
19 تصويتات / 96 مشاهدة
نشرت فى 18 أغسطس 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,794,915