رمضان في التاريخ
د‏.‏ علي جمعة - مفتي الجمهورية


من يستعرض صفحات التاريخ الإسلامي‏,‏ يجد شهر رمضان والذي فرض فيه الله تعالي عبادة الصيام علي المسلمين فقال سبحانه‏:(‏ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون‏)(‏ البقرة‏183).

 

‏ نجد شهر رمضان تربة خصبة للأحداث المهمة التي تعد نقاطا فاصلة في التاريخ الإسلامي القديم والحديث‏,‏ إلا أن فضل هذا الشهر الكريم لم يكن مقتصرا علي أمة الإسلام بل كان خيرا للأمم السابقة‏,‏ فعن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان والإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان‏,‏ وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان‏,‏ وأورد ابن كثير في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:(‏ أنزل القرآن جملة من الذكر في ليلة أربع وعشرين من رمضان فجعل في بيت العزة‏),‏ ونزل جبريل الأمين علي النبي صلي الله عليه وسلم بأول آية من القرآن الكريم وهي قوله سبحانه وتعالي اقرأ في ليلة القدر المختلف موعدها في العشر الأواخر من الشهر الكريم‏-‏ وذلك في عام‏13‏ قبل الهجرة الموافق‏610‏ م‏.‏
وشهد رمضان في السنة الأولي بعد الهجرة أول لواء للمسلمين يعقده رسول الله صلي الله عليه وسلم وكان ذلك علي رأس سبعة اشهر من مهاجره عندما أطلق سرية سيف البحر‏(‏ أي شاطئ البحر‏)‏ وعلي رأسها سيف الله المسلول حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه وأرضاه‏,‏ وكانت هذه السرية إعلانا ببداية صراع مع قريش امتدت لثمانية أعوام طوال حتي انعم الله تعالي علي المسلمين بفتح مكة والتي كانت أيضا في‏20‏ رمضان سنة‏8‏ من الهجرة الموافق‏930‏ م‏.‏ وسمي فتح الفتوح حيث دخل الناس علي أثره أفواجا في دين الإسلام مصداقا لقوله سبحانه وتعالي‏:(‏ إذا جاء نصر الله والفتح‏*‏ ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا‏*‏ فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا‏)(‏ سورة النصر‏(31)).‏
ولم يتعلق الشهر الكريم بالأحداث السياسية من غزوات وحروب فقط‏,‏ بل امتد أثره ليتعلق بحياة النبي المصطفي صلي الله عليه وسلم بمناسبات سعيدة وحزينة‏,‏ فتوفيت ابنته صلي الله عليه وسلم‏,‏ رقية في العام الثاني من الهجرة اثر مرض أصابها في رمضان وكانت زوجة ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان والذي كان يمرضها حتي أذن لها النبي صلي الله عليه وسلم ألا يخرج معهم في غزوة بدر‏,‏ فتواكب سعادة المسلمين بانتصارهم علي المشركين مع حزنهم لفراق رقية‏.‏ وجاء منتصف رمضان من العام الثالث ليشهد مولد سيدنا الحسن بن علي‏,‏ والغريب أن شهر مولده تزامن مع موعد وفاة والديه رضي الله عنهما‏,‏ فتوفيت والدته السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم في رمضان من السنة الحادية عشر من الهجرة لتكون بذلك أول أهل بيت النبي لحاقا به كما وعدها صلي الله عليه وسلم قبل وفاته‏,‏ بينما استشهد أبيه رابع الخلفاء الراشدين ومنارة العلم الإمام علي بن أبي طالب في فجر التاسع عشر من رمضان بالكوفة وهو ابن ثمان وخمسين سنة علي يد عبد الرحمن بن ملحم الحميري‏,‏ وجاء رمضان العام الرابع ليشهد زواج النبي صلي الله عليه وسلم بأم المؤمنين السيدة زينب بنت خزيمة الهلالية‏,‏ والتي عرفت باسم أم المساكين وذلك لكثرة إطعامها للمساكين وصدقتها عليهم‏,‏ و لا يكاد اسمها‏-‏ رضي الله عنها‏-‏ يذكر في أي كتاب إلا مقرونا بلقبها الكريم فهذا وصفها في سير أعلام النبلاء وفي أسد الغابة وفي الإصابة في تمييز الصحابة‏.‏
ولا تقتصر عظمة شهر رمضان التاريخية علي حياة النبي صلي الله عليه وسلم‏,‏ بل امتدت من بعد وفاته عليه الصلاة والسلام ليظل الشهر علامة بارزة في تاريخ المسلمين‏,‏ ففي رمضان من عام‏39‏ من الهجرة نجح المسلمون في فتح جزيرة رودس ليتواصل بعدها تاريخهم البحري حتي نجحوا في فتح الأندلس علي يد القائد المسلم طارق بن زياد‏,‏ والذي قاد‏12000‏ مقاتل في شهر رمضان من عام‏91‏ من الهجرة عبر جبل طارق ليقابل جيش الملك رودريك ويهزمه‏.‏ وتظل عبارته الخالدة البحر خلفكم والعدو أمامكم تميمة للمسلمين في مختلف معاركهم‏.‏
وفي رمضان من عام‏361‏ هجرية الموافق‏972‏ م‏,‏ تم بناء الجامع الأزهر‏,‏ وارتفعت فيه أول تكبيرات الآذان في عهد الخليفة المعز لدين الله وتحول الجامع بعد ذلك إلي جامعة تدرس فيها علوم الدين والشريعة إلي يومنا هذا ليكون بذلك من اعرق وأقدم الجامعات علي مستوي العالم أجمع والذي يستمر تاريخه إلي أكثر من ألف عام‏.‏
ورغم تعدد الأحداث وتنوعها‏,‏ ستظل معركة عين جالوت في رمضان عام‏658‏ من الهجرة الموافق‏1260‏ م‏,‏ ومعركة العاشر من رمضان من عام‏1393‏ هـ الموافق السادس من أكتوبر عام‏1973‏ م من ابرز علامات هذا الشهر العظيم‏,‏ والتشابه بين المعركتين لا يقتصر فقط علي البعد الزمني‏,‏ فكما كانت الأولي هي أول هزيمة للمغول علي يد المصريين كانت الثانية أول هزيمة لإسرائيل في الصراع العربي الإسرائيلي‏,‏ أما وجه الشبه الآخر والأكثر أهمية هو انه في كلتا المعركتين نجح خير أجناد الأرض كما وصفهم النبي المصطفي صلي الله عليه وسلم في تحطيم أسطورة الجيش الذي لا يقهر‏.‏

 

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 133 مشاهدة
نشرت فى 17 أغسطس 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,791,886