اللغة العربية والهوية الضائعة
بقلم: د‏.‏محمد عبدالله الطحلاوي


لاشك أن موضوع اللغة العربية وما آلت إليه في هذه الأيام قد أثير في كثير من المناسبات والمحافل‏,‏ ولكن بلا جدوي‏.‏فلا تزال اللغة العربية تهمل وتبعد بل وتهان منذ أن وجدنا في فننا من يسخر من أستاذ اللغة العربية نجيب الريحاني

 

 ويجعل منه أضحوكة لتلميذة مستهترة ليلي مراد‏.‏ ولاشك في أن ثقافة المستعمر قد أصابت الفن والإعلام في هذه الحقبة التي حاول فيها الاستعمار القضاء علي الهوية العربية والإسلامية في بلادنا المحتلة‏,‏ أما الذي يدعو للدهشة فهو أن هذه الثقافة الاستعمارية لاتزال تستفحل في فننا و إعلامنا المعاصر حتي وجدنا أن معظم الأعمال الفنية الحالية لاتحمل أسماء عربية‏.‏ كما نجد أن أكثر الإعلاميين الجددد لايستطيعون أن يتحدثوا لغة عربية سليمة بل إن كثيرا من الاعلاميين والمذيعين يلجأون دائما الي التنطع والتكلف في استخدام مفردات وألفاظ غربية وأجنبية في أحاديثهم ولقاءاتهم‏,‏ بل ويبدو كثيرا أنهم يحاولون أن يثبتوا رقيهم وتمدنهم بالمبالغة في استخدام تلك الألفاظ‏.‏ وإذا كان الأمر يتعلق بقنوات فضائية أو خاصة فلا عجب‏,‏ ولكن وجدنا ذلك في الاعلام الرسمي بل وأحيانا في لقاءات مع علماء الأزهر الشريف بل ومع شيخ الأزهر نفسه‏.‏ قد يري البعض أن هذه المسألة ليست بدرجة الأهمية التي نتحدث بها‏,‏ ولكن من يراجع التاريخ الحديث يجد أن قضية اللغة ترتبط ارتباطا وثيقا بالهوية‏,‏ ولذلك حرص المستعمر علي نشر لغته في الدول التي احتلها‏.‏
أما بالنسبة لمصر فقد حماها الله تعالي بوجود الأزهر الشريف‏,‏ ولذلك حرص نابليون بونابرت علي تدنيس الأزهر الشريف عندما دخل مصر في الحملة الفرنسية علي مصر‏,‏ كما حرص علي تدريس الثقافة الفرنسية في المدارس والجامعات‏,‏ وعلي نشر الفكر الأرستقراطي الذي يري في الثقافة الفرنسية وفي البعد عن الأصول والهوية عين المدنية والتقدم‏,‏ ونجح في ذلك إلي حد كبير في غضون أربع سنوات فقط ـ وهي مدة الحملة الفرنسية علي مصر‏.‏ فنري حتي يومنا الحالي متكلفي التمدين ينطقون بالمفردات الفرنسية مثل‏Bonjour,Merci‏
ولولا أن المستعمر يعرف الدور الكبير للغة وللهوية عند الشعوب في شحذ هممهم للدفاع عن مقدساتهم ومعتقداتهم‏,‏ ما حرص علي طمس هذه الهوية ومحاولة الاستعمار الثقافي والفكري لهذه الشعوب‏.‏ أما بالنسبة للبلاد الاستعمارية نفسها‏,‏ فتجدها من أشد المحافظين علي لغتهم وهويتهم‏.‏ فمن يذهب الي دولة مثل فرنسا يجد أنه ينبغي عليه أن تتعلم لغة البلد لكي تستطيع الحياة أو العمل هناك‏.‏
ومعروف أن الدراسات المتخصصة كالطب والعلوم والهندسة‏,‏ والتي تدرس عندنا بالانجليزية‏,‏ تدرس في كل بلاد العالم الأخري بلغة البلد‏,‏ وقد نتعلل بضعف الانتاج العربي في هذه العلوم ومحاولة مواكبة الحديث في هذه العلوم‏.‏ ولكن نسينا دائما التاريخ الذي يروي لنا أن العرب هم أول من أبدع في هذه العلوم وألفوا فيها الكثير من الكتب‏,‏ فقام الغرب بترجمة كتبهم الي لغاته المختلفة للاستفادة منها ثم أضاف عليها ولم يقم بتعريب الدراسة في جامعاته ومعاهده‏.‏
أري أن الوقت قد حان للخلاص من هذا الغزو العنيف وهذا الاحتلال المقنع‏,‏ فاللغة تعني الهوية وتعني الانتماء للوطن وللدين ولكل المقدسات وتعني ثقافة شعب وفكر أمة‏.‏ وأري أن الدفة الأساسية في يد وزارتي التعليم والإعلام‏.‏ وأعتقد أن وزير التربية والتعليم الجديد يحمل الحماس الكافي للإصلاح والرغبة الصادقة في خلق جيل قويم بدلا من هؤلاء الطلاب الذين يأتون إلينا في كليات الطب ولايعرف الكثير منهم كتابة سطر واحد باللغة العربية دون أخطاء‏.‏ فيجب أن يعود الاهتمام باللغة في كل شيء حتي في مدارس اللغات‏,‏ فلا أري فائدة من تدريس الرياضيات والعلوم باللغة الأجنبية مادام يدرس الطالب هذه اللغة كمادة مستقلة ويتقنها لأن في إتقانها أيضا فائدة كبيرة في الاطلاع علي الحديث وفي المنافسة في سوق العمل فهذا أمر مطلوب أيضا‏,‏ ولكن يجب الا يطغي لغتنا وثقافتنا‏.‏
أما بالنسبة للإعلام‏,‏ فقد زخر إعلامنا بأعلام من فحول الكلمة ورواد الثقافة عندما كانت اللغة تعد الأساس في اختيار المذيع أو مقدم البرامج‏,‏ أما الآن فأعتقد أن اللغة لا تمثل شيئا في التقييم لما نراه من أخطاء فادحة بل ومحاولة التغرب في الحديث‏,‏ إذا صح التعبير‏.‏
أخيرا أري أن تجعل الهيئات الحكومية خاصة القضائية والدبلوماسية اللغة معيارا من معايير التقييم عند اختيار أعضائها‏.‏
 

 

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 95 مشاهدة
نشرت فى 5 أغسطس 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,824,438