مرضي ســـيولة الدم..أطفال من زجاج
كتب: حســن فتـحي
حين يكون جسم الطفل هشا كالزجاج و قابلا للنزف لوقت طويل مع أي جرح بسيط حتي وإن كان موضع حقنة في العضل أو خلع سن, وتزداد الخطورة حين يكون النزف فجائيا داخل المفاصل أو العضلات.
وتقف تشوهات المفاصل لهؤلاء الأطفال بالمرصاد, فحين يبلغ أحدهم سن المراهقة ربما تكون مفاصله قد تلفت بنسبة100%, مما يعمق جراحهم هم وعائلاتهم ويحول دون العيش بشكل طبيعي.. تلك هي مأساة مرضي الهيموفيليا أو' سيولة الدم'..وهو مرض وراثي نادر, سببه نقص أحد العوامل اللازمة لتجلط الدم.
وهناك علاجات متاحة لهؤلاء الأطفال.. ولكن أين تكمن المشكلة؟..إليك التفاصيل..
فالهيموفيليا مرض وراثي يصيب الذكور دون الإناث, كما يوضح الدكتور مجدي الإكيابي أستاذ أمراض الدم بقصر العيني وسكرتير الجمعية المصرية لمرضي الهيموفيليا, ويتعرض الولد للنزف في أي مكان في جسمه والأخطر أن يحدث ذلك في المخ, ومعظم النزيف في المفاصل والعضلات, لذا تبدأ تتلف بالتدريج, مما يؤدي للإعاقة والطفل عندما يبلغ سن12 عاما يكون لديه مفصل تالف علي الأقل, ولنا أن نتصور نوعية الحياة لهذا الطفل التي تكون سيئة للغاية مقارنة بأقرانه, فضلا عن تأثره دراسيا وحدوث تداعيات نفسية واجتماعية في عائلته, وهناك نوعان من الأدوية للعلاج, مكونات الدم كالبلازما والكرايو أو الراسب المبرد أو عناصر التجلط المحضرة من الدم صناعيا أو عوامل التجلط المحضرة بالهندسة الوراثية, لكن هناك مشاكل كثيرة تحدث لهؤلاء الأطفال في حال تناول البلازما والكرايو أبرزهاـ كما أشارت الدكتورة توحيده عبد الغفار أستاذ كبد الأطفال بطب عين شمس ـ إصابتهم بفيروس سي, وهي نسبة تتجاوز80% بين هؤلاء المرضي, ولتجنب ذلك لابد برأي الدكتور الإكيابي من التحول من نقل الدم العادي لهذه الحالات إلي استخدام عوامل التجلط المصنعة بنسبة100% لزيادة معامل الأمان, لكن الأسلوب الحالي في العلاج يعتمد علي وقف النزيف حال حدوثه, وبالتالي فإن ذلك لايمنع المضاعفات, بل الأفضل هو منعها بالعلاج الوقائي, بإعطاء عناصر التجلط بصورة وقائية لمنع حدوث نوبات النزيف, وهو العلاج المعروف منذ20 عاما وأثبت نجاحا في جعل حياة هؤلاء الأطفال طبيعية, لذا يوصي بضرورة تبني الدولة برنامجا للعلاج الوقائي يبدأ مع الأطفال في سن2 ـ4 سنوات, وخاصة ذوو السيولة الشديدة, لأنه لاتحدث أنزفة في المفاصل والعضلات في هذه السن, وحتي اليوم من المفترض أن يستمر العلاج حتي سن21 عاما, والتكلفة في سن صغيرة تكون أقل لأن العلاج مرتبط بالوزن, علما بأن تكلفة العلاج تبلغ50 ألف جنيه سنويا, ومن يحتاج العلاج في هذه السن نحو50 ـ60 حالة جديدة سنويا, لكن بعد بلوغ سن21 سيكون عدد من يتلقون العلاج شبه ثابت ويواصل الدكتور الإكيابي أن دراسة مصرية قد أثمرت عن طريقة جديدة لتعقيم مادة الكرايو والبلازما ضد الفيروسات والميكروبات بحيث يكون الدم آمنا100%, ودخلت حيز التطبيق بعد تحويلها إلي تكنولوجيا قابلة للتطبيق. الدكتورة آمال البشلاوي أستاذ أمراض الدم بقصر العيني تطالب بحق مريض سيولة الدم' الهيموفيليا' في الرعاية والعلاج بإعطائه عامل التجلط8 بصفة دورية, كعلاج وقائي حتي يستطيع تجنب المضاعفات الشديدة لهذا المرض كتيبس المفاصل, خاصة الركبة, والنزيف الذي قد يصيب الأماكن المهمة كالمخ, ورغم أن تكلفة الحفاظ علي هؤلاء المرضي بإعطائهم معامل التجلط المحضر بطرق الهندسة الوراثية قد تكلف الدولة الكثير, لكن بالنظر إلي مستقبلهم وعلاج مضاعفات المرض معهم, سنجدها لن تقل عن تكلفة العلاج الوقائي, وتنبه الأطباء إلي أن أعراض هذا المرض تتشابه مع أمراض أخري في الدم كنقص عوامل التجلط الأخري ونقص عدد الصفائح, وهناك بعض أمراض السيولة المشابهة جدا لمرض الهيموفيليا قد يصعب التفرقة بينها.
وتوجه الدكتورة آمال البشلاوي نصيحة لمرضي الهيموفيليا بضرورة تسجيل أنفسهم في الجمعيات المعنية بشأنهم, ومنها الجمعية المصرية لمرض الهيموفيليا والتي تعطي لكل مريض' بطاقة' مدونا فيها نسبة عامل التجلط وكيفية العلاج في حل تعرضه لأي طارئ, وتوضح أن الأم هي أول من يكتشف المرض في الأسرة, ففي الأيام الأولي من عمر الطفل نلاحظ أن مصاحبة عملية ختان الطفل نزيف شديد متواصل لايتوقف إلا بأخذ البلازما, كذلك تلاحظ الأم وجود كدمات أو زرقة متفرقة في جسم الطفل أثناء الحبو أو لمجرد تعرضه لأي كدمة أو وجود زرقة حول أسنان الطفل حين بزوغها.
وطفل الهيموفيليا قد ينزف لأول مرة في حياته في اليوم الأول أو بعد الأسبوع الأول من ولادته, كما يوضح الدكتور محسن الألفي, وتزداد فرص النزف حتي تصل حدها الأقصي ببلوغه عامه الأول, ويولد4% من مرضي الهيموفيليا بنزيف في المخ يصل إلي10% في العام الأول من العمر, وقد تلاحظ الأم عند موضع حقنة التطعيم زرقة أو نزفا تحت الجلد حتي في الأماكن البارزة بالساق أو الوسط أو تجمعات دموية لاتفسير لها, ولكن عند عملية الطهارة يحدث نزف لدي75% من المصابين قد يستمر لمدة يوم أو يومين, وغالبا يرتق الجراح موضع الجرح وينقل بلازما دون تشخيص, لكن عند وجود حالة أخري في الأسرة غالبا ماتكون الأم أكثر حرصا وتجري التحاليل الخاصة بالهيموفيليا' عامل التجلط' والتأكد أن نسبته1%, ما يعني اكتشاف حالة هيموفيليا شديدة تستوجب العلاج الوقائي, ومعناه رفع نسبة معامل التجلط فوق نسبة الخطورة والتي قد يحدث معها نزف في المخ والجهاز العصبي أو الأعضاء الداخلية وأخطرها نزف الجهاز البولي أو الكلي أو الجهاز الهضمي, ولكن السبب الرئيسي للإعاقة في مرض الهيموفيليا هو النزف داخل المفاصل والعضلات وقد يحدث نزف بنحو2 لتر من الدم داخل العضلات مايؤدي إلي بتر الساق في الحالات الشديدة, وتلف المفاصل يصل إلي100% في سن المراهقة.
والعلاج الوقائي, طبقا للدكتور الألفي يتم بحقن معامل التجلط مرة أو مرتين أسبوعيا بانتظام شديد لعدة سنوات خاصة الطفولة المبكرة مما يحول دون إعاقة الطفل وممارسة حياته بشكل طبيعي, لكن تكمن الصعوبة في تكلفة العلاج, ومن المعروف أن مريض الهيموفيليا يتكلف في أمريكا وأوروبا أكثر من250 ألف جنيه سنويا تدعمها الدولة بالكامل, وهناك6 آلاف حالة مسجلة في جمعية أصدقاء مرضي الهيموفيليا, لكن العدد الحقيقي لايقل عن25 ألف حالة, والباقون بدون تشخيص بدليل أن إحدي الحالات تم تشخيصها عن سن42 سنة!
ويكشف الدكتور الألفي عن العجز في علاج المرضي, موضحا أننا نحتاج إلي400 مليون وحدة معامل تجلط سنويا, لايتوافر منها سوي10 ملايين وحدة!, مايعني الحاجة إلي مزيد من التبرع بالدم ومزيد من فصل البلازما والكرايو ومعامل التجلط المشيد وراثيا.
واستئصال الغشاء السينوفي بالمنظار الجراحي لوقف تشوهات الركبة أو الكاحل في مرضي الهيموفيليا, تناوله الدكتور عبدالرحمن الدسوقي أستاذ جراحة العظام بقصر العيني, مما يوقف النزيف تماما ويمنع بعد ذلك تآكل المفاصل وتشوهات العظام, موضحا أن التهاب وتضخم هذا الغشاء وراء هذه التشوهات, مما ينتج عنها تآكل الغضاريف, ويفضل استئصاله في سن مبكرة يحددها عند4 سنوات, حيث لاتكون حدثت أية مضاعفات في المفصل سواء تشوهات أو تآكل في الغضاريف, منوها إلي إمكانية' تلييف' هذا الغشاء بحقن علاجات كيماوية لكن الجراحة تعد حلا سريعا.
ساحة النقاش