أسس الخطاب الإعلامي للتوعية البيئية في المجتمع العراقي
التاريخ: Friday, October 16
اسم الصفحة: افاق ستراتيجية
أ.د. المهندس حيدركمونة
المقدمة:
ان جوهر فعل الانسان الوجودي تجاه المحيط الخارجي في توقه الى تحقيق الملائمة المكانية سواء في نتاجه الحضري او في استغلال الطبيعة لتحقيق المتطلبات الحياتية المتنوعة له ان جوهـر الفعل ينطـوي علـى مشكلة بيئية ذات طبيعة مزدوجـة تتمثل بـ:
1- استنزاف موارد الطبيعة بمعدلات قد تفوق معدلات تجددها الطبيعية ما يولد خللاً كبيراً في التوازن البيئي.
2- المشاكل البيئية التي يمكن ان تظهر ضمن سياق البيئة المبنية ( Built Environment ) التي يضعها الانسان من خلال فعله التنظيمي تجاه البيئة الطبيعية.
والمستقرئ لعملية التحضر تأريخياً يمكن ان يلاحظ وبوضوح هذه الجذور للمشكلة البيئية وتفاقمها بشكل كبير خاصة مع معطيات الثورة الصناعية . ورغم ما يبدو ان المدن في العالم المتقدم كانت هي الضحية الاولى لهذه المشاكل الا انها لاحقاً خلقت آليات اجتماعية وطورت أساليب وتقنيات علمية لمواجهتها، ولكن الملاحظة الأهم في هذه التجربة كانت الضغوط الاجتماعية الكبيرة التي دفعت بهذه الآليات والحلول نتيجة الوعي الاجتماعي الكبير لاهمية المحافظة على البيئة وساعد في ذلك التراكم الثقافي والعلمي وعدم حصول فجوات كبيرة بسبب الانقطاع الحضاري .
اما في مجتمعاتنا العربية ومنها مدننا في العراق ورغم التأخر الزمني لظهور المشاكل البيئية فيها عن التجارب العالمية، غير ان ذلك لم يوفر فرصة حقيقية لتجنب تلك المشاكل التي تفاقمت بشكل كبير مع التحضر الكبير وتمركز السكان في مدن مكتظة، بسبب غياب الوعي الاجتماعي لأهمية الحفاظ على البيئة، الذي كان الاساس فيه ظروف الانقطاع وعدم التواصل الحضاري .
ورغم تفاقم المشاكل البيئية في تلك المدن الا انها بقيت بعيدة عن ايجاد الحلول وان الاستجابة الاجتماعية للتصدي لهذه المشاكل بدت غير متناسبة . ذلك ان الكثير من المفاصل الاجتماعية الاكثر تأثيراً في هذا المجال بدت غير فعالة وهي المواقع التي توجه اليها الحلول والمعالجات لمشكلة الوعي البيئي .
المستويات المفصلية للخطاب الاعلامي للتوعية البيئية في المجتمع العراقي :
رغم وضوح المشاكل البيئية في مدننا المعاصرة وحضورها المباشر في تفاصيل الحياة اليومية لها ، كتوزيع المناطق الصناعية دون الاخذ بالاعتبار الحياة اليومية لها ، كتوزيع المناطق الصناعية دون الاخذ بالاعتبار الجوانب البيئية في تلوث الهواء والمياه وحتى التربة الناتجة من انتشار الغازات والادخنة الضارة ، وكذلك تلوث الهواء الناتج عن عوادم السيارات الذي تفاقم بسبب الازدحام الكبير في شبكة النقل فضلاً عن الضجيج الذي تولده تلك السيارات .
وايضاً انتشار الفضلات الصلبة والنفايات في الشوارع مع بقائها مدة طويلة بسبب سوء عملية رفع تلك النفايات فضلاً عن معالجتها . بالاضافة الى مشاكل الصرف الصحي وتلوث المياه المخصصة للشرب التي تشكل تهديداً خطيراً للصحة العامة ، اما مشاكل التلوث البصري في المشهد الحضري وما تشكله من اهمية سواء على المستوى الشمولي للمدينة بهيكلها الفضائي وحتى في تفاصيل الابنية المفردة .
رغم كل مظاهر التلوث البيئي تلك والتي تتعلق بالجانب الثاني من المشكلة البيئية التي تمت الاشارة اليها آنفاً ، الا ان ما يلاحظ وبشكل ملفت هو ضعف الاستجابة لكل تلك التحديات سواء على المستوى الاجتماعي ( الشعبي ) وحتى على المستوى المؤسسي في المجتمع فضلاً عن المؤسسات التخطيطية والتنفيذية التي تقع على مسؤوليتها معالجة تلك المشاكل والتحديات .
كل ذلك يشير الى خلل كبير وان شيئا ما يمضي خطأ في التعامل مع تلك التحديات ويعطي مؤشرات على ان هناك جوانب ومستويات مفصلة يمكن لها ان تفعل تلك الاستجابات وتتحكم بآليات تعميق الخطاب الاعلامي للتوعية البيئية الوعي البيئي في المجتمع بشكل يمكن معه التعاطي جدياً وبفعالية تجاه تلك المشاكل البيئية المتفاقمة باضطراد واهم تلك المستويات المفصلية هي :
أ. المستوى التعليمي :
وهذا المستوى يتعلق بالمؤسسات التعليمية والاكاديميات التي تقوم باعداد المهنين من الكوادر التخطيطية والتقنيين الذين يتعلق ميدان عملهم بالبيئة . ويتم ذلك من خلال :-
1- ترسيخ الاهمية الكبيرة للمعايير البيئية عند اعداد الكوادر التخطيطية .
2- توجيه الدراسات والبحوث نحو الواقع التعليمي في دراسة المشاكل البيئية لمدننا المعاصرة لتعميق حضور هذه المشاكل في أذهان تلك الكوادر .
ب. المستوى المؤسس : ( مؤسسات المجتمع المدني).
وهذا المستوى يتعلق بالمؤسسات الاجتماعية غير الحكومية التي أخذت بالظهور والانتشار في الفترة الاخيرة ، ورغم انها تهتم بجوانب اجتماعية مختلفة الا انه يبدو ان جل اهتمامها يقع على الجانب البيئي . وهذه المؤسسات يمكن لها ان تخلق رأيا عاما اجتماعيا ضاغطا تجاه المشاكل البيئية التي تعاني منها مدننا المعاصرة ، كما انها يمكن ان تكون مجالاً حيوياً للكثير من الناشطين في مجال البيئة . ويمكن لهذه المؤسسات ان تمارس دوراً كبيراً في نشر الوعي البيئي لدى الاوساط الاجتماعية خاصة الغائبة عن هذا الميدان .
جـ. المستوى المؤسسي : ( المؤسسات التخطيطية والبلدية).
وهذا المستوى يتعلق بالدور الذي يمكن ان يلعبه الوعي البيئي بين اوساط المهنيين والرسميين في المؤسسات التي تضبط عملية البناء والتخطيط في مواجهة التلوث البيئي الكبير في جميع المجالات البيئية .
د. المستوى الاعلامي : وهو المستوى الذي يتعلق بكل مجالات الاعلام ( Media ) سواء منها المسموعة والمرئية والمقروءة، وهي المؤسسات ذات التأثير الاكبر والمباشر في توجيه اهتمام الافراد نحو قضايا محددة وتهيئة رأي عام اجتماعي تجاهها ، حيث لطالما مثلت قضايا البيئة مواضيع ساخنة لهذه المؤسسات .
الحلول والمعالجات
بعد هذا العرض الموجز سيتم تقديم مجموعة من الحلول والمقترحات لايجاد اسس للخطاب الاعلامي للتوعية البيئية في مجتمعنا وعلى اساس :-
أ- امكانية تأثيرها الكبير على المستويات المفصلية .
ب-امكانية تكامل تلك المعالجات في جميع تلك المستويات .
1- التوجيه نحو اطلاق الدوريات والمنشورات المتخصصة في مجال البيئة في السوق الثقافية العامة باعتبارها المجال من مقومات الثقافة الفردية والاجتماعية في المجتمعات الحديثة كما هي حال الفنون والادب .....
2- توجيه المختصين في مجال الحفاظ على البيئة من المخططين وغيرهم نحو مخاطبة الجمهور العام من الناس وعدم الاقتصار في نشاطهم على اروقة الاكاديميات والمعاهد العلمية . ذلك ان هذا التخصص رغم دقته فهو من اكبر التخصصات التصاقاً بحياة الناس اليومية ، حيث من المتوقع ان يجد هذا التوجه تجاوبا شعبيا كبيرا من الناس .
3- السعي نحو اطلاق برامج مرئية تكشف حقيقة مستويات التلوث في مدننا ومدى تأثيرها على الصحة العامة وعلى مستقبل تلك المدن وامكانية العيش فيها . فضلاً عن البرامج الدعائية الموجهة نحو مشاكل بيئية محددة .
4- السعي نحو اطلاق قنوات فضائية متخصصة في هذا المجال لنشر الوعي البيئي في الاوساط الاجتماعية على غرار الفضائيات التي تتناول العمارة والتخطيط في اسواق العقار .
5- التأكيد على الدور الذي يمكن ان تلعبه مؤسسات المجتمع المدني الآخذة في النمو المضطرد في مجتمعنا من خلال ممارسات تقع في سياق خلق رأي عام اجتماعي ضاغط تجاه المؤسسات الرسمية لمعالجة التغيرات البيئية سواء منها العمرانية والطبيعية حيث يمكن ان يشكل هذا الرأي رادعا كبيرا تجاه الكثير من المشاريع الملوثة التي يمكن ان تتجه تلك المؤسسات لانشائها في المدن .
6- ويمكن ان يمارس التشريع دوراً جوهرياً في نشر وتفعيل دور التوعية البيئية في الاوساط الاجتماعية من خلال سن قوانين تأخذ طابع الالزام في تقديم دراسات بيئية تفصيلية لكل مشروع عمراني او اقتصادي ، وضرورة نشر نتائج تلك الدراسات على الرأي العام الاجتماعي من خلال المجالس البلدية المنتجة في المدن والاحياء السكنية المعنية بتلك المشاريع . وذلك سيساهم تراكمياً في نشر الوعي الاجتماعي بالبيئة وفي توجيه انماط المشاريع العمرانية والاقتصادية مستقبلاً في مدننا بما يساهم بالتقليل من مشاكل التلوث البيئي .
7- توجيه الدراسات الاكاديمية التي تتناول موضوع البيئة نحو التفاعل مع المجتمع بجميع شرائحه من خلال ممارسات بحثية تعمل على تعميق الوعي البيئي للمجتمع من جهة ، كما انها يمكن ان تستفيد من المجاميع الاجتماعية في جمع المعلومات البيئية اللازمة لتلك البحوث والدراسات وتوظيفها لحل المشاكل البيئية.
8- التوجيه نحو ممارسة ما يسمى (بورش العمل) على المستوى البيئي على غرار ما تمارسه الكثير من المنظمات الدولية على المستوى التخطيطي.
حيث يساهم في هذه الورش الناس المعنيون في المواقع الحضرية المختلفة في تحديد الاهداف والوسائل والمواقع المستهدفة في تخفيض مستويات التلوث البيئي.
حيث تساهم هذه الورش في النهاية في زيادة الوعي البيئي في أوساط اجتماعية مختلفة وصولاً لبث هذا الوعي في المجتمع ككل .
ساحة النقاش