القطار الكهربائي يدخل الثلاجة
تحقيق:ريـــاض توفيـــق
المشروعات القومية تقتلها اللامبالاة في التنفيذ, وعلي بوابة القاهرة الشرقية تجمعت كل الآمال لانقاذ أكبر مدينة صناعية فوق أرض مصر .
والتى أنشأناها بلا طرق أو سكة حديد خلافا لكل قواعد البناء الاقتصادي.وأيضا تجمعات هائلة ممتدة ومازالت تمتد في جنون وسرعة مخيفة في الشرق أنشأناها هي أيضا بلا طرق تستوعب استخدامات البشر من السكان الجدد, بلا وسائل نقل جماعي وتركناها تعتمد علي طريق واحد يتيم اسمه طريق مصر ـ الاسماعيلية حتي أصبح الطريق الآن مغلقا تماما بلا حراك وأصبح السير فيه رحلة من العذاب يتحدث عنها الآن كل البشر.
وعندما خرجت فكرة انشاء خط سكة حديد كهربائي بين[ القاهرة ـ العاشر ـ بلبيس] يضع المدينة الصناعية العملاقة فوق شبكة السكك الحديدية ويوجد وسيلة حضارية للنقل الجماعي.. فإن ما يحدث الآن من تدمير للحلم الكبير هو بكل المقاييس إهدار كبير في حق الوطن.
لقد كان الحلم القومي الذي تقتله الآن اللامبالاة في التنفيذ حلما يداعب جفون الذين ألقت بهم المقادير الي الاقامة والحياة داخل التجمعات الجديدة في شرق القاهرة بلا طرق وبلا وسائل نقل جماعي.. وأيضا الذين أقاموا صرحا هائلا من الصناعات في مدينة العاشر من رمضان دون أن يفكر المخططون قبل انشائها في وضعها علي خطوط سكك حديدية تنقل انتاجها الي المواني عبر شبكة السكة الحديد.
52 مليون راكب سنويا
وتجمعت الدراسات والأبحاث لتقول كلمتها بضرورة انشاء خط سكة حديد يربط العاصمة بالشرق من عين شمس الي العاشر ثم الي مدينة بلبيس مع استغلال خط القاهرة ـ السويس الموجود الآن بالفعل.. حتي يمكن نقل عمالة المدينة الصناعية الكبري التي تنتشر في محافظتي الشرقية والقاهرة الي حيث المصانع والانتاج.. وقالت الدراسات ان الخط الجديد سوف يخدم أكثر من70 ألف مواطن يوميا في الوصلة( القاهرة ـ العاشر) أي ما يوازي25 مليون مواطن سنويا.. ويخدم74 ألف مواطن يوميا في الوصلة( العاشر ـ بلبيس) أي ما يوازي27,5 مليون مواطن سنويا وبذلك يصل اجمالي ما تخدمه الوصلتان إلي أكثر من52,5 مليون مواطن سنويا, حيث إن معظم العاملين في مصانع العاشر من رمضان يعيشون في بلبيس والشرقية والقاهرة وسوف يخدمهم هذا الخط مثلما يخدم المدن والتجمعات الجديدة والمستقبلية في مناطق شرق العاصمة والهايكستب.
ولأن ملامح الفكرة الهائلة ـ كما يشرح المهندس حمدي الطحان رئيس لجنة النقل بمجلس الشعب ـ تحقق منفعة خطيرة للبلاد حتي أن لجنة النقل والخطة والموازنة بالمجلس قد سبق أن وافقت علي المشروع منذ عامين كمشروع قومي مهم, وقررت له اعتمادا اضافيا في ميزانية العام الماضي ايمانا منها بأنه لابد من الربط بين العمالة والانتاج, أي العمالة المنتشرة خارج العاشر وبين مواقع الانتاج داخل المدينة.
ثم كاد يتحول المشروع الحلم الي حقيقة عندما كلفت وزارة النقل مكتب خبرة انجليزيا عالميا مع مركز بحوث جامعة القاهرة لدراسة مواصفات الخط الجديد تمهيدا لطرحه للتنفيذ.
التنفيذ في30 شهرا فقط
وقام الخبراء الانجليز الذين قبضوا ملايين الدولارات من خزانة مصر ثمنا لهذه الدراسات بعمل مواصفات للخط الجديد ونوع القطارات المطلوبة ومواقع الاشارات, حيث حددت المسارات والمحطات ونظام التشغيل والأعمال الصناعية مثل الكباري العلوية وقد تم تحديد11 موقع كوبري علوي وأيضا5 أنفاق داخل العاشر من رمضان تحت مسار الخط.. وطالبت بأن يكون الخط مغلقا بأسوار من الجانبين.. وحددت تكاليف الخط بعد أن كان منذ عامين3,5 مليار جنيه.. فإنه قد ارتفع نتيجة تراخي وزارة النقل عن التنفيذ وبطء الدراسات في وقت ترتفع فيه الاسعار كل يوم بشكل جنوني حتي بلغت التكاليف الآن6,5 مليار جنيه بزيادة قدرها3 مليارات جنيه عما اذا كنا قد نفذنا المشروع منذ عامين.. وكم يا تري تصل التكاليف بعد أن يخرج المشروع بسلامة الله من ثلاجة وزارة النقل الي حيز التنفيذ؟
ثم حددت الدراسات الانجليزية زمن تنفيذ المشروع في30 شهرا فقط أي عامين ونصف العام ويصبح لدينا خط سكة حديد كهربائي يربط الشرق بالعاصمة, بما في ذلك ـ كما أكد التقرير الانجليزي ـ زمن تصنيع القطارات نفسها الذي سوف يبدأ التعاقد لتصنيعه في نفس لحظة بدء المشروع بأكمله.
6,5 مليار جنيه
ثم تجيء قضية التمويل.. من سوف يدفع6,5 مليار جنيه لتنفيذ هذا الخط الحيوي؟ وما يثير الدهشة وما يصيب المعطلين بالاحباط.. ان التمويل وهو أكبر عقبة في التنفيذ يكاد يكون قضية محلولة تماما.. إذ أكدت هيئة المجتمعات العمرانية موافقتها علي دفع جزء كبير من التكاليف نظرا لأن الخط سوف يخدم المجتمعات العمرانية الجديدة في المنطقة الحالية والمستقبلية وذلك من فائض الميزانيات الموجودة لديها, ثم تتدخل البنوك لاستكمال المبلغ المطلوب.. وقد جرت محادثات مطولة مع البنك الأهلي المصري لتمويل جانب من المشروع وقد عرض البنك تمويل70% من المشروع, ولكنه طلب دراسات مالية من مكتب محايد.. وبالطبع توقفت المباحثات مع البنك اسهاما في قتل المشروع.. في حين أن إجراء مثل هذه الدراسات قد لا يستغرق شهرا أو بضعة أيام ليصبح بعدها لدينا مصدر مهم للتمويل.
ثلاجة وزارة النقل
* وتجاهد القوي المعطلة بكل قوة ليظل المشروع داخل ثلاجة وزارة النقل اذ تتمسك وزارة النقل باستغلال الخط الفردي الموجود الآن( القاهرة ـ السويس), في حين تطلب دراسات المكتب الانجليزي رفع هذا الخط القديم اذ أنه متهالك وكان مقدرا له الرفع والاحلال منذ30 سنة ولكنه نام في ظلال النسيان لأنه في قلب الصحراء بعيدا عن العين, ويشهد الخط المتهالك حوادث يومية يكاد لا يسمع عنها أحد لبساطة الخلق من البشر الذين يستعملون هذا الخط بين القاهرة والسويس.
* وكان آخر أمل للراغبين في قتل المشروع أن ترفض القوات المسلحة خط سير القطار الجديد.. ولكن المفاجأة المخيبة لآمالهم أن وافقت القوات المسلحة علي خط سير القطار من عين شمس حتي العاشر.. ومن العاشر حتي مدينة بلبيس.
* وتكاد كل الوقائع تؤكد الرغبة الملحة في بقاء المشروع ناعسا راقدا داخل ثلاجة وزارة النقل.. حتي ما يصدر عنها من بيانات يكاد يعكس غيابات الوزارة عن تفاصيل المشروع.. اذ خرج منذ أيام تصريح يؤكد أن الخط الجديد بين العاشر وبلبيس سوف يكون كهربائيا بتكلفة500 مليون جنيه, هذا ما أعلنه متحدث رسمي للوزارة.
والمهندس جمال مختار مدير عام مشروعات السكة الحديد يؤكد بدوره أن الوصلة بين العاشر وبلبيس لن تكون كهربائية ولكن سوف يكون قطار ديزل حتي ينقل البضائع من العاشر الي شبكة السكة الحديد في بلبيس.. كما أن هذا المبلغ ليس تكلفة خط كهربائي, إذ أن الخط الكهربائي تتضاعف تكاليفه عن500 مليون جنيه.. وبذلك فإن الوزارة لا تعرف اذا كانت الوصلة بين العاشر وبلبيس كهربائية أم ديزل ولا تعرف تكاليف الديزل من الكهرباء.
وصلة بلبيس جاهزة
ويؤكد مدير عام المشروعات, أن الوصلة( العاشر ـ بلبيس) بطول22 كيلومترا فقط وليس44 كيلومترا ـ كما قال بيان الوزارة ـ أن هذه الوصلة دراساتها جاهزة تماما بإنشاء خط مفرد ديزل بتكلفة500 مليون جنيه ماعدا الجزء عند مدينة العاشر, فقد طالبت هيئة المجتمعات العمرانية بعدم دخول القطار الديزل الي داخل المدينة ولذلك فإنه يجري الآن دراسة تغيير المسار حتي يلتقي الخط الديزل بالخط الكهربائي القادم من عين شمس.. وعندما تنتهي هذه الدراسات فإن مدة تنفيذ الخط ـ اذا خرج قرار بالتنفيذ ـ لن تستغرق سوي عامين فقط, إذ سوف يتولي التنفيذ احدي شركات وزارة النقل بعد الاعلان عن المناقصات.
فكرة للتمويل
وعودة الي قضية التمويل أكد لي المهندس محمد الهواري استاذ الأساتذة في عالم السكة الحديد بجامعة القاهرة, أن هذا الخط والذي يسمونه خط الشرق سبق أن تم الاعداد له والدراسات الخاصة به منذ5 سنوات ولكن هناك تقصيرا غريبا في تنفيذ هذا الخط برغم أن تنفيذه أمر حيوي للمنطقة والتجمعات البشرية والمدن الصناعية الجديدة, وان صعوبة تمويل هذا الخط قد تحول دون تنفيذه اذا لم تتدخل الدولة كممول للمشروع.. وأضاف رأيا أن هذا الخط سوف يحدث إحياء شديدا للمنطقة في شرق العاصمة مما قد يدعو الدولة الي رفع قيمة الأراضي المباعة في الشرق بما يحقق التمويل المطلوب.
* كما يتحدث الآن مستثمرو العاشر من رمضان عن موافقتهم علي المساهمة في تمويل المشروع الذي تحتاجه المدينة الصناعية الكبري.
لم شمل المشروع
* ويبقي التساؤل الحائر: كيف يمكن لم شمل هذا المشروع الممزق حتي يري النور؟
إن انطلاق وتنفيذ المشروع يعتمد أولا علي وجود النية لدي المسئولين في تنفيذ القطار الكهربائي.. ومن الواضح تماما أن عدم وجود هذا الشرط الجوهري اذ تتفتت كل أوصال المشروع وتفاصيله بين جهات حكومية وبين ادارات عديدة.. اذ تجد التمويل المالي لدي جهاز التجمعات العمرانية في الاسكان والبنوك.. والبنك الأهلي من جهة ثالثة والذي يطلب دراسات دون أي استجابة.. ويتنازع المشروع جهتان إذ تجد الوصلة بين العاشر وبلبيس لدي المشروعات الهندسية في السكة الحديد.. والوصلة بين عين شمس ـ العاشر تائهة وضائعة في ممرات ومكاتب وزارة النقل.. ثم تأتي العقبة الكبري عند الشروع في التنفيذ عندما يتطلب الأمر إخلاء خط سير القطار وبالذات في منطقة عين شمس ونزع ملكيات مبان تعطل الآن خط السير.
ولعل أول بديهيات الاخلاص في التنفيذ اذا خلصت النية هو توحيد جهة الاختصاص في هيئة أو لجنة واحدة مهمتها القومية لملمة كل أوصال وتفاصيل المشروع والانتهاء من كل المشكلات التي تحول دون تنفيذه حتي يأتي يوم يطرح فيه الخط الكهربائي الجديد للتنفيذ بين الشركات الوطنية.
اهتمام رئاسي
القيادة السياسية تستشعر مدي عذاب المواطنين في العاصمة مع رحلات العذاب بعد أن انتشر التعمير في شرق العاصمة.. وأيضا ما تعانيه المدينة الصناعية الكبري العاشر من رمضان.. لذلك طالب الرئيس في اجتماع وزاري في10 مايو الماضي بالاسراع في اتخاذ التدابير اللازمة وتخفيف حدة كثافة المرور في القاهرة الكبري, والانتهاء بسرعة من المشروعات التي تحقق هذا الهدف.. وطالب الرئيس أن يعرض عليه المشروعات التي تجري والمحاور الرئيسية لشرق وغرب القاهرة.. ولذلك أعلنت وزارة الإسكان علي لسان اللواء محمود مغاوري رئيس الجهاز المركزي للتعمير أن الخطة المتكاملة لمواجهة اختناقات القاهرة الكبري تتضمن انشاء خط مكهرب سريع من عين شمس حتي مدينة العاشر بطول70 كيلومترا وزمن الرحلة85 دقيقة وهو وقت قياسي, والمرحلة الأولي منه تنقل420 ألف راكب يوميا في الاتجاهين والتكلفة التقديرية للمشروع نحو6 مليارات جنيه, واستجابة لما أبداه القائمون علي المشروع من مطلب تعاوني من المصانع في العاشر أبدت هذه المواقع موافقتها علي إجراء اشتراكات لجميع العاملين في المصانع لاستخدام الخط الجديد حتي يمكن تحقيق دخل سنويا يغطي جزءا من تكاليف هذا الخط الحيوي.
كما أن الدراسات اكدت أن السنة الأولي من التشغيل سوف تحقق250 مليون جنيه, كما أن اقامة ميناء خاص في منطقة العاشر لنقل البضائع سوف تحقق دخلا هائلا, ومن المنتظر كما تقول كل الحسابات ان المشروع سوف يغطي تكاليفه تماما في ظرف عشر سنوات فقط.
ساحة النقاش