أ.د. مبروك عطية يكتب: الإسلام وعلاج العمى (٢٥) درس تحويل القبلة

٢٣/ ٧/ ٢٠١٠

إنّ درس تحويل القبلة من الدروس المهمة فى حياة الأمة التى تكمن فى الأمور الكبيرة، والتى تكشف عن معادن الناس وما فى قلوبهم من يقين، ولذا قال الله تعالى: (وإنها لكبيرة إلاّ على الذين هدى الله)، فالذين هداهم الله يبرزون عند عظائم الأمور فى أكمل صورة من الطاعة، وفى أنبل سلوك من المضى قدماً نحو المعالى، أما غيرهم فقد سماهم الله- تعالى- سفهاء، فقال عز وجل: (سيقول السفاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها)،

وجاء الرد على هؤلاء (قل لله المشرق والمغرب يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم)، إن الذين صلوا خلف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما رأوه تحوّل تحولوا، تماماً كما حلقوا وذبحوا هديهم لما رأوه يوم الحديبية قد حلق وذبح هديه تماماً كما قالوا له يوم بدر: لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، كل هذه الآثار شاهدة على علو الذين هداهم الله، لا يترددون فى ريب، كما يتردد المنافقون (فهم فى ريبهم يترددون).

جاء وفد إلى النبى- صلى الله عليه وسلم- وكان فى هيئة لا تسر، فقال صلى الله عليه وسلم: تصدقوا من أجل إخوانكم.

فما مرّت ساعة حتى كان أمامه- صلى الله عليه وسلم- هرم من الصدقات، جاء عبدالرحمن بن عوف بأربعة آلاف، نصف ما رزقه الله، وجاء عمر بنصف ما عنده، وجاء رجل من الأنصار اسمه أبوعقيل بصاع من تمر هو نصف ما عنده، وكان يشقى بالليل يسقى زرع الناس على صاعين من تمر؛ فقال له- صلى الله عليه وسلم- انثره فوق الصدقات، كأنه توج به الصدقات العظيمة التى جاء بها القادرون من الصحابة أمثال ابن عوف وغيره، لكن المنافقين لمزوا أبا عقيل، وسخروا منه، وقالوا: إن الله غنى عن صدقة هذا؛ فأنزل الله فيهم إلى يوم القيامة قوله: (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين فى الصدقات والذين لا يجدون إلاّ جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم).

وهكذا دأب المنافقون والذين فى قلوبهم مرض، لا نجنى منهم غير اللمز، والهمز، والسخرية، والكلام الفارغ، والسؤال السخيف، ويزعمون أنهم مثقفون ومتنورون وأصحاب منطق وفلسفة وفيزياء ورؤى ورؤية، لا يقدم أحدهم شيئاً نافعاً ولم يصل إلى مستوى ما وصل إليه رجل قضى الليل ساهراً يسقى زرع الناس على صاعين من تمر فترك لأهله صاعاً، وجاء امتثالاً لأمر النبى- صلى الله عليه وسلم- بصاع من أجل إخوانه البائسين المحتاجين، إننا فى حاجة إلى مثل هذه الروح، روح أبى عقيل التى هى من ثمرة تحويل القبلة، وثمرة تحويل القبلة «الاستجابة» دون فلسفة، ودون تمحك وتوقف، إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا، نحن اليوم نرى المنكوبين والمتضررين من السيول وغيرها فى أشد الحاجة إلى تحويل القبلة، فالذى يعتمر كل عام مرة أو مرتين عليه أن يحول هذه الأموال إلى مثل هؤلاء، فهم أولى بها، وثوابه علیها أعظم من ثواب تكرار الحج،

فضلاً عن العمرة، فتكرار الحج والعمرة من السنة، ونجدة هؤلاء من الفريضة، والفريضة مقدمة على السنة، إن من فقه تحويل القبلة أن يسرع المسلمون إلى تحويل أوضاعهم من الهزيمة إلى النصر، ومن البؤس إلى الرخاء، ومن المرض إلى التعافى، ومن الاضطراب إلى الاستقرار وبسرعة؛ قال الله تعالى: «وسارعوا» وقال عز وجل «سابقوا» وقال سبحانه «وفى ذلك فليتنافس المتنافسون»، والخطاب الدينى المستنير هو الذى يستلهم الدرس المستفاد لا الذى يقص القصة ويقف عند ما حدث، كالذى يقف أمام الحادثة أو الحدث مجرد عين لاقطة بلا قلب يعى ويتدبر

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 200 مشاهدة
نشرت فى 23 يوليو 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,791,861