علماء نوبل يعرضون أبحاث المستقبل
ألمانيا من: أشرف أمين
يرجع المؤرخون التقدم البشري الذي تحقق في عصرنا الحديث لكم الابتكارات والاكتشافات البحثية التي حققها العلماء خلال عقود قليلة في مجالات عدة من علوم المواد حتي مكونات الخلايا إلي علوم الفضاء.
هذا الإنتاج البشري الرائع والذي يصعب علي أي إنسان تخيله تجسد أمام عيني منذ أيام قليلة وأنا أقابل59 عالما من الحاصلين علي جوائز نوبل في الطب والكيمياء والفيزياء اجتمعوا جميعهم في جزيرة صغيرة جنوب ألمانيا من أجل بث الأمل ونقل خبراتهم العلمية والحياتية إلي650 باحثا وباحثة من جميع أرجاء العالم.
هذا الحدث الدولي والمعروف باسم ملتقي علماء نوبل بمدينة لينداو يقام سنويا منذ أكثر من60 عاما, بدعم من عائلة الكونت برنادوت بألمانيا ومجلس علماء نوبلوالذي يضم في عضويته أكثر من230 عالما.
كما يعد الملتقي بالنسبة لشباب العلماء فرصة العمر, حيث تتم دعوتهم لمثل هذا الملتقي مرة واحدة في العمر للتعلم والتواصل مع رموز العلم. ولعل ما يضاعف من أهمية ملتقي هذا العام كونه الاحتفال بالعيد الستين علي تأسيس الملتقي السنوي, لذلك كانت دورة هذا العام استثنائية, حيث تم جمع أكبر قدر من الحائزين علي نوبل في الطب والكيمياء والفيزياء وإتاحة الفرصة لمئات الباحثين من كل أرجاء الأرض لحضور فعاليات الملتقي. وقد بدت محاضرات علماء نوبل أشبه بقراءة غزيرة ومتنوعة لكل ما حققته البشرية علي مدي العقود الثلاثة الأخيرة والاكتشافات العلمية المحتملة خلال العقود القليلة المقبلة والتي من الممكن أن تغير من فهمنا لأمور عدة, ففي الوقت الراهن يتحدث علماء الفيزياء عن شيء يمثل80% من مكونات هذا الكون ويحمل اسم' الجسم الداكن' لا يمكن رؤيته أو تخيل مداه لكنه موجود وله دور مهم في ترابطه بالأجسام المضيئة مثل النجوم من خلال قوي الجذب, في المقابل يرصد العلماء ما يعرف باسم الطاقة الداكنة والتي تؤدي إلي اتساع الكون وتباعد مكوناته, هذه الدراسات هي اليوم تحت الدراسة والبحث بمناطق مختلفة من العالم منها معامل سيرن لأبحاث الطاقة الذرية, التذي تجري حاليا أكبر تجربة فيزيائية في التاريخ لمعرفة سيناريو اللحظات الأولي في الكون.
أما علي المستوي الطبي, فيطرح الدكتور جاك سوزستاك الحاصل علي جائزة نوبل في الطب عام2009 سؤالا أصعب من خلال أبحاثهة لمعرفة أصل الحياة علي الأرض وشكل الخلية منذ آلاف السنين, وهو الذي أفني سنوات من عمره مع علماء آخرين في مشروع رصد الجينوم,قد قرر منذ سنوات قليلة تكريس أبحاثه لأسئلة بحثية بعيدة تماما عن الجانب التطبيقي, حيث قدم عرضا عن تصوره لما يمكن أن يكون الشكل الأولي لجدار الخلية ومكوناتها من خلال عدد من التجارب المعملية التي شاركه بها فريق كبير من العلماء من تخصصات متعددة في محاولة لاستجماع كل معارف الإنسان مما يعطي تصورا لشكل الخلية ومراحل التطور منذ نشأة الخلق إلي يومنا هذا. وفي سؤال للأهرام حول مدي الترابط بين أبحاثه بالمقارنة بنتائج الدكتور كريج فنتر الذي نجح مؤخرا في بناء أول خليه بكتيرية, قال سوزستاك أنه علي عكس أبحاث فنتر والذي يقوم بتجميع شريط وراثي لخلية, فإنه يقوم في المقابل بتجميع شكل مبسط جدا للخلية, كما من المفترض أن تكون مع بدء الخلق, ولكي يحدث ذلك فإننا نقوم بمحاولة الرجوع إلي الشكل الأولي لمكونات الخلية وجزء كبير مما يساعدنا علي تنفيذ هذا التصورهو التطور المتلاحق للتقنيات الحالية من ميكروسكوبات بالغة الدقة وأجهزة معملية تتيح لنا تخيل بيئات افتراضية لشكل الخلية منذ آلاف السنين.
ورغم أن مثل هذه الأبحاث تبدو غير قابلة للتطبيق في الوقت الراهن إلا أنها بالغة الأهمية, كما يقول الدكتور روبرت هورفيتز أستاذ البيولوجيا بجامعة ماساشوستس للتكنولوجيا فكل الاكتشافات العلمية الكبري كانت غير متوقعة, وحدثت بسبب اهتمام العلماء بالبحوث الأساسية وجرأتهم في توجيه أسئلة بها قدر كبير من الجرأة لاستكشاف المجهول, وهو ما يمكن تأكيده من خلال عرض دكتور هورفيتز لأبحاثه واكتشافه لآلية وفاة الخلية, والتي حصل بمقتضاها علي جائزة نوبل في الطب عام2002 حيث أسهمت هذه البحوث في فهم بعض الأمراض ومنها بعض أنواع السرطان, لذلك شدد هورفيتز علي ضرورة دعم الأبحاث الأساسية الموجهة للبحث العلمي فهي في تقديره قاطرة التقدم والتنمية العالمية وأن تضع الدول ذات الموارد المحدودة بعضا من خططها لدعم مجالات محددة من هذه الأبحاث.
من ناحية أخري, أضفي عدد من العلماء بعدا آخر لملتقي لينداو حين تحدثوا عن أبحاثهم الحالية التي لم تنشر بعد ومنهم فرنسواز سينوسي أستاذة الفيروسات بمعهد باستير, فالعالمة الفرنسية الحاصلة علي جائزة نوبل في الطب لعام2008 لاكتشافها فيروس الإيدز عام83 تطرقت في محاضرتها لمجالات بحثية جديدة في أبحاث الإيدز, فإلي جانب الأبحاث الموجهة حاليا لإيجاد علاجات وقائية من المرض, وجد العلماء أن15% من هؤلاء المرضي معرضون للإصابة بأورام ليمفاوية في ظل اختلال الجهاز المناعي, وبالتالي من الممكن من خلال دراسة هذه الحالات فهم العلاقة بين حدوث خلل الجهاز المناعي والإصابة بالأورام, كما يفتح الباب لمزيد من الأبحاث للعلاجات الجينية.
أما السير جون وكر الأستاذ بجامعة كمبريدج ببريطانيا فتحدث عن المحرك الأساسي لتحويل الغذاء إلي طاقة بالخلية, والمعروف باسم الميتوكوندريا والتي زادت في السنوات الأخيرة حجم الأبحاث المعنية بهذا الجزء الدقيق من الخلية, حيث وجد العلماء أن له شريطا وراثيا خاصا به بخلاف الشريط الوراثي للخلية, كما وجدوا أن هناك كما كبيرا من الأمراض الوراثية الناتجة عن حدوث خلل في الميتوكوندريا مثل السكر وضعف السمع والإبصار وبعض أنواع الشلل الرعاش والصرع والتصلب المتناثر وبعض أمراض الكبد. وأخيرا أثبتت بعض الدراسات العلمية أن أعراض الشيخوخة من إرهاق وتعب مستمر تحدث نتيجة خلل في الشريط الوراثي للميتوكوندريا, لذلك فإن معظم الأبحاث في العالم موجهة لاكتشاف علاجات جديدة تحد من تلف هذا الجزء من الخلية. وقد أكد الدكتور وكر أن هناك بعض النتائج الإيجابية في هذا المجال لعلاج بعض أنواع الشلل الرعاش مما يمهد لوجود علاجات أكثر فاعلية في المستقبل للتغلب علي المرض.
وبعيدا عن المواضيع التقنية, طرح العلماء قضايا أكثر شمولية مثل دور العلم في المجتمع وأهمية مراعاة الجانب الأخلاقي عند التعامل مع القضايا العلمية, كما عرض الدكتور كروتو الأستاذ بجامعة فلوريدا تجربته عن توثيق المحاضرات العلمية علي الإنترنت وإتاحة المعرفة للجميع.
المؤكد أن لينداو تجربة حياة للكثير من الباحثين خاصة للقادمين من دول العالم النامي والذين قلما تتاح لهم مثل هذه الفرص, حيث ذكر الباحث مراد الضامن من الأردن أن علماء نوبل منحونا كنوزا وتحدثوا عن نتائج أبحاثهم التي لم تنشر بعد ولم يهتموا إلا بأن نحاورهم ونتعلم. أما الباحثة رشا محمد علي من مصر فذكرت أنه في الجلسة الافتتاحية منحت المقاعد الأمامية للشباب, بينما جلس العلماء في الخلف وكأنهم يقولون لنا أنهم يريدوننا في الصفوف الأولي وأنهم يدعمون خطانا.
طالع لقطات من فعاليات ملتقي علماء نوبل علي موقع الأهرام علي الإنترنت
ساحة النقاش