بقلم: د. رفعت السعيد
الحجاج بن يوسف الثقفي كان أفصح فصحاء زمانة وأوسع اللغويين فهما واللغة العربية ولقواعدها وأدواتها ونحوها وصرفها وكان الأقدر في زمانه علي خطبة متقنة ومؤثرة. لكنه كان في نفس الوقت جبارا عتيا ظالما ظلوما.
كان يصعد إلي المنبر ليعظ الناس ويدعوهم إلي الحق والخير والعدل والتراحم بجمل منمقة وبلاغة لانظير لها ثم وفجأة يصيح فيهم والله إني أري رءوسا قد آن قطافها وإني لصاحبها فينسي الناس كل ماقال ويتذكرون الخوف والرعب الذي يبثه في قلوبهم.
وذات يوم وقف الحجاج خطيبا فذكر الثواب والعقاب وأمر الناس بتقوي الله فقال الحسن البصري وكان حاضراألا تعجبون من هذا الفاجر يرقي عتبات المنبر فيتكلم بكلام الأنبياء ثم ينزل عنه فيفتك فتك الجبارين إنه يوافق الله في قوله ويخالفه في فعله.
تذكرت هذا القول وأنا أطالع بعض ماقيل أنه البرنامج الانتخابي للمحظورة. وإذ به جمل منمقة ووعود براقة وكل ذلك مرصع بآيات كريمة وصياغات توحي بأنها متقنة ثم عدت لأقارن مايقال من تأييد العمال ودعم إضراباتهم واعتصاماتهم بالواقع الواقعي.
وكم أود أن يذهب هذا النفر منهم إلي بعض تاريخ الجماعة ليري موقفهم الفعلي.
* هم يؤيدون الآن الإضرابات والاعتصامات ولكن ماذا هو الموقف الفعلي؟ عندما أضرب عمال كفر الدوار في أغسطس1952 ذلك الاضراب الشهير الذي انتهي بإعدام العاملين خميس والبقري أعلن الاستاذ سيد قطب أن هؤلاء المضربين مفسدون في الأرض ويجب أن يقام عليهم حد الحرابة أي أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف, وإلي جواره يكتب محمد بكير في مجلة الدعوة( الجريدة الرسمية للجماعة) واذا كان البوليس قد تولي التحقيق في هذا الأمر ليقدم هذا النفر من الخونة إلي للمحاكمة فما كنت أريد ذلك, كنت أريد من العمال الذين نفروا من هذا العمل الشائن الشنيع أن ينصبوا من أنفسهم قضاة ويحكموا علي هؤلاء بالإعدام.] الدعوة14 ذو القعدة1371 هـ5 أغسطس1952,. وبطبيعة الحال تستخدم الآيات القرآنية الكريمة في محاولة غير شريفة لتبرير موقف غير شريف فمجلة الدعوة تقول عن المضربين يا رجال التطهير هؤلاء هم المجرمون الحقيقيون اسحبوهم من جحورهم وأخرجوهم من مخابئهم, ولاتأخذكم بأعداء الله والوطن رحمة ولاشفقة وإنما جزاؤهم حدده الحق تبارك وتعالي إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف] الدعوة19 ـ أغسطس1952, والآيات الكريمة واجبة التقديس ولكن ضد من ؟ هل ضد عمال أضربوا مطالبين بأجور تكفي طعام الأبناء وتسكت جوعهم؟
والأمر لم يكن متعلقا بزمن معين ولابحاكم بعينه فعندما انفجرت مظاهرات الشعب في19,18 يناير1977 ضد ارتفاع الأسعار ومن أجل حياة أفضل للفقراء, وقف الإخوان ضد جموع الشعب وضد مطالبتهم بعدم زيادة الأسعار ويكتب الاستاذ محمد عبد القدوس في مجلة الدعوة طالبا الثمن من الرئيس السادات فيقول: إن العناصر الإسلامية لم تخدع بهذه الاحداث مما أفسد مخططها وكان له اثر كبير في إمكان القضاء علي الفتنة, ونتمني أن يدرك المسئولون هذه الوقفة المؤمنة من الجماعات المؤمنة والتي أثبتت في هذه الأيام أصالتها]26 ـ2 ـ1977,.
وأعود إلي عتاب البعض علي عودتي لتاريخ الجماعة وتحسبهم من ان يكون ذلك عنادا مع خصم سياسي أو رجوعا إلي ماض قديم والي هؤلاء أقول أمرين, أولهما أن الحاضر هو ابن الماضي خاصة ان الجماعة لاتغير أبدا من افكارها ولامواقفها, وإلا فلتقدم أي نقد لما كان أو حتي القول إن مواقفها قد تغيرت بتغير الزمان.
والرسول الكريم يقول: يحمل هذا العلم من كل خلف عدول ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المطلبين وتأويل الجاهلين وكان ابن عمر يهاجم الخوارج لأنهم انطلقوا إلي آيات نزلت في الكفار فجعلوها علي المؤمنين.
أما الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان فيقول كان الناس يسألون رسول الله صلي الله عليه وسلم عن الخير وكنت أنا أسأله عن الشر مخافة أن يدركني, فكيف لمن لايعرف الشر أن يتجنبه؟
والحقيقة ان البعض لم يزل يخدع في أقوال منمقة وتتبدي وكأنها جزء من صحيح الإسلام وما هي إلا تأسلم. أو تتبدي وكأنها الموقف الحقيقي فإذا هي مجرد خداع لفظي يستدرج الطرف الآخر إلي سراب.
وفي حديث أدلي به الدكتور البرادعي دعا إلي إشراك الإخوان في الحكومة وفي حديث آخر إلي جريدة الفيجارو الفرنسية قال إنه في مناقشاته مع الإخوان قبلوا بالدولة المدنية والدولة العلمانية. ولن أقول شيئا عن مدي صحة هذا الموقف وإنما اكتفي باعتراف واضح وصريح ورد علي لسان واحد من أقرب المقربين منهم هو الاستاذ فهمي هويدي الذي أورد في مقال له بعنوان الأحزاب مذاهب في السياسة] الأهرام25 ـ8 ـ1992, تصريحا للمرحوم الاستاذ مصطفي مشهور قال فيه وأرجو أن تقرأوا الكلمات بإمعان وتدقيق الأمر يحتاج إلي تفرقة بين مرحلة الدعوة حيث ان هناك اوضاعا مفروضة ولاخيار للإسلاميين فيها وبين نموذج الدولة التي يتصورها الإسلاميون.
مرة أخري طالعوا هذه العبارة بتدقيق وتفهم لما تحتويه. ثم هو يكمل وأنا لا أري محلا في الواقع الإسلامي لفتح الأبواب أمام المخالفين للإسلام للدعوة لمبادئهم ومنهم العلمانيون وهذا الموقف من قبيل الوقاية التي ينبغي التماسها لتأمين المجتمع والدفاع عن قيمه الإسلامية والآن هل ينقد الآخوان رأي الاستاذ مشهور أم يكذبوا ماقاله الدكتور البرادعي؟
والأمر كله ليس بجديد فقد كان الوليد بن عبد الملك ممثلا بارعا أمضي أياما عديدة في مسجد الرسول يقضي ليله ونهاره مدعيا التعبد وقراءة القرآن حتي أسموه حمامة المسجد النبوي فما إن أصبح خليفة حتي صاح والله ماينصحني أحدكم بتقوي الله إلا وقطعت رأسه.
المزيد من مقالات د. رفعت السعيد<!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" /></a> <script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></script> AddThis Button END -->
ساحة النقاش