نحو منهجية علمية إسلامية
بقلم:د‏.‏ يمني طريف الخولي


‏فضلا عن أن العلم ـ ككل نشاط إنساني ـ له منزلقاته وحيوداته‏,‏ ويحتاج لعناصر توجيهية ومنظومة قيمية هادية لممارساته ومساره‏,‏ وقد باتت أخلاقيات العلم والبحث العلمي والتطبيقات العلمية في العقود الأخيرة من الأولويات الجديرة بالاهتمام‏.

 

‏هذا بعد أن راجت طويلا مسلمة مغلوطة تزعم أن العلم بمنهجيته لا وطن له ولا هوية‏.‏ تعمل هذه الأغلوطة الزاعمة أن العلم لا وطن له علي تكريس الواقع المتخلف‏,‏ ليظل العلم حيث هو في عالمه المتقدم زاعما عمومية لاينعم بها إلا أهلوه وما يجودون به علي الآخرين الذين لاحظ لهم من الإسهام في التقدم العلمي‏.‏ ولا مندوحة عن الاعتراف بأن الواقع المتخلف علميا من نصيبنا إلي حد ما‏,‏ ويستبد بنا العزم لتجاوز الواقع المأزوم بآفاق فكر نهضوي يستدرك مافاتنا بالتمكين لعوامل التقدم العلمي وعلي رأسها توطين المنهجية العلمية توطينا أصيلا غير مجلوب أو مستورد‏.‏
وإذ يصح منا العزم لتوطين المجتمع العلمي‏,‏ فلدينا ماهو أجل وأعظم من التقاليد‏,‏ لدينا القيم والنواميس والشرائع الإسلامية بقدرتها الفريدةـ حين نحسن استيعابها وتفعيلها ـ علي شحذ النفوس وتوجيه السلوك‏,‏ إعمالا للجهود وللعقول‏,‏ لإنتاج الفكر والعلم والمعرفة‏.‏
في هذا الإطار يكون بحثنا عن المنهجية الإسلامية‏.‏ علي أن المنهجية‏(‏ الميثودولوجيا‏)‏ أطروحة أبعد من مجرد سرد مناهج البحث العلمي وموازين الاستدلال العقلي والإجراءات والخطوات‏,‏ فهي تحتوي هذا وتتجاوزه‏.‏ تضم المشترك الإنساني العام من أدوات منطقية وآليات ووسائل ذهنية وإجراءات عقلية ومهارات التفكير التحليلي الناقد والاستقلالية والإبداع‏,‏ تضمه في إطار يشكل القيم والخصوصية الحضارية‏.‏ المنهجية إطار وتصور عام لمباديء وحدود وخصائص ومعالم وقيم وأهداف وفاعلية إعمال العقل العقل المنتج‏,‏ في توليد الفكر والأفكار وإنتاج البحث العلمي‏.‏ إنها أيضا ماوراء المنهج أو ماقبل المنهج أو الميتا منهج‏.‏
بهذا ترتبط المنهجية بالتقاليد الوطنية‏,‏ فحين نقول ـ مثلا ـ المنهجية الأنجليزية تقفز إلي الإذهان التجريبية الكلاسيكية‏,‏ وحين نقول المنهجية الألمانية يتبدي طابع العلوم الدقيقة والاستدلال المحكم‏,‏ وفي المنهجية اليابانية يتصدر الحديث روح الجماعة ونبذ الفردية‏...‏ الخ‏,‏ والسؤال الأن‏:‏ ماذا حين نقول المنهجية الاسلامية؟ كيف يمكن أن يستخدم الباحثون المناهج الإجرائية والأدوات المنطقية بصورة تنسجم مع المنطلقات والقيم المعايير والأهداف الإسلامية؟
حيث ينطلق الوعي المنهجي من المداخل الإسلامية‏,‏ سوف يحمل العناصر الموجهة للبحث العلمي في حضارتنا‏,‏ والمساهمة في تحديد أخلاقياته وغاياته‏,‏ فيتمثل تمايز الحضارة الإسلامية تأكيدا لقيمها ولوجودها‏,‏ كأمة وسط‏,‏ شكلت فيما سبق دائرة حضارية‏,‏ استوعبت الحضارات الأسبق والديانات السماوية الأخري‏.‏
وطبعا من الضروري العناية بدرس وفحص الإنجاز العظيم والرصيد الهائل الذي قامت به الحضارة الغربية في مجال المنهجية والمناهج الفعالة‏.‏ ولكن هناك فارقا بين الدرس والاستفادة والتوظيف الراسم للحدود‏,‏ وبين الترديد الأصم والتبعية العمياء‏,‏ وفي رفضنا الاغتراب عن واقع المكان يظل من حقنا أن نقبل ونرفض ونقدم مايحمل خصائص حضارتنا نحن‏,‏ ويحقق أهدافنا ويؤكد وجودنا‏.‏
ورفضا للاغتراب عن واقع الزمان‏,‏ من الناحية الأخري‏,‏ لابد أن تكون الرؤية المنهجية معاصرة‏,‏ تستجيب لتحديات العصر وتجيب عن تساؤلاته‏,‏ فقد كان للمسلمين في عصر تألقهم وازدهارهم جهودهم الجبارة في المجال المنهجي وعطاؤهم المتميز في مأسسة الفكر والبحث بمنهجية ومناهج‏.‏ ولابد أن يوضع هذا موضع الاعتبار ونحن بصدد المنهجية الإسلامية‏.‏ ففي مجال المنهجية‏,‏ كما هو الوضع في محاور حضارية عديدة‏,‏ لدينا نموذجان مكتملان‏,‏ النموذج الإسلامي الموروث‏,‏ والنموذج الغربي المعاصر‏.‏ والمطلوب استيعاب وتجاوز هذا وذاك بمنهجية إسلامية معاصرة‏.‏
وبينما كانت قراءة كتاب الطبيعة في الحضارة الغربية بديلا عن قراءة الكتاب المقدس واستبعادا وتنحية له‏,‏ تنطلق المنهجية الإسلامية من الجمع بين القراءتين قراءة الكتاب المنزل وقراءة كتاب الطبيعة والكون‏,‏ الوحي المسطور والوحي المنظور‏,‏ أي قراءة القرآن والعالم‏,‏ كليهما‏,‏ وتعلمنا آيات القرآن الكريم أن السبيل المؤدي لحقائق التوحيد هو النظر العقلي‏.‏ ولذلك كان النظر العقلي المطلب الإلهي الأول من الإنسان‏,‏ مما يعني أن المعرفة المنهجية واجب أول علي المسلم‏,‏ في المنهجية الإسلامية‏,‏ العقل والإيمان يسيران معا لترشيد مسيرة الإنسان‏.‏
مرتكز المنهجية الإسلامية هو دعامة الإسلام الكبري اي عقيدة التوحيد‏:‏ وحدة الخالق ووحدة الخلق ووحدة المعرفة‏.‏
‏[‏إن الذين أمنو وعملوا الصالحات أؤلئك هم خير البرية‏],[‏ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجرهم‏].‏ وبديهي أن كليهما مرتبط بالقيمة والغاية‏.‏
لقد انطلقت المنهجية الغربية الوضعية‏,‏ منهجية القراءة الوحيدة لكتاب الطبيعة فقط‏,‏ من مبدأ ميتا ميتافيزيقي عميق وضروري لكي يكون العلم ممكنا‏,‏ مفاده أن هذا الكون ليس هاوية من الفوضي والعماء بل هو عالم منتظم مطرد‏,‏ وبالتالي قابل للفهم العلمي والبحث عن قوانينه‏.‏
أما التوحيد فهو مبدأ قيمي‏,‏ يضفي علي الكون نظاميته‏,‏ ويضفي علي البحث العلمي أخلاقياته ومعاييره‏,‏ ويحدد للمسلم ماهيته ودوره وقيمة‏,‏ وشبكة العلاقات مع الكون والحياة والزمان‏.‏
إن القيم المميزة للتصور الإسلامي والرؤية الكونية الإسلامية‏,‏ لابد أن تتجسد في منهجية إسلامية منشودة‏.‏
 

 

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 141 مشاهدة
نشرت فى 19 يونيو 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,791,855