الفرار من العمل!
بقلم:عايدة رزق
إذا كان الموظف الامريكي يسرق اسبوعيا أربع ساعات وثماني عشرة دقيقة من وقت العمل كما أعلن المشرفون علي الدراسة التي اجرتها وزارة العدل الأمريكية..
فكم يسرق الموظف المصري والذي نراه كثيرا وهو يتنفس الصعداء خلال عبوره الشارع في الثانية عشرة ظهرا تاركا مكان عمله قبل الميعاد المحدد للانصراف قائلا لمن حوله أحيانا ولنفسه أحيانا أخري علي قد فلوسهم.
المهم ان الدراسة الامريكية والتي استغرق اعدادها ثلاث سنوات شرحت كيف يسرق الموظف الأمريكي258 دقيقة كل اسبوع.. فهو يأتي إلي مقر عمله متأخرا وينصرف مبكرا.. وبين وصوله وانصرافه يهدر وقتا آخر في شرب القهوة وتناول وجبة الغذاء واجراء مكالمات هاتفية شخصية والذهاب كل فترة إلي المكانه المخصص للتدخين... ولا يكتفي بذلك بل يسعي بكل الطرق إلي الحصول علي اجازة مرضية مدعيا أمراضا وهمية إلي هنا وكل هذه التفاصيل نعرفها نحن جيدا.. لكن المثير للدهشة ان الدراسة لم تذكر الوقت الذي يقضيه الموظف الامريكي في النميمة علي الزملاء.. والتهكم علي قرارات الرؤساء.. والاستماع إلي آخر الاخبار والشائعات... وتبادل أحدث النوادر والنكات.. وهي السلوكيات التي تتصدر قائمة الأعمال التي يضيع فيها وقتا نظيره المصري..
ولانه لا توجد دراسة علمية حديثة تقول لنا كم عدد الساعات التي يسرقها الموظف المصري من ساعات عمله فليس أمامنا سوي طرح سؤال قد تسهم الاجابة عليه في تخيل حجم الساعات المسروقة.. والسؤال هو: كيف تزدحم الشوارع بالناس في الوقت المفروض ان يكون فيه البشر في أماكن عملهم.. كذلك مع عدم وجود احصائيات عن عدد المزوغين سنضطر إلي الاعتماد علي الاخبار التي تنشرها الصحف والمجلات من وقت لآخر مثل هذا الخبر الذي يتضمن ان الوزير سامح فهمي ترك فجأة مكتبه ذات صباح وتوجه إلي احدي كبري شركات وزارة البترول.. فماذا وجد ؟
في الحقيقة وجد ما لم يسر.. فقد فوجئ بالمكاتب شبه خاليه من الموظفين قبل ان يكتشف ان رئيس الشركة والمديرين أيضا لم يحضروا, ولابد ان الوزير تذكر بيت الشعر الشهير إذا كان رب البيت بالدف ضاربا.. فشيمة أهل البيت الرقص
بعد هذه الواقعة بفترة قصيرة دخل المهندس علاء فهمي وزير النقل احدي الحجرات التي تضم مكاتب بعض العاملين في محطة سكة حديد مصر والتي وصل إليها فجأة علي متن قطار قادم من الجيزة... فوجد بصلا وجبنه وعيش.. وجبة افطار قد يستغرق تناولها مع كوب أو كوبين شاي ساعة من الزمن.. قبل ذلك بعدة أشهر وصل إلي مسامع محافظ اسوان مصطفي السيد ان اطباء مستشفيات المحافظة يعملون في أوقات العمل الرسمية في عياداتهم الخاصة.. لذلك حين يذهب المرضي إلي المستشفيات لا يجدون اطباء.
أما ما حدث في أول أيام امتحانات الثانوية العامة فيؤكد ان هناك مشكلة معقدة في علاقة المواطن المصري بالعمل.. فقد سادت الفوضي لجان الامتحانات بسبب غياب عدد كبير من المدرسين والمندوبين الموكل إليهم مهمة المراقبة.. تخيل المشهد.. الطلبه حاضرون... وأوراق الاسئلة في انتظار من يوزعها.. والساعة تدق التاسعة.. ورؤساء اللجان يجرون هنا وهناك يبحثون عن المراقبين.... ومع كل ذلك لا نستطيع إلا ان نتعاطف مع الموظف المصري.. فهناك أسباب كثيرة جعلته ينفر من العمل لخصها د. مصطفي سويف أستاذ علم النفس وأحد أهم مفكرينا في كتابهنحن والمستقبل.. في الأجور التي لم يعد فيها ما يغري أو يرضي.. وقيادت العمل التي لا تعرف شيئا عن أصول القيادة السليمة.. والتنظيم الاداري الملئ بالتعقيد والتثبيط.. وعوامل أخري جعلت الكثيرين لا يلتزمون بمتطلبات العمل ناهيك عن اتقانه.
اتذكر في بداية حياتي الصحفية وخلال تحقيق اجريته عن التعليم ان احدي المدرسات قالت أمام محمد محمود رضوان وكيل وزارة التربية والتعليم في ذلك الوقت انها تضطر نظرا لضألة مرتبها إلي طلب اجازة مرضية7 أو8 أيام كل شهر..لا تهربا من العمل بل اقتصارا للنفقات ولتوفير اجرة المواصلات لشراء الطعام.
وويل لمجتمع.. يعيش فيه بشر يكرهون عملهم... أو يحبونه ويشعرون بالظلم
ساحة النقاش