بقلم: د. رفعت السعيد
في غمار الدعوات للتغيير والتوقيعات والتوكيلات, وإذ وجد ذلك كله صدي أو بعض صدي, نشطت الجماعة المحظورة لتعرض تحالفاتها مع هذه الأطراف أو تلك, وربما تقبل منها البعض ذلك دون أن يدركوا مدي الخديعة التي تلتف حولهم.
وأن أصحاب هذه الأيدي التي تمتد بدعوي التحالف مخادعون بل أكثر من مخادعين لكن البعض وربما أحب أن يخدع, إذ يخيل إليه أنهم شركاء كما وصفهم, ويتصور أنه قادر علي تغييرهم وإقناعهم بما يخالف تاريخهم وفكرهم وطموحاتهم.
ومايجري الآن يذكرني بواقعة في التاريخ القديم حول دعوة للتحالف توجه بها متأسلمون إلي عناصر صدقت قولهم فأوشكت أن تقع في براثنهم, ودعونا نستعيد هذه الواقعة لنتذكر ما كان ولنتأمل ما يجري حولنا ونتلقن الدرس إن كانت ثمة رغبة في التعلم.
وتبدأ الحكاية عام65 هجرية إذ كان الصراع محتدما حول السلطة, وهو صراع اتخذ منذ البداية رداء دينيا, كل طرف يلتمس من الدين الحنيف غطاء يخفي مطامعه في السلطة والتسلط. ونهض في هذا العام أفاق يرتدي ثيابا شيعية يدعي المختار الثقفي خرج من المدينة حيث يقيم بقايا أبناء علي بن أبي طالب وربما كان آخرهم محمد بن علي بن أبي طالب وهو ابن لعلي من زوجة غير السيدة فاطمة وسمي أبن الحنفية نسبة إليها, وذهب الأفاق مختار الثقفي إلي الكوفة مدعيا أنه محمل برسالة دينية تفرض إعادة حكم المسلمين إلي أصحابه الأصليين أبناء علي, ولم يكن اختياره للكوفة محض مصادفة, ففي عنق أهل الكوفة إثم يمثل جرحا عميقا في نفوسهم, إذ خانوا عليا وأسالوا دماء ابنائه ورجاله وكل من وقف مع حقه في الخلافة. وفي مساجد الكوفة وجد المختار الثقفي ساحة ينشر فيها دعوته لمحمد بن الحنفية داعيا لخلافته وتوليته الامامة ليعود الحق لأصحابه وتعالت صيحات المختار الثقفي بالدعوة لمحمد بن الحنفية والمناداة به خليفة وإماما للمسلمين. واستثار الأفاق الجرح الكامن في قلوب سكان الكوفة وإحساسهم بالإثم إزاء علي وأبنائه وآل البيت عموما فالتفت حوله آلاف مؤلفة من السذج ونجح في أن يسلحهم بمشاعر دينية دافقة وتحولت الدعوة إلي ثورة عارمة علي الدولة الزبيرية والدولة الأموية معا. وتوالت انتصارات هذه الجموع تحت قيادة المختار الثقفي الذي تحول في وقت وجيز إلي زعيم ديني وجماهيري ينادي بحقوق آل البيت وشيعة علي ويدعو لولاية آخر الأحياء من أبنائه.
وأصبح اسم محمد بن الحنفية بالنسبة لجيوش السذج هو مفتاح الجنة وتكاثرت جيوش من الداعين لابن الحنفية حتي وصل الوهم إلي الرجل بينما كان متواريا في المدينة. الرجل المسكين وجد من يبايعه خليفة ويمنحه الحق في حكم البلاد والعباد. فصدق اليد الممدودة إليه, وصدق صاحبها ولم يكتشف أن الثقفي إنما يتخذه مجرد وسيلة كي يحكم هو, ويتحكم هو. المهم تجمع بعض الأقارب حول محمد بن الحنفية وأقنعوه بأن ثورة جارفة تموج في البلاد وأن مقرها الكوفة وان جيشها مكون من ألوف مؤلفة وأنهم جميعا وعلي رأسهم المختار الثقفي إنما يحلمون بالعثور علي محمد بن الحنفية كي يحملوه حملا إلي موقع الخلافة وينصبوه أميرا للمؤمنين. صدق المسكين وحمل متاعه واصطحب حريمه ومضي في نفر قليل من أهله إلي الكوفة معلنا أنه محمد بن الحنفية أي ابن علي بن أبي طالب وانه أتي ليلبي دعوة الثوار وقائدهم, مستعدا لتولي الخلافة, وهللت الجماهير المخدوعة بنجاحها في البدء بتولية الخليفة الجديد وإعادة الحق إلي أصحابه أي إلي آل بيت علي. لكن الجماهير المخدوعة ومحمد بن الحنفية المخدوع هو أيضا لم يكونوا يعلمون أن اليد التي امتدت إلي محمد بن الحنفية هي مجرد وسيلة وحيلة يحتال بها المختار الثقفي كي يتولي السلطة.
لكن الأفاق المتأسلم لم يعدم وسيلة للانقضاض علي فريسته وما أن شعر بأن محمد ابن الحنفية يهدد طموحه إلي السلطة والتسلط حتي جمع جنوده ومؤيديه وألقي فيهم خطابا ملتهبا مرحبا بالخليفة الجديد آخر سلالة علي وممثل بقية آل البيت الكرام, مؤكدا أن محمد بن الحنفية هو صاحب الحق وصاحب الولاية وأنه أمير المؤمنين. ثم أردف بعد ذلك بأن البعض من أعداء الله وأعداء رسوله وأعداء آل البيت يشككون في أن القادم الذي يعلن أنه بن الحنفية هو مجرد مدع وأنه لا علاقة له بآل البيت.
وشن المختار الثقفي هجوما عنيفا علي هؤلاء المدعين والمنكرين لصفة الرجل ونسبه وحسبه وبعد أن أكد تمسكه بصحة نسب الرجل وصحة بنوته لعلي بن أبي طالب ومن ثم صحة استحقاقه للخلافة قدم دليلا قويا فقال: إن هناك علامة لا تنكر للإمام المهدي محمد بن الحنفية أمير المؤمنين وخليفتهم وهي أنه إذ يضرب عنقه بالسيف فإن عنقه لا يقطع بل إن السيف ينكسر ووعدهم بأن يدحض دعاوي المنكرين لحق الرجل وحقيقته بأن يجمع المسلمين في الغد ليجري أمامهم التجربة التي تثبت أن الرجل هو بالفعل محمد بن الحنفية.
وتفرق المسلمون إلي غد وعاد محمد بن الحنفية إلي مسكنه وقد اكتشف الخدعة الكبري فما كانت الدعوة إليه والادعاء بالانتماء لرهطه وحقه سوي خدعة كبري وأيقن أنه سيلقي حتفه في الغد وسوف تطيح السيوف فيه وفي رجاله.. فجمع رجاله وتسلل هاربا.
وإلي كل من يتلقون بترحاب يدا ممدودة من هذه الجماعة أن يتذكروا المختار الثقفي ومحمد بن الحنفية, وأن يتلقنوا الدرس هذا إن أرادوا.
المزيد من مقالات د. رفعت السعيد<!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" /></a> <script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></script> AddThis Button END -->
ساحة النقاش