الاف محاولة للانتحار فى 2009
كتبت : سميرة علي عياد
الانتحار هو قرار بالاعدام الذاتي.. ولانه قرار فردي فلم نشعر به او ندرك خطورته بل احيانا نسخر من المنتحر ونفقد تعاطفنا معه لاقدامه علي فعل مناهض للدين بل نصفه بالمارق.
ولذلك كان الانتحار امرا قليل الحدوث وأسبابه محددة وأحيانا غريبة بل وطريفة وإن كانت نتائجه مأساوية. مثل الفتاة التي انتحرت حزنا علي موت عبدالحليم حافظ.. وأيضا الباحث الذي انتحر بعد شعوره بالملل, وتصاعد الامر مع السنوات وتعدد الاسباب وكان الحادث الاشهر هو انتحار رجل الاعمال أيمن السويدي بعد قتله زوجته المطربة ذكري.. حتي وصلنا لليوم الذي لا يخلو تقريبا من حادث انتحار علي مستوي الجمهورية..
ولذلك فالاحصائيات اصبحت مخيفة بل ومفزعة حيث أصبح الامر ظاهر خطيرة وليس حوادث فردية كما يبدو من ظاهره فهناك من ينتحر لفشله في الحب وآخرون ينتحرون للفشل في الحصول علي وظيفة حتي ان الاحصائيات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء كشفت من خلال رصدها لظاهرة الانتحار داخل اقاليم القطر المصري عن ان هذه الجريمة أصبحت ظاهرة خطيرة تتصاعد يوما بعد يوم ففي عام2005 شهدت مصر1160 حالة انتحار وعام2006 وقعت2355 حالة وعام2007 شهد وقوع3700 حالة اما عام2008 فقد وقعت4 آلاف حالة انتحار, بينما كانت هناك50 ألف محاولة اخري, وهكذا حتي نصل الي عام2009 والذي شهد104 آلاف محاولة للانتحار تمكن5 آلاف منهم في التخلص من حياتهم.
وبقدر ما ستثيره هذه الارقام لدي البعض من فزع فهي ستثير ايضا العديد من التساؤلات لدي الكثيرين حول دقتها خاصة اننا نعاني من عدم دقة الاحصاءات في مصر, لاننا مجتمع بطبيعته لايبوح بالكثير من الامور وأيا كان الامر فنحن نواجه قضية مهمة لابد ان نتعامل معها, والمتأمل لحوادث الانتحار في مصر مؤخرا يجد انها تكون اما بالشنق وهذا مايميل اليه الرجال او القفز تحت عجلات المترو او من اعلي اسطح المنازل او في النيل او قطع شرايين اليد وهذا ماتميل اليه النساء.
وأيضا لاحظنا اقدام المراهقين والاطفال علي هذه الخطوة اما لتأثرهم بالالعاب الالكترونية, او عدم تحملهم الضغوط الدراسية والخوف من الرسوب بل ان حوادث الانتحار في مصر بدأت تأخذ طابعا مختلفا بقيام رب الاسرة بقتل أسرته, او بعض افرادها ثم نفسه, وربما كان ابرز ما شهدناه رجل الاعمال الذي قتل أسرته ونفسه بعد ان خسر امواله في البورصة ثم قام مهندس بذات الجريمة والشاب الذي رفضت زوجته العودة اليه بعد فصله من عمله فأخذ ابنته في حضنه وقفز من الطابق السادس والفتاة التي القت بنفسها في النيل لعدم قدرة والدها علي دفع مصروفاتها الدراسية وأخيرا الشاب الذي شنق نفسه من أعلي الكوبري في مشهد لاتنساه الذاكرة بسهولة. وعندما نحاول البحث عن الاسباب التي تدفع الشخص للتفكير في الانتحار نجد ان التشاؤم يغلب علي حياتهم وكأنه حجر ثقيل واغلبهم لديه مشكلة في تحقيق العديد من الاهداف ويرون ان الحياة من الصعب تحملها, ومن الافضل الانسحاب منها ومنهم من يؤكد انه لولاعقاب الله لكان فعلها. وأبرز مايلفت الانتباه ان جميع من حاولوا الانتحار او فكروا فيه يحتاجون للمساعدة ولايجدون من يساعدهم, كما ان كثيرا منهم مايستسلم لوضعه ولايحاول تغييره او التعامل معه.
وبتحليل اكثر عمقا يؤكد الدكتور محمد المهدي استاذ الطب النفسي ان98% من المنتحرين يعانون اما من مرض نفسي او ازمة نفسيه و15% من مرضي الاكتئاب والفصام ينتحرون و17% من المدمنين يمارسون هذا السلوك وفترة حضانة الانتحار تبدأ من عدة ساعات الي3 أشهر ومن المؤسف انه لا أحدينتبه لهذا الامر, كما ان مجتمعنا يعاني من الامية النفسية حتي مابين المثقفين والذين يخجلون من الاعتراف بانهم يمرون بأزمة نفسية.
وقديما كان الحاجز الديني مانعا للانتحار في المجتمع المصري المصري اما اليوم ومع حدوث العديد من المتغيرات اصبح مجتمعنا يعاني من نقص الايمان برغم كثرة مظاهر التدين وضعف الشبكة الاجتماعية ففي الماضي كان الترابط الاسري سمة للمصريين اما اليوم فالمرء يواجه المشاكل بصورة فردية ولانستطيع ان نغفل ازدياد معدلات العنف والتي اتخذت صورة العنف اللفظي والبدني فالناس اصبحت مليئة بالغضب والاحتقان الذي سرعان مايخرج فاذا توجه العنف نحو الآخر يحدث القتل وهذا مالمسناه من ازدياد معدلات الجرائم بممارسات عنيفة واذا توجه العنف ناحية النفس نجده في صورة الانتحار, فمصدر الرضا عند الانسان هو تحقيق انجاز في الحياة والعلاقات الجيدة والتوافق مع القيم فإذا شعر بعدم قدرته علي تحقيق هذه الامور يحدث الخلل.
ويلفت د. محمد المهدي الانتباه الي ان هناك مظاهر عامة اذا اتضحت علي الشخص فلايجب اغفالها مثل اضطرابات النوم وفقدان الشهية وعدم القدرة علي فعل اي شيء, والتحدث عن رفض الحياة وتفضيل الموت, وامام كل هذه الامور لابد من المواجهة بدعم أسري وعدم ترك ذلك الشخص دون استشارة طبيب, كما يجب ايقاظ المفاهيم الدينية الصحيحة حتي نواجه الازمة.
اما المستشار خالد الشباسي رئيس المحكمة فيؤكد انه من واقع رصده لحالات الانتحار المختلفة من خلال عمله تبين له ان اسباب الانتحار اما اقتصادية او اجتماعية.
واكد ان قانون العقوبات يخلو من افراد عقوبة للشروع في الانتحار فمن ينتحر ويتم انقاذه يخلي سبيله, وهذا امر خطير خاصة, وان من يفعل هذا الامريكون خطرا ليس فقط علي نفسه بل ربما علي الآخرين, ولقد اكدت الاحصاءات الجنائية ان80% من المنتحرين حاولوا الانتحار وفشلوا وعاودوا الامر من جديد لذلك لابد من الاهتمام بامر هؤلاء ووضع تعديل في القانون يسمح بوضعهم تحت التحفظ وعلاجهم كما انه يجب ان يتم ايضا وضع نوع من العقوبات الاحترازية للشخض الذي تنجح محاولته بالفعل في الانتحار حتي يكون عبرة لغيره وانا هنا لا أتحدث من فراغ, فالكثير من الدول تطبق في انظمتها القانونية هذه الامور حفاظا علي حياة الانسان والحقيقة انني لا انسي ابدا واحده من القضايا التي نظرتها وكانت لشابين وفتاة قرروا الانتحار بقطع شرايين ايديهم رغم استقرار حالتهم المادية والأسرية لمجرد اللل فتوفي الشابان وبقيت الفتاة حية لذلك لابد من علاج هؤلاء واهتمام القانون بهذا الامر.
واتفق معه الدكتور احمد عاصم عجيله في الرأي مؤكدا اننا نحتاج الي دعم مؤسسات المجتمع المدني والاعلام وتضافرهم في توفير وسائل مساعدة للآخرين الي جانب اتاحة سبل للانسان الذي يمر بأزمة تمكنه من اللجوء اليها, كما يجب ان يكون للمؤسسات الدينية المختلفة دور فعال حيث ان الحساسية التي تشوب هذه المؤسسات في بعض الاحيان تجعل ابوابها غير كافية للتعامل مع حاجة الشخص.
ساحة النقاش