الدكتور محمود الحمزة
باحث علمي في معهد تاريخ العلوم والتقانة (معهد فافيلوف) التابع لأكاديمية
العلوم الروسية موسكو
E-mail: [email protected]
Internet: www.alhamza.ru
إن الأهمية البارزة للثقافة العربية في التاريخ العالمي بعامة وفي تاريخ العلم بخاصة, أصبحت الآن أمراً معروفاً ومتفقاً عليه. فقد احتل التراث العربي, منذ زمن, مكانة مرموقة في الأدب العالمي, وأصبح جزءاً أساسياً من الثقافة الإنسانية العامة. كما أدت أبحاث العلماء في كثير من الدول والتي بدأت منذ بداية القرن العشرين إلى إلقاء الضوء على دور المؤلفين العرب في القرون الوسطى (الذين عاشوا وعملوا في مساحة واسعة ممتدة من أسبانيا وشمال افريقيا حتى الهند) في تطوير فروع كثيرة من العلم: التاريخ, الجغرافيا, الكيمياء, البيولوجيا, الطب, العلوم الرياضية والفيزيائية. وكان للعلماء الروس والسوفييت نصيباً وفيراً واسهاماً متميزاً في دراسة الثقافة والعلم العربيين وبما فيهم المستعربين والمتخصصين في بعض المجالات العلمية الدقيقة.
ونميز في تاريخ دراسة العلم العربي في روسيا والإتحاد السوفيتي (سابقاً) جانبين: فمن جهة- التسلسل الزمني لهذه الدراسة ومن جهة أخرى إشكالية الدراسة.
وفي نفس الوقت فهما مرتبطتان بشكل قوي مع بعضهما البعض.
تتميز المرحلة الأولى من دراسة العلم العربي في روسيا بالبحوث في مجال الإستعراب في المعنى الضيق للكلمة: دراسة اللغة والأعمال الأدبية والدينية.
واختتمت هذه المرحلة في أواسط القرن 19 م بنشوء مدرسة الإستعراب الروسية, والتي حظيت بتقدير عال من المستعربين في العالم بأجمعه. أما دراسة المؤلفات العلمية للعلماء العرب, فتعود إلى مرحلة متأخرة نسبياً وقد بلغت مستوى متقدماً من التطور في 50 سنة الأخيرة.
بدايات الاستعراب الروسي:
انطلاقاً من مبدأ الترتيب الزمني, نتوقف باختصار عند تاريخ الإستعراب الروسي ومن ثم ننتقل إلى تاريخ دراسة العلم العربي في روسيا والجمهوريات المستقلة. انتشرت الأخبار عن العرب والبلاد العربية في بلاد الروس في وقت مبكر- في تخوم القرن 9-10 للميلاد, وذلك مع تطور التجارة العالمية في القرون الوسطى. وتشهد على أبعاد هذه التجارة الكنوز المتعددة من العملة العربية المعدنية التي عثر عليها علماء الآثار وما زالوا يعثرون عليها بمحاذاة الطرق التجارية القروسطية.
عرف العرب طريق التجارة عبر البلطيق وبحر قزوين بشكل جيد لدرجة أن الجغرافيين العرب مثل ابن حوقل [1] أطلقوا على نهر الدون تسمية "نهر الروس". وكانت منطقة خوارزم إحدى مراكز الاتصالات النشطة بين العرب والروس على مفترق الطرق الهامة للتجارة العالمية التي تنطلق من بلاد الروس وحوض الفولغا إلى آسيا الوسطى ومنغوليا والصين. وقد قدم الجغرافي المعروف ابن فضلان من القرن 10 م معلومات قيمة عن شعوب حوض الفولغا والروس [2]. وكان ابن فضلان أحد مبعوثي الخليفة بدعوة من البولغار في منطقة حوض الفولغا. وكان البولغار قد اعتنقوا الإسلام قبل ذلك (922 م).
إن عملية تبلور الأفكار العلمية في روسيا الموسكوفية, جرت ليس على أساس التقاليد العلمية اليونانية والبيزنطية فحسب وإنما لعبت هنا دوراً بارزاً التقاليد العلمية العربية. وانعكس ذلك بشكل خاص في مجال تشكل الأفكار والتصورات الفلكية والتنجيمية. ويرجع المؤلف الفلكي "شستوكريل" الذي انتشر في روسيا القروسطية إلى المصادر العربية, وبشكل أدق إلى النموذج (الموديل) الهندسي- الحركي للبتروجي (ق 12 م).
تسربت معلومات عن الطب العربي عبر أوروبا الغربية إلى روسيا الموسكوفية, ولقي انتشاراً واسعاً "كتاب العلاج للطبيب اسحاق" وهو مخطوطة للطبيب الفيلسوف إسحق بن سليمان (900 م). لكن روسيا الموسكوفية لم تؤسس بعد لتقليدها الخاص في الإستعراب العلمي ولم تبن قاعدة له من خلال تجميع المخطوطات العربية. علماً أن المصادر تتحدث عن مجموعة (من المخطوطات) كانت تشكل جزءاً من مكتبة, لم يعثر عليها حتى الآن, تعود للقيصر إيفان الرابع(الرهيب) ويبقى ذلك مجرد احتمال ممكن.
مرحلة الاستعراب في القرن 18 – 19 م:
بدأت أولى الأعمال الروسية في مجال الإستعراب في القرن 18 م بناء على مبادرة من القيصر بطرس الأول, الذي زار بنفسه أنقاض مدينة بولغار على ضفاف الفولغا وأعطى توجيهاته بنسخ بقايا الكتابات العربية المحفوظة هناك, وتم نشرها جزئياً فيما بعد. وقد لعب دوراً هاماً في تطوير الإستعراب الروسي ,في تلك الفترة, الكاتب
المعروف أ.كانتيمير (1673-1723) والذي أسست أول مطبعة بالحرف العربي بفضل مبادرته وفي عام 1716 م صدرت في روسيا أول ترجمة كاملة للقرآن الكريم باللغة الروسية [3]. كما أنشئت, بتوجيه من القيصر بطرس الأول, أولى مدارس الترجمة للمستعربين. أما في النصف الثاني من القرن 18 م.فقد دخلت اللغة العربية في
مناهج المدارس الثانوية في بعض المدن الروسية (مثل استراخان).
وتعود انطلاقة العهد الجديد في الإستعراب الروسي إلى بداية القرن 19 م:
أولاً: حسب النظام الداخلي للجامعة في 1804 م تم إدخال تدريس اللغات الشرقية في الجامعات الروسية. وتأسست أولى أقسام اللغة العربية في خاركوف وقازان وفيما بعد في موسكو. وترأس القسم في موسكو أ.ف.بولدرين (1758-1842) وهو مؤلف أول "مختارات عربية" في روسيا, أما القسم الذي تأسس في وقت لاحق في بطرسبورغ فترأسه الكاتب والمستشرق المعروف على نطاق واسع في روسيا و.ي. سينكيفتش (1800-1858), وقد بقي رئيساً للقسم 25 سنة (1822-1847).
ثانياً: يمكن اعتبار البداية الفعلية للإستعراب العلمي في روسيا في عام 1817م حيث تأسس "المتحف الآسيوي" في بطرسبورغ على يد أحد أكبر المستشرقين في ذلك الحين خ.د. فرين (1782-1851) الذي عمل قبل ذلك عشر سنوات في قازان. وكان قد أجرى سلسلة كبيرة من الأبحاث في علم المسكوكات (النميات) العربية (حسب مقتنيات المجموعات الروسية) وقام بدراسة المراجع العربية في تاريخ بلاد الروس. وتعود إليه, بشكل خاص أولى الدراسات لأعمال ابن فضلان. وبهذا العمل الكلاسيكي تم بشكل ناجح افتتاح تاريخ الإستعراب العلمي في روسيا وفي 1819 م اقتنى "المتحف الآسيوي" مجموعة كبيرة من المخطوطات العربية, والتي اغتنت عام 1825 م بمجموعة أخرى. وأضافت "الإدارة الآسيوية" التي تأسست عام 1813م مخطوطات أخرى.واستمر
تزويد المتحف الآسيوي بالمخطوطات العربية الجديدة سواء بشكل منفرد أو على شكل مجموعات كاملة قدمت كهدايا للمتحف من أشخاص, معظمهم كانوا من الدبلوماسيين في بلاد المشرق.
وقد تحول المتحف الآسيوي إلى معهد الإستشراق التابع لأكاديمية العلوم السوفياتية (فرع لينينغراد). وفيما بعد, في عام 1854 تأسست كلية اللغات الشرقية في جامعة بطرسبورغ, والتي احتوت على قسم اللغة العربية وآدابها. وكان من أوائل خريجيه ف.ف. غرغاس (1835-1887) الذي ألف قاموساً شهيراً وكتاب "مختارات", كانت
مرجعاً لعدة أجيال من المستعربين الروس.
لقد ظهر في موسكو عام 1872 مركز آخر لدراسة اللغة العربية- معهد لازاريف للغات الشرقية, الذي أصبح مع بداية القرن العشرين مركزاً حقيقياً للإستعراب العلمي وترأسه آنذاك أ.ي.كريمسكي (1871-1941). وينتمي إلى المدرسة الموسكوفية أ.أ.
سيميونوف أول مختص في العلوم الإسلامية وتاريخ المذهب الإسماعيلي. أما في قازان فقد وضعت أسس الإستعراب من قبل فرين.
ومن أشهر المستعربين في قازان كان المستعرب الكبير غ.س. سابلوكوف (1804-1880),الذي أعد ترجمة رائعة للقرآن الكريم حسب التقليد الإسلامي المتأخر وتعود كذلك إلى سبلوكوف ترجمة بعض أجزاء مؤلفات ابن فضلان. وترأس إدارة المتحف الأسيوي بعد فرين, المستعرب ب.أ. دورن (1805-1881) الذي عمل على دراسة المصادر العربية في تاريخ القوقاس وشواطئ بحر قزوين, حيث بذل قصارى جهده لإعداد دليل مخطوطات المكتبة العامة في بطرسبورغ (حالياً تدعى المكتبة الوطنية العامة بإسم سلطيكوف - شيدرين في سانت بطرسبورغ). وعلى مدى عشرين عاماً أجرى دورن سلسلة كبيرة من
البحوث والدراسات للإسطرلابات العربية.
وأول مخطوطة عربية رياضية كتب عنها في مجلة رياضيات روسية في عام 1865 واسم المجلة: مجموعة أبحاث الرياضيات (مات سبورنيك – Mathematical Collection) وهي من أكبر مجلات الرياضيات في العالم. وكان ذلك العدد الأول منها وهي مجلة جمعية علماء الرياضيات في موسكو التي تأسست تقريباً في تلك السنة. وأعضاء هذه الجمعية كبار علماء الرياضيات الروس مثل العالم تشيبيشيف ((Chebeshev المعروف
عالمياً وله اكتشافات هامة في معظم فروع الرياضيات. وقد نشرت مقالة في تلك المجلة في العام المذكور بعنوان "كتاب التلخيص لعالم الهندسة العربي ابن البناء" - مجلة مات سبورنيك – موسكو – 1867- المجلد 2 رقم 1 الجزء 2. ص 27-43.
وكان نشرها بناء على طلب من تشيبيشيف نفسه الذي أوصى بأهمية العلوم العربية وضرورة دراستها ونشرها حتى في مجلات وزارة التربية والتعليم. وهذه الحادثة تدل على الاهتمام الكبير والمبكر والفهم العميق من قبل أعظم علماء الرياضيات في روسيا منذ منتصف القرن 19 م لدور وقيمة العلوم العربية وخاصة الرياضيات.
فقد اقترن النصف الثاني من القرن 19 م .بظهور العديد من المؤسسات والجمعيات في روسيا, والتي بذل أعضاؤها جهداً كبيراً في مجال الإستعراب. وبالإضافة إلى الجامعات, فقد أصبحت مسائل الاستشراق بما فيها الإستعراب, هدفاً للدراسة من قبل أعضاء كل من: الجمعية الجغرافية الروسية وجمعية هواة العلوم الطبيعية والآثار والأجناس. أما في عام 1882 فقد تأسست "الجمعية الفلسطينية المسيحية الشرقية" والتي لعبت دوراً في تنشيط الإستعراب في روسيا. أما المستعربين الروس, الذين حصلوا على تعليمهم في كليات جامعية متخصصة, فقد عملوا بنجاح في القوقاس و آسيا الوسطى حيث اكتشفوا ودرسوا مخطوطات نادرة. وأنشئت في عام 1895 "حلقة تركستان لهواة الآثار" وهي التي نسقت أعمال التنقيب عن الآثار في آسيا الوسطى.
وقد قام المستشرق الشهير ن.ف. خانيكوف (1822-1878) بدور هام ومتميز في تطوير الإستعراب الروسي وهو مؤلف كتاب "وصف إمارة بخارى" و "نبذة عن الأجناس في بلاد الفرس" وكان قدعمل قنصلاً روسياُ لفترة طويلة في تبريز. كما بذل خانيكوف جهوداً ضخمة لإغناء مجموعات المكتبة العامة في بطرسبورغ والتي أهداها مجموعاته الخاصة.
ومن ضمنها مخطوطة "كتاب ميزان الحكمة" للخازني (القرن 12 م) والتي قام خانيكوف لأول مرة بوصفها ونشر أجزاء منها وترجمة مقاطعها إلى الإنجليزية عام 1859.
وترتبط مرحلة جديدة وهامة جداً في تطوير الإستعراب العلمي باسم ف. ر. روزن(1849-1909) الذي كان أبرزعلماء الاستشراق الروسي ومعلم لجيل كامل من المستعربين الروس[3].
وكان روزن عميداً للكلية الشرقية في جامعة بطرسبورغ لسنوات عدة, وفي عام 1885 ترأس الفرع الشرقي لجمعية الآثار الروسية. ومنذ عام 1886 بدأت هذه الجمعية تحت إشراف روزن بإصدار "نشرة"– لسان حال الإستعراب الروسي الذي اكتسب اعترافاً دولياً. وأعد روزن دليلاً من أربعة مجلدات لمخطوطات المتحف الآسيوي. وأولى اهتماماً كبيراً لدراسة المؤلفات الجغرافية والتاريخية للعلماء العرب, المتعلقة بأوروبا الشرقية. ويعد روزن أول المستعربين الروس الذين قاموا بدراسة وتحليل أعمال البيروني. وفي تقييمه لكتاب "الهند" الذي أصدره ساخاو نفسه, أعطى تقديراً عالياً لهذا المؤلف عام 1889, وتأكد ذلك بالإكتشافات اللاحقة.
ولا بد هنا من التوقف عند مؤرخ الرياضيات الروسي الكبير ف.ف. بوبينين (1849-1919) الذي أصدر مجلة في تاريخ العلوم الرياضية والفيزيائية لسنوات طويلة وعلى حسابه وكان يلقي محاضرات في جامعة موسكو في تاريخ الرياضيات منذ القديم وحتى عصره. وقد كرست عدة محاضرات لتاريخ الرياضيات العربية [4].
ومن التلاميذ الرائعين لروزن, كان المستشرق الروسي الكبير والمؤسس الفعلي لتاريخ آسيا الوسطى في روسيا ف.ف. بارتولد (1869-1930) . فألف بارتولد سلسلة كاملة من البحوث في الجوانب العامة والخاصة من تاريخ البلاد الإسلامية والعلوم العربية: "ثقافة الإسلام" "عالم الإسلام" "علماء النهضة الإسلامية" وغيرها.
وحظي مؤلفه العلمي "تركستان في عهد الغزو المغولي" بشهرة واسعة واعتمد في إعداده على البحوث الدقيقة والمفصلة الواردة في المصادر الجغرافية والتاريخية للباحثين العرب. ويعود إلى بارتولد المؤلف التاريخي الكبير وهو "تاريخ دراسة الشرق في أوروبا وروسيا" وكان جزؤه الأكبر مكرساً لتاريخ الإستعراب الروسي.
وكان ذلك موضوع المحاضرات التي ألقاها خلال سنوات طويلة لطلبة الكلية الشرقية في جامعة بطرسبورغ, وأعيد نشره ثلاث مرات (آخرها عام 1977 في الأعمال الكاملة لبارتولد) [3].
وكان بارتولد أول من قام في روسيا بدراسة مرحلة أولغ بك (أولغ بك وعصره) وفيها أعطى تقييماً لمدرسة سمرقند العلمية وحلل المعطيات التاريخية والأثرية حول مرصد سمرقند. وكان في مركز اهتمام بارتولد طيلة حياته المؤلفات الجغرافية العربية وخاصة التي تضمنت معلومات عن أراضي روسيا. وفي عام 1940 (بعد وفاته بعشر سنوات) عثر على عمل غير منشور له "معلومات عربية عن بلاد الروس".
مرحلة المستعرب كراتشكوفسكي:
وكان ثاني تلاميذ روزن العالم ذو الشهرة العالمية ورئيس مدرسة الإستعراب السوفيتية الأكاديمي ي. يو. كراتشكوفسكي (1883-1951) الذي كان باحثاً واسع الإطلاع بشكل استثنائي ومؤلف العديد من الأعمال التي كشفت للقارئ الروسي عن كنوز الأدب العربي والعلوم العربية [3], [5]. وفي ظروف الحرب القاسية وحصار
لينينغراد قام بتأليف أهم عمل له "المؤلفات الجغرافية العربية" والتي شملت الفترة من القرن 8-9 م وحتى القرن 18 م. (وقد جمع مواد هذا العمل طيلة حياته).
وتعود بدايات هذه الأبحاث إلى عام 1909 أثناء رحلة كراتشكوفسكي العلمية إلى المشرق العربي, وذلك عندما أتيحت له الفرصة لسماع سلسة محاضرات في جامعة القاهرة للمستشرق ك. أ. نيللينو في تاريخ الفلك والجغرافيا الرياضية عند العرب.
أما كتاب "المؤلفات الجغرافية العربية" [5] فقد كان محصلة لسلسلة محاضرات ألقاها كراتشوفسكي في الكلية الشرقية في جامعة بطرسبورغ (1910-1917) وفيما بعد جامعة لينينغراد (1935-1936).وخلال 40 سنة ونيف من العمل في إعداد هذا الكتاب,قام بإثرائه باستمرار بالمعطيات والمكتشفات الجديدة التي يعود قسم منها إلى المؤلف نفسه.
ويكفي القول إن كراتشكوفسكي قام بدراسة ووصف حوالي 300 مؤلف من المراجع الجغرافية العربية, معظمها محفوظ في خزائن المخطوطات في روسيا والدول المستقلة.
ويعد كراتشكوفسكي صاحب كتاب آخر شهير "دراسات في تأريخ الإستعراب الروسي"الصادر عام 1949 بمناسبة مرور مائة عام على ميلاد روزن. وكان قد بدأ العمل على إعداد هذا الكتاب عام 1910 بإلقائه لمحاضرات في هذا الموضوع في الجامعة واستمر العمل به طوال حياته. وحصل كتابه العلمي المبسط "مع المخطوطات العربية" على سمعة وانتشار واسعين وأعيد نشره عدة مرات.
شكلت أبحاث بارتولد وكراتشكوفسكي بداية لدراسة حثيثة للمؤلفات الجغرافية العربية سواء بحد ذاتها أو كمصادر من الدرجة الأولى في تاريخ روسيا والجمهوريات الإسلامية وخاصة حوض الفولغا, وآسيا الوسطى والقوقاز. وفي عام 1939 صدر كتاب للمستعرب السوفيتي المعروف أ.ب. كفاليفسكي (1895-1969) مخصص لعمل ابن فضلان الذي بحث فيه على أساس مخطوطة مشهد التي اكتشفت في العشرينات من القرن الماضي والتي تضم تقريباً نصه الكامل.(بينما قام كل من فرين وسبلوكوف وروزن وبارتولد بدراسة ابن فضلان, بدرجات متفاوتة, وتحدثوا عن مخطوطته من خلال ما اقتبسوه من المعجم الجغرافي لياقوت الحموي) وأعيدت طباعة كتاب كفاليفسكي مرتين: في 1939 وفي 1956.
كما أصبحت المصادر العربية منهلاً لا غنى عنه لعلماء الآثار. وبفضل تلك المصادر استطاع علماء الآثار في آسيا الوسطى والقوقاز اكتشاف ومطابقة أسماء العديد من المدن والمناطق السكنية وطرق تجارة القوافل. واسترشد بالمصادر العربية أحد رواد التنقيب عن الآثار في آسيا الوسطى ف.ل. فياتكين الذي اكتشف عام 1908 في سمرقند بقايا مرصد أولغ بك بما فيها مزولة الرصد الشهيرة.
ولم تقتصر دراسة الأدبيات الجغرافية العربية في الإتحاد السوفياتي على المؤلفات التي احتوت معلومات عن بلاد الروس وجمهوريات آسيا الوسطى. حيث قام, بناء على مبادرة من الأكاديمي كراتشكوفسكي, تلميذه ت.أ. شوموفسكي بدراسة ونشر ثلاث كتب في الملاحة البحرية عام1957 لأحمد بن ماجد مرشد البحار لفاسكو دي غاما , والتي عثر على مخطوطاتها النادرة في لينينغراد.
وقام كل من ل.ي. كوبل و ف.ف. ماتفييف المختصين بأفريقيا بدراسة وإصدار مختارات من الأعمال الجغرافية العربية مثل: المصادر في علم الأجناس وتاريخ المنطقة الأفريقية الواقعة جنوب الصحارى والممتدة في الفترة من القرن 8 م وحتى القرن 12 م (1964,1957)
ويمكننا إيجاز ما ورد عن نشاط العلماء الروس في دراسة العلم العربي حتى أواسط القرن العشرين بالقول أن توجههم الأساسي تركز على دراسة المؤلفات الجغرافية والتاريخية للعلماء العرب. وقد غابت الأعمال المكرسة لدراسة مؤلفات الرياضيات والفيزياء والفلك.
وهناك استثناء وهو عمل ب.ن.دورن في دراسة الإسطرلابات المحفوظة في المتاحف الروسية, وكذلك نشر ووصف ن.ف.خانيكوف "كتاب ميزان الحكمة " للخازني, وعمل ف.ف.بارتولد عن أولغ بك , وعمل م.ي. ماسون عن "مرصد أولغ بك" (1941) والتي وصف فيها المرصد وآلاته بالتفصيل. ويعطي تقييم للمدرسة الفلكية السمرقندية, وجزء من "المؤلفات الجغرافية العربية" لكراتشكوفسكي المكرس لأزياج ومؤلفات في الجغرافيا الرياضية.
مرحلة مؤرخ الرياضيات يوشكيفيتش:
كانت البداية الحقيقية لدراسة المؤلفات ذات المحتوى الفيزيائي والرياضي في روسيا مترافقة مع العمل على إصدار المؤلفات المنفردة والمجموعات الكاملة لأبرز العلماء العرب, وذلك في أواسط القرن العشرين. وتميزت هذه الفترة الجديدة من الإستعراب الروسي بأن انضم إلى فريق الباحثين في العلوم العربية ليس المستعربون
وحسب بل المختصون في مجال العلوم الأساسية: الرياضيات, الفيزياء, الفلك,الفلسفة. و كان العمل قد بدأ سوية في ثلاثة مراكز في روسيا:
أولاً: في موسكو تحت إشراف ومشاركة أ.ب. يوشكيفتش الذي يعود إليه أول بحث في تاريخ الرياضيات العربية في الإتحاد السوفياتي و قد أعجب به ي.يو.كراتشكوفسكي.
ونشر هذا العمل عام 1948 وكان عن "الجبر عند عمر الخيام" – وهو بحث معمق عن رسالة الخيام الجبرية والتي وضعت نقطة البداية لسلسلة كاملة من الأبحاث في تاريخ المخطوطات الرياضية للعلماء العرب والمسلمين في القرون الوسطى. أما المركز الثاني لهكذا أبحاث فهو باكو, حيث ظهرت فيها, مع نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات, سلسلة أعمال غ.د.مامدبيلي باللغتين الروسية والآذرية المكرسة لأعمال نصير الدين الطوسي ودوره في تطوير الرياضيات والفلك . ثالث هذه المراكز هو طشقند وفيها كتب غ.د. جلالوف مجموعة من الأعمال عن الإبداع العلمي للبيروني وعن نشاط مرصد سمرقند ونتائج ممثلي مدرستها العلمية.
وفي عام 1950 ظهر كتاب ت.ن. كاري – نيازوف "المدرسة الفلكية لأولغ بك" الذي احتوى على تحليل دقيق لزيج أولغ بك وعن العاملين معه (على أساس المخطوطات المحفوظة في طشقند) مما سمح برصد مسار تشكل هذه المدرسة. وقدمت في ذلك الكتاب لوحة عامة عن إنجازات العلم في آسيا الوسطى حتى القرن 15 م.
لقد أصبحت الأعمال المذكورة للعلماء السوفييت في المراكز العلمية الثلاثة,بداية لدراسة وأبحاث مكثفة للمخطوطات العربية في الرياضيات والفيزياء, المحفوظة في المكتبات والخزائن والمؤسسات العلمية في روسيا مما أدى في النتيجة إلى ولادة مدرسة علمية سوفيتية في مجال تاريخ العلوم الرياضية والفيزيائية في المشرق
القروسطي. وقد انخرط في هذا العمل بعد يوشكيفتش ومامدبيلي وكاري – نيازوف مجموعة من الباحثين كمترجمين وشارحين مثل ب.أ. روزنفيلد (1952), م.ي. ميدفوي (1958), غ.ب.ماتفيسكايا (1962) و م.م.روجانسكايا (1966) وكذلك فصيل كامل من مؤرخي الرياضيات والفلك الذين كان معظمهم تلاميذ لروزنفيلد وماتفيفسكايا.
وتنتشر الآن العديد من المكتبات في روسيا وجمهوريات آسيا الوسطى والتي تضم في خزائنها مجموعات غنية وقيمة من المخطوطات العربية والفارسية والتركية. ومن أكبر المراكز: معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية- فرع لينينغراد - (المتحف الآسيوي سابقاً) ومعهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الأوزبكية
(طشقند), ومكتبة لينين الحكومية (موسكو) ومكتبة سلطيكوف شيدرين العامة (لينينغراد) ومعهد المخطوطات الجيورجي (أكاديمية العلوم الجيورجية- تبيليسي) ومركز المخطوطات القديمة ماتانديرن (يرفان) ومركز المخطوطات الجمهوري (باكو) ومعهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الطاجيكية (دوشنبيه) ومكتبة الفردوسي.
الحكومية (دوشنبه) ومكتبات جامعات لينينغراد وقازان.
وقد عثر على بعض المخطوطات الهامة بالنسبة لتاريخ العلوم في مكتبات صغيرة تقع في مناطق بعيدة. ونذكر مثالاً على ذلك المخطوطة المحتوية على جزء كبير من مؤلفات ابن الهيثم (وبعضها نادر) التي وجدت في مكتبة محافظة كويبيشف. وقد صنفت تلك المخطوطات المذكورة في مراكز لينينغراد في فهارس منذ القرن 19 م. وتم
توسيعها إلى حد كبير فيما بعد. وعدا ذلك تم إصدار مجلدات من "فهرس المخطوطات الشرقية" في طشقند وكذلك نشرت فهارس بيبليوغرافية في تبيليسي ودوشنبه وفي عام 1966 ظهر فهرس موجز بأهم المخطوطات في الفيزياء والرياضيات باللغتين العربية والفارسية المحفوظة في الإتحاد السوفياتي وظهر كذلك كتاب روزنفلد وماتفيفسكايا "علماء الرياضيات والفلك وأعمالهم في البلاد الإسلامية في القرون الوسطى" (ق 7 – 17 م) الذي يحتوي على معلومات غنية عن عدد كبير من المخطوطات بما فيها المحفوظة في الإتحاد السوفياتي (صدرت مؤخراً طبعة جديدة من تلك الموسوعة باسم روزنفلد وكمال حسين أوغلو باللغة الإنجليزية في اسطمبول 2004 ).
النتائج الأساسية لمدرسة تاريخ العلوم العربية في روسيا:
سنعرض النتائج الاساسية لأبحاث العلماء السوفييت منذ عام 1950 خلال فترة تزيد عن خمسين عاماً.
وتجرى أبحاث على نطاق واسع في تاريخ الرياضيات العربية والتي نقصد بها الرياضيات ليس في الشرق الأوسط وإيران فقط وإنما في أراضي آسيا الوسطى وما وراء القوقاس والمغرب العربي.
درست أعمال العديد من علماء الرياضيات والفلك بدءاً من الخوارزمي ومروراً بعلماء كبار مثل أبناء بني موسى, وثابت بن قرة وأبو كامل وإبراهيم بن سنان وأبو الوفاء والكرجي وابن الهيثم والفارابي والبيروني وعمر الخيام والطوسي وغيرهم وانتهاءً بممثلي مدرسة سمرقند الكبار: الكاشي, الرومي, أولغ بك, القوشجي. وظهرت
كمية كبيرة من الترجمات [6]. ورأت النور لأول مرة كثير من المخطوطات العربية في ترجمات روسية أو شروحات بعد أن طواها النسيان لمئات من السنين كل ذلك أدى لإثراء معارفنا عن الرياضيات العربية ودور شعوب آسيا الوسطى فيها, وساعد في نهاية الخمسينات وبداية الستينات في التعميم الجزئي للمواد المدروسة وانعكس ذلك قي سلسلة مقالات ليوشكيفتش (1951,1958,1959) في كتابه "تاريخ الرياضيات في
القرون الوسطى" (1961) وكذلك في العمل المشترك ليوشكيفتش وروزنفلد "الرياضيات في بلاد المشرق في القرون الوسطى" (1960) [7].
ومن أهم النتائج البحثية في هذا المجال: قام يوشكيفتش باسترجاع محتويات المخطوطة الحسابية للخوارزمي والذي كان محفوظ جزئياً في الترجمة اللاتينية من القرن 12 م. وقام ميدوفوي بدراسة طرق الحسابات العملية باستخدام الكسور العادية الواردة عند أبي الوفاء وكذلك كتاب النسوي (1963).
وتمت دراسة نظرية النسبة المركبة عند ثابت بن قرة وتطور مفهوم العدد الحقيقي الموجب أثناء دراسة مخطوطات الخيام. وقد عرضت نظرية النسبة والدراسات المتراكمة حول مفهوم العدد, بشكل شامل في كتاب ماتفييفسكايا (1967). وأولت في بحوثها اهتماماُ خاصاً لدراسة حسبنة نظرية إقليدس للجذور التربيعية في أعمال العلماء العرب القرن 9-13 م. وخاصة في أعمال البغدادي (ق 10-11 م) الذي كان سابقاً لديكارت. ودرس موضوع ظهور مبرهنة ثنائي الحد في الأدبيات العربية (الطوسي, الكاشي, وغيرهم) و طرق استخراج الجذور بأسس صحيحة موجبة (يوشكيفنتش, روزنفلد, أحمدوف). وسمحت أبحاث رشدي راشد (باريس) بمتابعة هذه المسألة في مراحل مبكرة.
أما النظرية الهندسية للمعادلات التكعيبية عند الخيام فدرست من قبل يوشكيفيتش وروزنفلد وكذلك الإنشاءات الهندسية لأبو الوفاء والفارابي.
وعرضت في أعمال العلماء السوفييت بشكل شامل ومعمق بحوث عن تطور نظرية المتوازيات والتي تجلت في محاولات إثبات مصادرة إقليدس أو استبدالها بإقتراح (بفرضية) أكثر وضوحاً وذلك في مخطوطات ثابت بن قرة وابن الهيثم وعمر الخيام والطوسي وغيرهم (يوشكيفيتش وروزنفلد, مامدبلي وغيرهم) كما اكتشفت منذ فترة
مناقشات هامة للخطوط المتوازية مرتبطة بالمصادرة الخامسة, في كتاب "القانون المسعودي" للبيروني (ب.غ.بولغاكوف. أ.أحمدوف).
أثبتت هذه الأبحاث بأن علماء الرياضيات العرب سبقوا علماء القرن 18 م في بعض الأفكار والطرق الأساسية. وأولى العلماء السوفييت اهتماماً خاصاً لمسائل تاريخ المثلثات المستوية والكروية, والتي كان عرض أسسها إجبارياً لكثير من الأزياج.
أما دراسة "مخطوطة الرباعي التام" للطوسي والمؤلف المجهول الذي يسبقه زمنياً "رسالة في تعريف الوتر في الدائرة وفصول من "القانون المسعودي" حول حساب المثلثات للبيروني و"المجسطي" للفارابي والمخطوطات المثلثية للكاشي والرومي , فقد سمحت بتفسير بعض مسائل الجمع وتاريخ حساب المثلثات (وخاصة مبرهنة الجيوب وجيوب التمام وطرق تعريف الدوال المثلثية) وكذلك طرق حساب المقادير المثلثية وتشكيل الجداول في المشرق القروسطي (يوشكيفيتش, روزنفلد, روجانسكايا وغيرهم) وتقترن بالأعمال المنجزة في تاريخ حساب المثلثات وسلسلة من البحوث المتعلقة بظهور مفهوم الإرتباط الدالي وخواصه العامة وكذلك طرق دراستها (روزنفلد, روجانسكايا وغيرهم).
لقد وجهت عناية خاصة لدراسة أفكار وطرق اللامتناهيات في الصغر في الرياضيات العربية. فدرست مخطوطات ثابت بن قرة وابن سنان حول تربيع القطع المكافئ وتكعيب المجسم المكافئ كما درست مخطوطات ابن الهيثم حول قياس حجم الكرة والأشكال المنتظمة وأفكار الطوسي في اللامتناهيات في الصغر التي طورت أسلوب أرخميدس في طرق اللامتناهيات في الصغر (روزنفلد, قبيسوف وغيرهم) بالإضافة لذلك فقد لوحظت
في الرياضيات العربية اتجاهات أخرى لتطوير طرق اللامتناهيات في الصغر المرتبطة بدراسة خواص الإرتباطات الدالية (ابن قرة , البيروني) والتي استخدمت بنجاح في دراسة مسائل الميكانيك السماوي في ذلك الوقت .
وكل ما قدمناه لا يمثل عرضاً كاملاً عن البحوث التي أنجزت في تاريخ الرياضيات العربية, في الإتحاد السوفياتي.
دراسة الفلك والطب والفلسفة والميكانيكا العربية:
حظي علم الفلك العربي بإهتمام كبير. حيث تحدثنا أعلاه عن البحوث الأولى التي تعود إلى خمسينات القرن العشرين أما المرحلة الجديدة من البحوث في تاريخ الفلك, فترتبط بدراسة وإصدار المؤلفات الفلكية لكبار العلماء العرب: البيروني والفارابي والخوارزمي والفرغاني والطوسي والشيرازي وابن عراق وغيرهم. وساهمت
تلك البحوث بكتابة تاريخ الفلك الكروي والجغرافيا الرياضية في المشرق القروسطي سواء منها المسائل الخاصة (تاريخ ظهور مبرهنات وطرق خاصة مثل إسقاط الكرة على المستوى), أو المسائل العامة لحساب الإحداثيات ووسائط (بارمترات) حركة الأجسام السماوية المرتبطة بتاريخ الطرق الرياضية المستخدمة في الفلك. ودرست أيضاً فهارس (دلائل) النجوم للبيروني والخيام, ومسائل التعافب الزمني وتاريخ التقويم (مامدبيلي, روزنفلد, روجانسكايا, بولغاكوف, أحمدوف, سيرغييفا, ماتفيفسكايا, وغيرهم).
أما تاريخ الآلات الفلكية فقد أولي اهتماماً جيداً (بولغاكوف, روزنفلد) وخاصة الإسطرلابات ونظرياتها الرياضية (أ.طاغي- زادة). وكرست سلسلة من البحوث لمسائل الميكانيك والفيزياء والكيمياء والطب وفلسفة الطبيعة ومسائل فلسفية بحتة عن العلم العربي. وفي 1962 قام المستشرق السوفيتي المشهور أ.م.بيلينتسكي وعالم
فيزياء البلوريات والمختص في علم المعادن غ.غ. ليملين بإجراء بحث رائع "علم المعادن" عند البيروني وكتابه حول الأوزان النوعية, وبذلك فقد وضعا الأساس لسلسلة كاملة من البحوث في هذا الإتجاه.
ولقد درست مسائل السكون (ابن السينا, ابن قرة) ومسائل الميكانيك بشكل عام في المشرق القروسطي (أحادوف م. و ت.د.ستلروف وغيرهم ) وأنجزت م.م. روجانسكايا في عام 1976 أول دراسة شاملة في هذا المجال (روجانسكايا) [8], حيث درست أحد الأعمال الأساسية وهو "كتاب ميزان الحكمة" للخازني وكرست روجانسكايا جل دراستها للمسألة الأساسية في علم الحركة في المشرق القروسطي- النموذج الحركي الهندسي
لحركة الأجسام السماوية, مثل أسلوب بطليموس وطرق البطليموسيين الجدد.
وأجريت في الإتحاد السوفيتي أبحاث عن أعمال الرازي و"القانون في الطب" لابن سينا و"علم الصيدلة" للبيروني. واهتم العلماء بالمراسلات العلمية بين البيروني وابن سينا حول مؤلف أرسطو الذي نشره يو.ن.زفادوفسكي. ودرست المؤلفات الفلسفية للفارابي وابن سينا والخيام وابن رشد, وتصنيف العلوم عند الفارابي وابن سينا.
كما ظهرت أعمال فيها تعميم في تاريخ الفلسفة في آسيا الوسطى. وكتبت السير العلمية لكل من البيروني (بولغاكوف, روزنفلد, روجانسكايا, سوكولوفسكايا) والخيام (روزنفيلد, يوشكيفتش) والفارابي (قبيسوف) وغيرهم.
وبذلت جهوداً ضخمة في الإتحاد السوفياتي لنشر أعمال كبار العلماء العرب, ففي 1954- 1960 أصدر معهد الاستشراق في طشقند "قانون الطب" لابن سينا في خمسة مجلدات أما في عام 1957- 1976 صدرت سبعة مجلدات "الأعمال المختارة" للبيروني:
"تعاقب الزمن", "الهند", "جيوديزيا", "علم الصيدلة", "القانون المسعودي في جزئين" و"علم النجوم" وكان ذلك بناء على مبادرة من المؤرخ الكبير وعالم الآثار في آسيا الوسطى س.ب. تولستوف. وقام بترجمة "تعاقب الزمن" المستعرب السوفيتي الكبير م.أ. سالييه وهو نفسه الذي ترجم قصص "ألف ليلة وليلة". أما مترجم
"جيوديزيا" وأحد مترجمي "القانون المسعودي" فهو تلميذ كراتشكوفسكي المستعرب السوفيتي الشهير بولغاكوف الذي أصدر لأول مرة النص الكامل "للجيوديزيا" باللغة العربية. وفي موسكو نشر "علم المعادن" ورسالة في الوتر للبيروني. وصدرت في طشقند المراسلات العلمية بين البيروني وابن سينا وكذلك المخطوطات الجبرية" للخوارزمي و"كتاب الأسرار" للرازي. أما في باكو فقد نشر المخطوط المثلثي للطوسي.
وقام معهد الفلسفة والقانون التابع لأكاديمية العلوم الكازاخية (ألما-آتا) بنشر خمسة مجلدات من مؤلفات الفارابي: المخطوطات الفلسفية والرياضية والإجتماعية وفي الأخلاق ومخطوطاته في المنطق وشروحاته حول المجسطي" لبطليموس. وطبعت في موسكو "رسائل الخيام" ومخطوطات الكاشي الرياضية وعدد من مخطوطات ابن قرة وابن ا »
ساحة النقاش