الأسوة الحسنة بقلم‏:‏د‏.‏ محمد عبدالستار نصار للمنهج الاسلامي في التربية والتوجيه‏,‏ خصائص لاتوجد في غيره من المناهج الأخري‏,‏ لعل أبرز هذه الخصائص تنوع عناصره وتكاملها‏. ومن مظاهر التنوع في المنهج التربوي الاسلامي‏,‏ ماجاء تجسيدا لصفات المجتمع المؤمن‏,‏ ليكون ذلك قدوة‏,‏ ومثلا لمن يتطلع لأن يكون هذا المجتمع‏,‏ من ذلك ماجاء في قوله تعالي‏,‏ في أوصاف عباد الرحمن‏:‏ وعباد الرحمن الذين يمشون علي الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما‏(‏ سورة الفرقان آية‏63‏ حتي الآية‏74)‏ ومجموع هذه الأوصاف فيها سلامة الفرد والمجتمع‏.‏ وهي تتنوع إلي نهي عن المنكر وأمر بالمعروف اللذين عليهما مدار سلامة أي مجتمع‏.‏ ومما لاشك فيه أن تجسيد هذه الأوصاف يعتبر ذا أثر قوي في تقويم الأخلاق والسلوك‏.‏ وإذا كان مجتمع المؤمنين مصدرا تشتق منه التوجيهات الالهية‏,‏ فإن مجتمع الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام‏,‏ يكون ذا أثر أقوي في هذا السياق‏,‏ لذا رأينا القرآن الكريم يقدم لنا بعضهم كنموذج يحتذي‏,‏ ويقرن باسم كل واحد منهم الصفة البارزة فيه‏,‏ ولايعني هذا أنها ليست موجودة في غيره‏,‏ فالأنبياء جميعا مطبوعون علي الصفات الفاضلة وعلي كل كمال بشري‏.‏ وإنما يعني أن أخص أوصاف كل منهم‏,‏ هي التجسيد الحقيقي لصفاتهم مجتمعين‏,‏ وذلك في قوله‏:‏ واذكر في الكتاب ابراهيم إنه كان صديقا نبيا‏..(‏ سورة مريم من الآية‏41‏ حتي الاية‏58)‏ والآيات تذكر موسي عليه السلام وتصفه بصدق الاخلاق لله رب العاملين‏,‏ أي أنه يستحوذ علي قلبه غيره سبحانه‏,‏ كما تذكر إسماعيل عليه السلام علي أنه كان صادق الوعد‏,‏ وإدريس عليه السلام علي أنه كان صديقا نبيا وكذلك الأطهار من ذرية آدم وذرية ابراهيم‏.‏ ـ ثم تنتهي قضية الأسوة الحسنة‏,‏ بالحديث المطول نسبيا عن نبيين عظيمين هما‏:‏ ابراهيم عليه السلام‏,‏ أبوالانبياء الذين أتوا من بعده‏.‏ اسحق جد أنبياء بني اسرائيل ويعقوب أبوهم‏,‏ ثم إسماعيل جد نبينا محمد صلي الله عليه وسلم‏,‏ وكأنها خصوصية لهذين الرسولين الكريمين‏,‏ لما لهما من تأثير يذكره لهما تاريخ الأنبياء في تاريخ الانسانية جمعاء‏,‏ يقول تعالي في شأن ابراهيم عليه السلام‏:‏ قد كانت لكم أسوة حسنة في ابراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتي تؤمنوا بالله وحده‏...(‏ سورة الممتحنة من الاية‏4)‏ إن الآية تشير الي رسول كريم دعا قومه الي نبذ عبادة الأصنام وتخصيص الله سبحانه وحده بالعبادة‏,‏ والتف حوله نفر من المؤمنين به‏,‏ يحملون نفس الدعوة عن ايمان قوي‏,‏ بأن ماجاءهم به رسولهم هوالحق‏-‏ وأن ماعليه القوم هو الباطل‏-‏ إذن كيف تعبد من دون الله أصنام لاتضر ولاتنفع‏.‏ وهذا شأن المواجهة دائما بين الحق والباطل في كل زمان وفي كل مكان ولايحسبن أنصارالحق أن الطريق الذي يؤثرونه علي غيره‏,‏ مفروش بالورود والرياحين‏,‏ لأنه طريق أصحاب الدعوات الكبري‏,‏ حين تزاحمه عقبات الضالين‏,‏ الذي يقعدون له كل مرصد‏,‏ إنه نموذج جدير بالتأسي والاقتداء حتي يذعن أصحاب الباطل لصوت الحق‏,‏ وفي سياق هذا المشهد تطالعنا آية أخري تحمل نوعا من التخفيف النفسي عن صاحب الدعوة وأنصاره‏,‏ تدعو الي تأكيد التأسي والاقتداء بهذا المنهج القويم‏,‏ يقول تعاليلقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد‏(‏ سورة الممتحنة آية‏6).‏ أما النبي العظيم الآخر الذيـ ثم يأتي في ختام الدعوة الي الاسوة الحسنة فهو نبينا محمد صلي الله عليه وسلم في قوله تعالي‏:‏ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا‏(‏ سورة الأحزاب آية‏2)‏ والآية الكريمة جاءت في سياق الحديث عن غزوة الأحزاب ومافعله المنافقون فيها‏,‏ لتفضح أساليبهم الماكرة وخططهم المكشوفة حتي يمكن اعتبارها مع سورة التوبة أهم السور القرآنية التي تجسد النفاق وأهله‏.‏ ـ وإذا كانت عبادة الأصنام التي كرس ابراهيم عليه السلام هو ومن معه نفسه لنقضها هي التحدي الحقيقي للعقيدة الصحيحة فإن النفاق هو‏-‏ أيضا‏-‏ التحدي الحقيقي للأخلاق الفاضلة‏,‏ وإذا اعتبرنا عبادة الاصنام رمزا لكل الطواغيت التي تعبد من دونه الله‏,‏ فإن النفاق كذلك رمز لكل الأمراض القلبية التي تجعل الانسان مسخا لاقيمة له‏-‏ فضلا عن أثرها الاجتماعي الضار‏.‏ وكأن الأمر بالتآسي والاقتداء علي الصورة التي أبرزناها يشد من عزم أناس آمنوا بربهم إيمانا صادقا وتحلوا بالصفات الفاضلة هو التصوير الصادق لحقيقة ماينبغي أن يكون عليه مجتمعنا المسلم‏,‏ عسي أن يتخذ السبيل الصحيح للعقيدة الالهية‏,‏ كما أرادها الله سبحانه وتعالي والأخلاق العالية التي تزكو بها النفس ويسعد بها المجتمع‏.‏ وبهذا تظهر خصائص المنهج الالهي في التوجيه والتربية ليتكامل الخطاب من الأوامر والنواهي‏,‏ مع المواقف المجسدة لمشاهد عملية واقعية‏,‏ حتي يكون ذلك أشد تأثيرا في المشاعر والنفوس‏.‏ وتحدث من الاستجابة والفعل مايتجاوز الكلام المجرد

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 61/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
21 تصويتات / 436 مشاهدة
نشرت فى 22 مايو 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,791,626