كيف نقضي علي محاولات اغتيال لغتنا الجميلة؟ قطب: المخاطر.. تمكن التغلب عليها د. فتح الباب: اتهام العربية بالقصور عن مواكبة العصر.. خطأ العجيمي: إنها لغة القرآن.. وهو الهادي والمرجع |
* مع أن اللغة العربية هي خامس لغة من حيث الناطقين بها. فقد أشارت جريدة "الإيكونومست" - مؤخراً - إلي توقعات خبراء غربيين بقرب إعلان وفاتها. وفاة لغتنا الجميلة. عللوا ذلك بضعف الإقبال علي استعمالها من متحدثيها. وضعف الاستثمارات العربية في قطاع التعليم وعدم مواكبتها للتقدم العلمي والكنولوجي. هل تموت اللغة العربية؟ وبتعبير آخر: هل تفلح محاولات اغتيالها؟ د. سيد البحراوي يذهب إلي أن هناك مشكلات. وما قالته الجريدة حقيقي. ثمة لغات ولهجات أخري. سواء في التعليم أو الإعلام والحياة اليومية. وهناك تدهور في المستوي اللغة العربية في الكتابة والصحافة. لكن هذا الخطر - في الوقت نفسه - ليس داهماً علي اللغة. الخطر علي العرب. فهم المتحدثون. الخطرفي تهميشهم الذي يصل - أحياناً - إلي درجة الانقراض. إذا استمر تهديد العرب في مستقبلهم. فإن الأمر غير مطمئن. العلاج يكمن في أن يعود العرب عرباً. أن يسيطروا علي مقدرات حياتهم ضد الهيمنة الاستعمارية. وغيرها من مظاهر السلب في حياتنا. ويؤكد د. ماهر شفيق فريد أن اللغة العربية اليوم في أزمة. لكن من الخطأ أن ننتهي من ذلك إلي أنها مهددة بالانقراض. ولعل الذين يتحدثون عن انقراضها يعبرون عن رغبة خفية في أن يروها تختفي. بما يعنيه ذلك من طمس لهوية الأمة وشخصيتها القومية. والقضاء علي العامل المشترك الذي يربط بين ملايين العرب. مظاهر الأزمة كبيرة. فالفصحي تتراجع علي حساب العامية التي تحتل مواقع جديدة علي أقلام الكتَّاب. وألسنة المعلمين والمتعلمين علي السواء. أساتذة الجامعات. حتي في أقسام اللغة العربية. يشرحون دروسهم بالعامية. أو بفصحي مختلطة بالعامية. وكذلك الشأن في دروس اللغة العربية في كافة مراحل التعليم. والمحصول اللغوي لدي الطالب المتخرج في الجامعة اليوم. اختل كثيراً عما كان موجوداً منذ 60 أو 70 عاماً. ومعني هذا أن عالمه أضيق. وفكره أكثر انحساراً. واللغة العربية التي يستخدمها الكتَّاب والأدباء والصحفيون اليوم أدني كثيراً من اللغة التي كان يكتبها طه حسين والعقاد وهيكل والمازني. حتي في مجادلاتهم السياسية. بل قارن خطب أعضاء مجلس الشعب. أو مرافعات القوانين. أو صياغة أحكام القضاء قديماً بما نراه اليوم. وسنري الفرق شاسعاً. ونحن لم نتمكن بعد من حل المشكلات اللغوية التي تواجهنا منذ أكثر من قرن: التقريب بين مستويات الفصحي والعامية. وضع معجم تاريخي شامل للغة العربية يتتبع أصول الكلمات واستخداماتها منذ العصر الجاهلي. الاتفاق علي ترجمة موحدة لمصطلحات العلوم الحديثة. أو حتي المصطلحات النقدية والأدبية. تيسير النحو والتغلب علي صعوبات القراءة والكتابة والإملاء والطباعة. هذا كله حق. لكنه لايعني أن اللغة العربية مرشحة للانقراض. لقد عاشت قروناً طويلة عرفت فيها ألواناً من الغزو الاستعماري الأجنبي. وكانت وسيلة التواصل بين الملايين في الحياة اليومية. وفي آفاق الفكر علي السواء. وستظل كذلك بما لها من إمكانات مخزونة. فهي - أولاً - لغة القرآن الكريم. ومن ثم فهي تحتل مكاناً لايتزعزع في نفوس الناطقين بها. وتشكل المظلة الحضارية لكل من يعيش في المنطقة العربية. حتي لو كان يدين بغير الإسلام. لقد صمدت لدعوات الداعين إلي كتابتها بحروف لاتينية. أو إحلال العامية مكانها. وينبغي أن نسجل هنا بالتقدير الجهود التي يقوم بها مجمع اللغة العربية. من أجل الحفاظ علي الفصحي. وجعلها وافية بمطالب العلوم والفنون في العصر الحديث. وجهد لجان المجمع المختلفة في إصدار المعاجم المتخصصة. وتوحيد المصطلحات. فضلاً عن صدور أجزاء المعجم الكبير وإن كان إيقاع صدوره بطيئاً. والمعجم الوسيط والمعجم الوجيز ومعجم ألفاظ القرأن الكريم. وكلها جهود باقية علي الزمن. وفي تقدير د. حسين حمودة أننا نستطيع أن نمنع تراجع اللغة العربية. ونمنع موتها بالتالي. من خلال النظر إليها علي أنها ظاهرة تاريخية. مثل كل الظواهر التاريخية الأخري. بمعني أنها يمكن أن تتنامي. وأن تتطور. وهو مايستدعي أن نكون أكثر مرونة في التعامل معها. وفي تغذيتها بمفردات وتعبيرات جديدة دائماً. بحيث تستطيع استيعاب التغيرات والتطورات في عالمنا المعاصر. هناك من ينظرون إلي اللغة نظرة مقدسة. وهذا شيء جميل. لكن هذه النظرة يجب ألا تحول دون الاهتمام بنمو اللغة. وبإعادة النظر في استخدامها القديم. وفي استخداماتنا الحديثة لها. هذه النظرة المقدسة - باختصار - يجب ألا تجعلنا ملكاً للغة فنحن الذين نمتلكها. ومن حقنا أن نستكشف مدي قدرتها علي الاستجابة للتعبير عن كل ما يطرأ علي حياتنا الجديدة. نحن - باختصار - المسئولون الوحيدون عن تجمد لغتنا. كما أننا المسئولون الوحيدون عن نموها وتطورها. ويرفض الروائي إدوار الخراط توقعات الخبراء الغربيين. ويجد أنها مزاعم غير صحيحة. فالكتابات الأدبية والعلمية التي تكتب باللغة العربية تشهد الآن ازدهاراً غير مسبوق. ولعل من وراء تلك التوقعات نية سيئة معقودة. وعلينا أن نتنبه. أعتقد أن اللغة العربية وأدبها ونتاجها الثقافي بخير. ولعلها لم تشهد ازدهاراً مثل الذي تشهده هذه الأيام. أما ما أوردته الإيكونومست فنحن لا ندري من كتب هذا الموضوع. وما قصده. لأن هذا الرأي غير صحيح. فاللغة العربية منتشرة في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة. وكذلك علي أقلام أدبائها. وما قالته الجريدة الغربية في هذا المجال - كما يقول الروائي محمد قطب - نوع من التخوف علي حياة اللغة العربية. وانكماشها. لكنني أري أن العربية ّي إحدي اللغات العالمية التي يتحدث بها ملايين البشر. ولن يحدث لها ماتصورته الإيكونومست من زوال. لكن ثمة مخاطر في الحقيقة تواجهها اللغة العربية. وعلينا ألا نرتكز فقط إلي أن القرآن الكريم. وحفظه للغة العربية. أمر وارد ومعتقد ديني. لكن يخشي أن تتحول الفصحي إلي لغة دينية فقط. في ظل استشراء العامية التي انتشرت بشكل مدهش ومثير للغرابة. فأجهزة الإعلام تصر علي أن تكون أداتها اللغوية هي العامية. بل العامية المفرطة جداً. ما تسربه العولمة. أو ميديا الإعلام العام من أن اللغة العربية غير قادرة علي مواجهة العلوم الحديثة. وبالتالي فإن الارتكاز إلي اللغات الأجنبية أمر مرهون بتقدم العلوم. ولعلنا نلاحظ ما يجري علي الألسنة من لغات أجنبية كثيرة. ترددت بشكل تلقائي. أو موجودة علي لافتات المحال. أو مترجمة باللغة العربية.مما يدل علي أن هناك تغريباً للغة العربية. وإزاحتها عن مجال الخطاب الإعلامي أو التعليمي أو البحثي. ما الذي يعنيه ذلك؟ يعني أن اللغة ستنقسم في الزمن القادم إلي قسمين. لغة تهتم بالمقدس الديني. وهي التي ربما تتخوف منها الإيكونومست. ولغة الحياة اليومية والشارع والبيت والمدرسة والإعلام والمجالات البحثية. إذن ثمة مخاطر علينا أن نتنبه لها. وعلينا أن نضع خطة طويلة المدي للاقتراب من الفصحي. وإحيائها علي الألسنة. وليس في الكتب فقط. وعلينا أن نهتم بمناهج التعليم. خاصة مناهج اللغة العربية وتدريب المدرسين لغوياً. بحيث يستطيعون تقديم مناهجهم بلغة فصيحة جميلة. وعلي المسئولين عن مناهج اللغة العربية أن يراعوا دروس النحو والمران الغوي. واعتبار فروع اللغة العربية وحدة واحدة. بحيث يوظف النحو في التعبير والمطالعة والنصوص. فيقبل التلميذ علي اللغة العربية إقبالاً حسناً. ما لم يحدث هذا في مجال التعليم فلن ينصلح حال اللغة العربية. لأن هؤلاء سيكون منهم من يتحدث في الإعلام. وفي الصحافة. وقاعات البحث. وفي المنتديات الدولية. كما أنه لابد أن نتشدد فيمن يقدمون البرامج الاعلامية والذين يفرطون في حديثهم العامي. بحيث يبدو الأمر كما لو كانت هي الأداة الوحيدة للخطاب. وعلينا أن نتشدد أيضاً في إعادة النظر إلي لافتات المحال وواجهات الشركات. وأن نحرص - قدر الإمكان - علي التحدث بلغتنا العربية الفصحي. وهناك - والكلام الشاعر حسن فتح الباب - عوامل خارجية سياسية وثقافية واقتصادية. تقف خلف اتهام اللغة العربية بالقصور عن مواكبة العصر. وبالعجز عن ترجمة العلوم الحديثة. وتلك فرية أتقن نشرها اليمين المحافظ الأمريكي. وعميلته الدولة الصهيونية. ويكفي للدلالة علي افترائها أن الجامعات السورية تدرس علوم الطب والفيزياء والكيمياء باللغة العربية الفصحي. والهدف من هذه السياسة الإمبريالية هو القضاء علي الهوية العربية التي تمثل لغة الضاد ركنها الأساس. وبهذا يتمكن الاستعمار الجديد من إضعافنا. وتحويل الدول العربية إلي كانتونات مفككة. أما عن العوامل الداخلية التي أدت إلي تراجع اللغة والثقافة فحدِّث ولا حرج. وفي مقدمتها تكاثر الجامعات والمعاهد التي تدرس العلوم والآداب باللغات الأجنبية. ممايؤدي إلي نشأة جيل جديد يتنكر لوطنه وتراثه وحاضره وغده. ويدين للأجنبي بالولاء. ومن المؤسف أن الطبقة الجديدة من رجال المال يتحدث بعض أبنائها في بيوتهم ومقار أعمالهم بالإنجليزية.كما أن بعض المذيعين. بل الكثير منهم. لا يعرفون قواعد اللغة العربية. ويستعملون في برامجهم وحواراتهم كلمات ومصطلحات أجنبية. وكم سمعت مذيعة تنهي حديثها بعبارة : باي...باي. وثالثة الأثافي هي تخبط السياسة التعليمية. فهي لا تعلي من شأن اللغة العربية وآدابها. وتقدم نصوصاً عصية الفهم علي الطلاب. وتدعو الإذاعية هدي العجيمي إلي الاهتمام بلغة الطفل. واهتمام بإعداد مدرس الابتدائي. بل من الحضانة. لأنه لابد للطفل أن يحب العربية من البداية. فالعربية هي رمزنا كعرب. وعلينا اختيار منهج للغة العربية مشوقاً ومحبباً لأولادنا. فنحن نلاحظ - للأسف - إعداد نصوص شعرية صعبة جداً وغير مفهومة. وهذا يحدث صدمة ونفوراً. ويجعل أولادنا يكرهون اللغة العربية. فمثلاً نقدم في المرحلة الإعدادية شعراً لإبراهيم ناجي وعلي محمود طه. ونختار موضوعات تبعث علي الإحساس بالقومية العربية. وتقوي انتماء الطلاب للوطن. أعتقد أن هذا هو لعلاج لضعف اللغة العربية علي ألسنة المتحدثين بها اليوم. وأعتقد أنه علينا - في مجال الأدب - أن نشدد علي الاهتمام بسلامة اللغة العربية. وبالنسبة للإعلام كان أساتذتنا يناشدوننا الاهتمام بسلامة اللغة . وينصحوننا بتلاوة القرآن الكريم بصوت مرتفع كي يجيد المذيع اللغة العربية. ويهتم بالتشكيل. أشدد بأن علينا الاختيار السليم لمناهج اللغة العربية. لأن الأبناء صاروا لايحبون اللغة العربية. في مقابل اهتمامهم بالعلوم والرياضيات والإنجليزية. وعلينا أن نعرف أن لغتنا لن تموت. لأن العربية هي لغة القرآن الكريم. وهو موجود والهادي والمرجع لنا. |
المصدر: http://www.almessa.net.eg/
نشرت فى 15 مايو 2010
بواسطة azazystudy
الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
4,793,866
ساحة النقاش