ثقافة الابتكار
بقلم: د‏.‏ أحمد سيد مصطفي.. استاذ الإدارة ـ جامعة بنها
لماذا هم المنتجون ونحن المستهلكون؟ لماذا هم البائعون ونحن المشترون ؟ لماذا هم الرابحون في السوق العالمية ونحن الخاسرون؟ السبب ببساطة‏,‏ أنهم يبتكرون ويبدعون‏.‏
 
 

 

وبرغم أن الله خلقنا مثلهم لهم عقول ولنا عقول‏,‏ لكنهم يفكرون بها فيبتكرون ونحن نفكر فلا نبتكر‏.‏ والسبب أنهم أنشأوا ثقافة الابتكار وأعملوها في اختراعات وابتكارات ونحن أنشأنا ثقافة الاستهلاك لنستورد ونشتري
والابتكار هو تفكير غير عادي منطلق متحرر من القيود يأخذ عدة صور‏.‏
أما الأولي فهي دمج فكرتين أو شيئين أو أكثر في واحد أكثر إفادة مثل دمج التليفون والكاميرا والساعة وغيرها في جهاز التليفون المحمول‏.‏
وأما الثانية فهي تطوير مفيد لشئ موجود مثل تلك التطويرات التي أدخلت علي السيارة منذ اختراعها علي شكل العربة التي تجرها الجياد وحتي أصبحت علي ما هي عليه الآن‏,‏ ومثل تطوير هيكل تنظيمي أو تبسيط دورة مستندية‏,‏ أو تطوير لنظام عمل في مجال معين‏(‏ تصميم أو صنع أو تغليف في مجالات الصناعة أو تقديم خدمة في مجالات الخدمات أو أسلوب مبتكر في مجالات مثل تكنولوجيا الطب أو الزراعة أو التنمية الحيوانية‏)‏
وأما الصورة الثالثة فهي التوصل إلي فكرة مبتكرة لحل مشكلة فشلت الطرق التقليدية في حلها‏.‏
يقوم الابتكار علي سمات مثل التخيل والثقة بالنفس وحب الاستطلاع والمرونة والمبادأة والمثابرة وطلاقة الأفكار والتركيز والتحرر من الخوف من الفشل‏.‏ وهي سمات يمكن زرعها في النشء إن أردنا زرع ثقافة الابتكار‏.‏
أما ثقافة الابتكار فهي سعي من أطراف رئيسة هي الأسرة والمدرسة وجهة العمل والإعلام لتسليح النشء بتلك السمات اللازمة للابتكار وتشجيعهم علي التفكير الابتكاري‏.‏ أما الأسرة فدورها غرس مهارات استخدام الخيال من خلال القصص الهادفة‏.‏ والمشكلة في هذا الصدد لها شقان‏.‏ الأول فيتمثل في تواضع التنشئة الفكرية للناس أطفالا ويافعين وناضحين ليكونوا مبتكرين‏.‏ وأما الثاني فيتمثل في تجاهل أو عدم تشجيع أو أحيانا كبت بعض المديرين ـ بالمستويات الإدارية المتعددة ـ للمبتكرين من مرءوسيهم‏.‏ والمحصلة هي تواضع القدرات الابتكارية في كثير من منظماتنا سواء الحكومية أو منظمات قطاع الأعمال العام والخاص‏.‏ برغم أهمية هذه القدرات لتحسين مستوي الخدمات الحكومية كعامل أساسي في جذب الاستثمارات المحلية والخارجية من ناحية‏,‏ ولتحسين جودة المنتج وخفض تكلفته لتعزيز قدرته التنافسية بالسوق المحلية والأسواق الخارجية المستهدفة من ناحية أخري‏,‏ لاسيما بعد تحديات عولمة التجارة وتصاعد حدة المنافسة‏.‏
يتمثل بعد الأول من المشكلة الابتكارية في تواضع تنشئة الناس في بلادنا ليكونوا مبتكرين فقد درج عدد كبير من الأسر المصرية في تنشنة أطفالها علي زرع الخوف بإخافة الطفل بشئ ما حتي يسلك كما تريد الأم‏.‏ ولا تخلو ولم تكن تخلو بعض قصص قبل النوم في الأوساط الشعبية من حكايات تتناول العفريت وأبو رجل مسلوخة أوكما سمعت خلال توقفي بإشارة مرور أما وهي تقول لطفلها الباكي‏:‏ أسكت لاجيبلك العسكري ده‏!‏ بينما يتطلب الابتكار خسارة ومخاطرة وكسرا لحاجز الخوف‏.‏
ولما كان الابتكار يتطلب تنشئة وإثارة حب الاستطلاع لدي الطفل فإن هذا يتطلب تزويده ببعض اللعب‏.‏ وهي تتفاوت بالطبع من حيث بساطتها أو درجة تعقيدها‏.‏ فإذا عمد الطفل إلي فك أو كسر اللعبة فإنه يلقي في معظم الأحوال عقابا بهدف ردعه عن محاولة الاستطلاع واستكشاف المجهول‏.‏ وعندما يشب الطفل ويقترب من أو يدخل مرحلة الصبا‏,‏ قد لا يجد فرصة للتعبير باستقلالية عن رأية أو للمبادرة به‏.‏ هذا فضلا عما ينشأ فيه بعض الأطفال من بيئة تربية أو توقراطية يري الوالدان فيهما أنهما فقط مركز التفكير والقرار‏.‏ وأن أهم سمات الأطفال أن يكونوا مطيعين لكن غير محاورين أو مفكرين أو مبادئين‏.‏
وفي التعليم نحتاج إلي نقلة نوعية مدروسة في تكنولوجيا التعليم‏.‏ نقلة تساعد التلاميذ علي اكتساب مهارات الابتكار سالفة الذكر‏,‏ من حيث صياغة المقررات والأنشطة المدرسية والاختبارات والعلاقة بين القائم بالتدريس والتلميذ منذ مرحلة الحضانة وحتي التعليم العالي‏.‏ بحيث لا يكون التركيز علي حشر المعلومات وحفظها بل علي تنمية مهارات الفهم والتفكير والربط والتخيل الخلاق والعمل الجماعي‏.‏
ونحتاج لجهد علمي مخطط ومنسق ومتكامل من وسائل الاعلام لتغرس في نفوس الآباء لاسيما الامهات توجهات انشاء ورعاية وتشجيع سلوكيات الابتكار وتعزيز الثقة بالنفس لدي النشء‏.‏ وهذا يجئ من عدة سبل اهمها قصص الخيال وتنشئة ديمقراطية تري إمكانية أن يفكر الطفل او الصبي أو‏(‏ الصبية‏)‏ ليبادئ فيشارك ولو بفكرة في شئون الاسرة‏.‏ وان التفكير السليم ليس فقط حكرا علي الأب والام‏.‏ نحتاج لجهد علمي مخطط في هذا الصدد‏.‏
وعندما يتخرج الفرد ويخرج لسوق العمل نريد ادارة ـ سواء بالقطاع الحكومي أو قطاعي الاعمال الخاص والعام ـ تبني علي ما افرزه التعليم‏.‏ ادارة تزرع ثقافة الابتكار وترويها وتنميها بان تهيئ وتفتح ابواب الابتكار وتكافئ عليه وليس العكس‏.‏ إدارة تستغل الابتكار في تصميم وتطوير منتجات جديدة أفضل‏,‏ أو في تبسيط الاجراءات أو تحسين الاداء‏.‏ إدارة تعمل بالحديث الشريف من اجتهد فأصاب فله اجران ومن اجتهد فأخطأ فله اجر‏.‏ إن تحديد معايير للاداء الابتكاري واستخدامه في تقييم الاداء والمكافأة علي الابتكار رافد اساسي للتنمية البشرية والنجاح التنافسي في بيئة الاعمال المحلية والخارجية‏.‏ والحكمة الادارية المعاصرة تقول اجعل منتجك متقادما‏(‏ بان تطوره وتنتج الاحدث منه‏)‏ وإلا فعل منافسوك ذلك‏.‏ نريد إدارة يفضل الرؤساء فيها ويشجعون الموظف المبتكر ولا يحبطون المفكر المجتهد‏.‏
 

 

المزيد من مقالات د‏.‏ أحمد سيد مصطفي
 

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 315 مشاهدة
نشرت فى 6 مايو 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,794,308